نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: النقابة وأزمة الثقة في المغرب: صعود التنسيقيات كمؤشر لتحول اجتماعي - تليجراف الخليج اليوم الخميس 8 مايو 2025 02:10 مساءً
تعيش النقابات المغربية اليوم واحدة من أعمق أزماتها منذ نشأتها، إذ لم تعد قادرة على تأطير الفئات التي من المفترض أن تمثلها أو الدفاع عن مطالبها كما كانت تفعل في العقود السابقة. هذه الأزمة التي بدأت بوادرها تظهر منذ سنوات، لم تعد تخفى على أحد، فقد تحولت إلى واقع ملموس يتجسد في تراجع نسب الانخراط، فتور المشاركة في المحطات النضالية، وانخفاض الثقة الشعبية في جدوى الفعل النقابي.
بعيدًا عن الخطاب الرسمي والبيانات المتكررة، أصبحت النقابة في نظر شريحة واسعة من المواطنين جسدًا بلا روح. والسبب لا يعود فقط إلى تحولات المجتمع أو تعقيد الملفات الاجتماعية، بل إلى اختلالات داخلية مست عمق الممارسة النقابية نفسها. أول هذه الاختلالات يتمثل في الارتهان المفرط للأجندات الحزبية، حيث فقدت بعض النقابات استقلاليتها وتحولت في نظر الكثيرين إلى واجهات سياسية تتغير مواقفها بتغير موازين القوى داخل المشهد الحزبي. هذا التداخل بين السياسي والنقابي جعل المطالب الاجتماعية تُؤجل، أو تُسوّى وفق منطق التفاوض السياسي لا وفق مصلحة الشغيلة.
إلى جانب ذلك، تبدو الحصيلة النضالية للنقابات في السنوات الأخيرة متواضعة مقارنة بحجم الاحتجاجات والتحركات التي خاضتها. وغالبًا ما تنتهي جولات الحوار الاجتماعي دون نتائج نوعية، مما رسخ لدى المواطن إحساسًا بعبثية الفعل النقابي. كما أن الانقسامات والصراعات الداخلية، والانشقاقات المتكررة، ساهمت بدورها في إضعاف صورة النقابة كمؤسسة قادرة على تنظيم الصفوف والدفاع عن الحقوق.
في ظل هذا الواقع، برزت في المشهد الاجتماعي المغربي ظاهرة جديدة: التنسيقيات. وهي تنظيمات غير رسمية، تتأسس حول مطالب فئوية محددة، وتضم فئات مهنية شعرت بالتهميش أو بعدم التمثيلية داخل النقابات. هذا النموذج الجديد في العمل الاحتجاجي، يُعبر في عمقه عن فقدان الثقة في الوسائط التقليدية، وعن رغبة في تجاوز البيروقراطية النقابية من أجل مطالب أكثر وضوحًا ومباشرة.
من بين أبرز هذه التنسيقيات، تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، التي ظهرت سنة 2019 واستطاعت أن تفرض نفسها كقوة احتجاجية فاعلة، رغم غيابها عن الأطر النقابية التقليدية. ومن الأمثلة الأخرى، تنسيقيات الطلبة المهندسين والأطباء، الذين نظموا إضرابات وطنية ضد قرارات وزارية دون وساطة نقابية. وهناك أيضًا تنسيقيات المعطلين حاملي الشهادات، التي تحتج في المدن منذ سنوات، وتعتمد على ذاتها في التنظيم والتفاوض.
اللافت في هذه الحركات أنها تستمد مشروعيتها من قاعدتها الاجتماعية المباشرة، ولا تنتظر اعترافًا رسميًا كي تتحرك. كما أنها تستثمر وسائل التواصل الاجتماعي في التنظيم والتعبئة، ما يمنحها قدرة كبيرة على الوصول والتأثير. غير أن ما يجعل من هذه الظاهرة مؤشرًا دالًا، هو أنها تكشف عن تحوّل عميق في ثقافة العمل الاجتماعي بالمغرب، من التنظيم المؤسساتي الكلاسيكي، إلى أشكال مرنة، عابرة للأيديولوجيات، ومبنية على قضايا ملموسة.
أمام هذا المعطى الجديد، تبدو النقابات مطالَبة اليوم بأكثر من مجرد نقد الذات أو تجديد خطابها. فهي بحاجة إلى مراجعة هيكلها التنظيمي، وإعادة بناء علاقتها مع القواعد، بعيدًا عن الحسابات السياسية. كما أن على الدولة أن تعيد النظر في مقاربتها للحوار الاجتماعي، بحيث لا يُختزل في لقاءات موسمية مع شركاء تقليديين، بل ينفتح على الفاعلين الجدد الذين فرضتهم المرحلة.
إن صعود التنسيقيات لا يعني بالضرورة نهاية دور النقابات، لكنه بلا شك يعلن عن بداية مرحلة جديدة في التعبير الاجتماعي، تتطلب من النقابة أن تتطور أو أن تُترك جانبًا. فالشرعية لم تعد تُمنح بحكم القانون أو التاريخ، بل تُنتزع بالفعل الميداني، والقدرة على تمثيل الناس والدفاع عنهم دون وسطاء.