الكذب المرضي: سلوك قهري يهدد العلاقات ويعكس أزمات نفسية عميقة - تليجراف الخليج

رغم أن الكذب في حد ذاته سلوك بشري مألوف، إلا أن الكذب المرضي يختلف بشكل جذري، إذ يتحول إلى عادة مزمنة ومفرطة، تجعل الشخص يختلق الأكاذيب بشكل متكرر ودون أسباب واضحة. يُعرّف هذا النوع من الكذب، الذي صاغ مصطلحه الطبيب النفسي أنطون ديلبروك عام 1891، بأنه نمط دائم من اختلاق قصص معقدة ودرامية، تهدف غالبًا إلى جذب الانتباه أو تحقيق التعاطف، دون إدراك كامل من الشخص لمدى تكراره لهذا السلوك.

تشير بعض الدراسات إلى أن 5% إلى 13% من الناس قد يكونون كاذبين مرضيين، إلا أن الأبحاث في هذا المجال ما زالت محدودة، مما يصعّب تحديد الأرقام بدقة. ويتميز الكاذبون المرضيون بقول أكاذيب معقدة ومفصلة، وغالبًا ما يُصورون أنفسهم كأبطال أو ضحايا في قصصهم، مما يؤثر سلبًا على علاقاتهم الاجتماعية ويفقدهم ثقة المحيطين بهم.

أنواع الكذب وأشكاله

يمارس الناس الكذب لأسباب متنوعة، وتتعدد أنواعه كما يلي:

الأكاذيب الأنانية: تُقال لتجنب العواقب الشخصية.

الأكاذيب الإيثارية: تهدف إلى تجنب إيذاء مشاعر الآخرين.

الأكاذيب الانتقامية: تُستخدم للإضرار بالآخرين عمدًا.

أكاذيب الحذف: يتم فيها إخفاء أجزاء من الحقيقة.

الأكاذيب المنتشرة: تُقال لتحقيق مكاسب شخصية أو اجتماعية.

الأكاذيب القهرية: تحدث نتيجة القلق أو الخوف، وليست بالضرورة للتلاعب أو الخداع.

كيفية اكتشاف الكذب المرضي

يمكنك في كثير من الأحيان تمييز الشخص الذي يكذب بشكل مرضي من خلال تكرار الأكاذيب بشكل غير منطقي، إضافة إلى علامات غير لفظية، منها:

تجنّب التواصل البصري أو الإصرار عليه بشكل مبالغ.

التململ والحركات المتكررة للأيدي والأقدام.

تغييرات في وضعية الجلوس باستمرار.

الغموض في الردود وتجنب الإجابة المباشرة.

التعرق واحمرار الوجه عند الحديث.

رغم ذلك، من المهم أن ندرك أن هذه العلامات ليست دليلاً قاطعًا، فقد تتأثر بعوامل بيولوجية وثقافية وظرفية.

أسباب الكذب المرضي

يعتقد الخبراء أن الكذب المرضي قد يكون نتيجة صدمة نفسية أو تدني احترام الذات، بينما يعتبره البعض الآخر عرضًا لحالات صحية نفسية مثل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، أو متلازمة مونشهاوزن، حيث يكذب المصابون حول حالتهم الصحية لجذب الانتباه. وتشير الدراسات إلى أن الكذب يصبح أسهل كلما مارسه الشخص أكثر، مما يخلق حلقة مفرغة يصعب كسرها.

كيفية التعامل مع الكاذب المرضي

التعامل مع شخص يكذب بشكل مرضي قد يكون مرهقًا، لكن هناك استراتيجيات قد تساعد في الحد من تأثيره:

الثقة بالواقع الخاص بك: لا تدع الأكاذيب تشكك في واقعك، وكن على اتصال بأشخاص موثوقين للتحقق من الحقائق عند الحاجة.

وضع حدود واضحة: حدد ما يمكنك تحمله في العلاقة وأبلغ الشخص بذلك، مع توضيح العواقب في حال انتهاك هذه الحدود.

تشجيع التوجه للعلاج النفسي: لا يمكنك إصلاح الكذب المرضي بمفردك؛ النصيحة بالتوجه لمختص يمكن أن تكون خطوة في طريق العلاج.

التفكير في إنهاء العلاقة: إذا استمر الكذب وأثر على صحتك النفسية، قد يكون من الضروري التفكير في الابتعاد.

العناية الذاتية: لا تهمل صحتك النفسية، مارس التأمل، ودوّن ملاحظاتك، واعتنِ بنفسك لتجاوز التوتر الناتج عن هذه العلاقة.

الكذب المرضي ليس مجرد عادة سيئة، بل هو اضطراب يحتاج إلى فهم وتعامل خاص. تجاهله قد يؤدي إلى تدمير العلاقات وفقدان الثقة، في حين أن المواجهة بحذر وتقديم الدعم قد يكونان طريقًا نحو التعافي.