نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: البديل الذي يخيفهم: حين يصبح الإرهاب أهون من... - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025 01:01 مساءً
طبعا في زمن الارتباك الكبير، لا شيء يثير القلق أكثر من مسؤول رسمي يبرر استمرار جماعة انقلابية بالسلاح والموت، تحت ذريعة أن بديلها سيكون أكثر رعبا. مصطفى النعمان، نائب وزير الخارجية، ارتدى عباءة “الواقعية السياسية” وخرج علينا بتصريح لا يمكن وصفه إلا بأنه صك استسلام مسبق، صادر من داخل “الشرعية” نفسها، وبمباركة من عقل مأزوم ومثقل بخيبات الأيديولوجيا القديمة.
ولقد صدمنا النعمان، عندما قال بنبرة الواثق من نبوءته، إن "إضعاف الحوثي في غياب البديل سيمكن المنظمات الإرهابية من السيطرة على الحكم". بعبارة أخرى: دعوا الحوثي يحكم، فذلك أهون من الإسلاميين، والإرهاب قادم من خلفهم، وعلى رأسهم "الإصلاح"، كما تتهامس غرف السياسة الضيقة.
هكذا، وبجرة تصريح، أصبح الدفاع عن الجمهورية مرهونا بمزاجية الرجل الخائف من أشباح "الإسلام السياسي"، حتى لو كانت تلك الأشباح غير موجودة إلا في رأسه.
لكن دعونا نتمعن قليلا: هل حقا البديل عن الح..وثي هو القاع.دة ود..اعش؟ وهل الدولة اليمنية بكل تعقيداتها وتاريخها وثقافتها صارت تختزل في خيارين لا ثالث لهما؟
إما كهنوت طائفي مسلح، أو إرهاب دموي بلا مشروع؟ ألم تكن هناك ثورة شعبية، وجمهورية تأسست بدماء؟ ألم يكن هناك جيش وطني ومجتمع مدني ونخب مقاومة؟ لماذا يقفز الرجل فوق كل ذلك ليقدم معادلة قاتلة عنوانها: الح..وثي أو دا..عش؟
والشاهد إن هذا ليس مجرد رأي، بل تصريح مسؤول، صادر من نائب وزير الخارجية في حكومة يفترض أنها تمثل الشرعية. وكأن الرجل لا يدرك أنه، بحديثه هذا، يُضعف الشرعية أكثر من ال..حوثي نفسه. لا بل يمنح الانقلاب صك غفران وشرعية دولية على طبق من ذعر.
ثم، لنسأل: من المسؤول عن “غياب البديل” الذي يخشاه؟ أليست هي ذات الحكومة التي ينتمي إليها النعمان؟ أليس الفشل في بناء نموذج دولة في المناطق المحررة هو السبب الحقيقي للقلق؟ بدلا من الاعتراف بهذا الفشل، يقرر الرجل ببساطة أن الحل هو قبول الكارثة القائمة، لأن البديل "قد" يكون أسوأ.
على إن هذه النظرة القاصرة والمسلحه بالخوف، هي نتاج عقلية قديمة، ترى في كل إسلامي مشروع إرهابي، وفي كل مقاومة جمهورية نواة لد..اعش. وهي عقلية تتماهى تماما مع مزاج إقليمي يسعى لتجفيف المجال السياسي من كل ما له علاقة بالهوية الإسلامية، حتى لو كان في إطار مدني ديمقراطي.
الأخطر في كلام النعمان أنه يتحدث عن صنعاء وكأنها جمهورية متكاملة: قيادة واحدة، مشروع موحد، قرار مستقل! عن أي صنعاء يتحدث؟ عن تلك التي تخضع للألغام الحوثية والانتهاكات اليومية؟ أم تلك التي يُقصف أهلها بالهوية والولاء؟ وهل صار المشروع الحوثي “وحدة سياسية” في أعين نائب وزير خارجيتنا؟
إن ما قاله النعمان هو "سقوط ناعم" من وجهة نظري للشرعية من داخلها، إذ لم يكتفي بجلد الذات، بل سوغ للعدو وجوده، وصور المستقبل وكأنه مرعب إلا إذا بقي الحوثي في مكانه.
هو بذلك أشبه بمن يطلب منا أن نرضى بالسرطان، لأن العلاج قد يسبب حمى.
ثم في الوقت الذي يسقط فيه الشهداء كل يوم دفاعا عن مشروع الدولة اليمنية الجمهورية، يخرج من قلب الدولة من يقول لهم: موتكم عبثي، لأن العدو الذي نحاربه هو أهون من البديل المتوهم.
وصدقوني هذا ضرب من الخيانة المعنوية، وسقوط أخلاقي، وإن غُلّف بلغة التحليل السياسي.
ومع ذلك، لا نريد أن نكون من دعاة الإقصاء، ولا أن نطلب محاكمة النعمان على رأيه. بل نريده أن يعتزل، أن ينزع عنه عباءة المسؤولية، ثم يقول ما يشاء. أما أن يتحدث بلسان الشرعية، ويقضم مشروعها من الداخل، فذلك ما لا يجب السكوت عنه.
أما مجلس القيادة الرئاسي، فـ"اصحى يا نائم"، لأن هذا التصريح أخطر من كل هرطقات السلالة الحوثية، وأكثر تأثيرا على صورة الجمهورية أمام المجتمع الدولي. الشرعية لا تنهار فقط بالفساد، بل بتصريحات كالتي أطلقها النعمان، تجعل من القاتل حاميا، ومن الضحية متهما.
من هنا نؤكد ، لا داعش بديلنا، ولا الحوثي قدرنا. ومن لا يؤمن بالجمهورية إلا إذا ظهرت من الإسلاميين، لا يستحق أن يتحدث باسمها. !
وإذ صرّح الأستاذ مصطفى النعمان بما لم يجرؤ الح..وثي على قوله: إن سقوط الجماعة سيفتح الباب لدا..عش والقا..عدة! وكأننا أمام نبوءة فلكية، لا نائب وزير خارجية! كان الأجدر به أن يقول الحقيقة كما هي: إن المجلس الرئاسي غارق في الانقسام، والشرعية مفلسة أخلاقيا ومؤسساتها مشلولة، والفصائل العسكرية الشرعية بلا مرجعية جامعة والفساد في كل ركن.
لكن بدلا من النقد البناء، اختار النعمان أن يمنح المليشيا صك أمان، وأن يحول الإرهاب من خصم للجميع إلى فزاعة يستخدمها لتجميل الكهنوت.
نعم، مخاوفه مشروعة، فالتواطؤ بين ال...حوثي وال..قاعدة واقع لا يُنكر، لكن تسويق الحوثي كخيار عقلاني هو كارثة أعظم. فمتى أصبح المشروع السلالي هو "الاعتدال"؟ ومتى صار الاستسلام يسمى حكمة؟
لذلك أيها النعمان العزيز علينا، عليك أن تعلم الخلاصة: الجمهورية لا تدار بالخوف، ولا تُحمى بمنطق "الأهون شرا". وإن كنت ترى الإرهاب بديلا عن الدولة، فالمشكلة في رؤيتك لا في البدائل.!