«دوار الساعة».. توقيت دبي ينبض بعراقة التاريخ - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: «دوار الساعة».. توقيت دبي ينبض بعراقة التاريخ - تليجراف الخليج اليوم السبت 17 مايو 2025 11:03 صباحاً

«العمران» هو الحضارة. وكان المؤرخ وعالم الاجتماع الشهير ابن خلدون، يستخدم هذه المفردة للإشارة إلى الحضارة.

وهذا، على وجه التحديد،هو المفتاح الأول لفهم أهمية «دوار برج الساعة» في ديرة، بدبي، المشيّد في العام 1963.

وقد أشارت إلى ذلك، سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي في تغريدة نشرتها على موقع التدوينات القصيرة «إكس»، حيث قالت سموها: «دوار الساعة في منطقة ديرة، كان أول معلم بارز يراه زوّار دبي في أوائل الستينيات».

وأضافت سموها في التغريدة التي نشرتها في سياق هشتاق «#معالم_دبي»: «لطالما ارتبط دوار الساعة بذاكرتنا الجماعية، وطفولتنا، وذاكرة أهالي الإمارة وزوّارها.

حيث لعب دوراً محورياً في مسيرة دبي التنموية .. ومع مرور الوقت، أصبح هذا المعلم جزءاً من هوية المدينة، ورمزاً لحضارتها التي تتعاقب عليها الأجيال».

ومن اللافت أن «دوار برج الساعة»، هذا المعلم الحضاري، هو أول «مفردة» معمارية، حملت معاني رمزية، أشارت إلى المستقبل، كما نعرفه في دبي الحديثة، اليوم، فقد مثّل الإشارة الأولى إلى توجه دبي إلى ربط التنمية بالفكر العمراني، وهو ما تنامى، فأثمر عشرات من الأيقونات المعمارية، التي أضحت جزءاً من شخصية المدينة.

أما أن هذا المعْلَم جاء ساعة ميدان عامة، فسيعطيه معنى رمزياً آخر يشير إلى توقيت دبي، الذي ينبض بعراقة التاريخ.

وفي حينه، اكتسب رمزية خاصة، إذ يسلط الضوء على أول معبر بري بين «ديرة» و«بر دبي» عبر جسر آل مكتوم، كما شكّل أول نقطة وصل للطرق الرئيسة المؤدية إلى دبي قبل إنشاء طريق دبي - أبوظبي.

وأصبح مع مرور الوقت، جزءاً من هوية المدينة، ورمزاً لمكانتها الحضارية، ويمثل لحظة هامة تشير إلى تطلعاتها التنموية والعمرانية، ولفت الأنظار إليها كنموذج حديث صاعد بين اقتصادات المنطقة؛ فقد أدرج مرتين ضمن أجمل 17 برج ساعة حول العالم إلى جانب برج ساعة بيغ بن في لندن، وبرج ساعة بلدية براغ، وبرج ساعة الحميدية في بيروت، الذي بني في عام 1897 إلى جانب برج الساعة في مكة المكرمة.

قصة المشروع

من اللافت أن تاريخ «برج الساعة في دبي»، تم جمعه بالأساس اعتماداً على ذكريات الأشخاص، الذين عاشوا في دبي خلال حقبة في الستينيات، وممن عاصروا أو عرفوا أشخاصاً شاركوا في تصميم برج الساعة وبنائه.

وتشكل ذكريات هؤلاء عن تلك الأوقات والأحداث. ومن هؤلاء المهندس إدغار بوبليك.

يشرح بوبليك الظروف التي قادت إلى بناء «برج الساعة»، فيروي أن المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، تلقى في أوائل ستينيات القرن الماضي، هدية هي ساعةً كبيرة.

وهذه الساعة، التي يُعتقد أنه تم شراؤها في مانشستر بالمملكة المتحدة، المعروفة حينها بصناعة الساعات، كانت تعتبر بمعايير ذلك الوقت ضخمةً جداً، لدرجة أن الاحتفاظ بها في مكان مغلق يعتبر هدراً لقيمتها.

لذا، طلب المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، مشورة المهندس البريطاني أو.جي.بولارت، الذي كان شريكاً في واحد من ثلاثة مكاتب هندسية تعمل في دبي حينها، واستقر الرأي على استخدام الساعة في بناء برج في أحد ميادين دبي.

فلسفة التصميم

أو.جي.بولارت، الذي قام مكتبه في تلك الحقبة بدور المكتب الاستشاري لأعمال «والد دبي»، وانتهى لتوه من تصميم «قصر زعبيل»، كان قد ضم إلى مكتبه مهندساً جديداً قادماً من سوريا هو المهندس زكي الحمصي، المولود في دمشق عام 1929، خرّيج تخصص الهندسة المعمارية وتخطيط المدن من جامعة ليدز البريطانية.

ووفق ما يروي الحمصي، في مقابلة سابقة مع «تليجراف الخليج» فقد تلقى المكتب الهندسي الذي يعمل فيه أربعة تصاميم، يظهر فيها البرج على شكل عمود تقليداً لـ«ساعة بيغ بن».

إلا أن الحمصي قدم اقتراحاً مختلفاً؛ اقترح أن يكون الشكل أكثر انسيابية، وأن يأتي تصميم البرج بحيث يكون مواجهاً لأربعة طرق، ويمكن مشاهدته من أي اتجاه، ومفتوحاً على الشوارع التي يربطها، فحظي اقتراحه بالقبول، وتم تكليفه عام 1962 بوضع التصميم، ثم أُعطِى توجيهات ببدء التنفيذ.

ووفق ما أوضح الحمصي، فإنه قام بتنفيذ بناء البرج من خلال المكتب الهندسي، الذي كان يعمل فيه، واستغرق بناؤه عشرة أشهر كاملة؛ وكان البرج بناءً معقداً يتطلب تمويلاً وموارد هائلة وقوى عاملة.

وفي ذلك الوقت، لم يكن هناك مقاولو بناء يمتلكون القدرة على بناء مشروع بهذا الحجم، فاضطر القائمون على المشروع إلى اتباع نهج «اصنعها بنفسك».

عناية واهتمام

وبحسب المهندس زكي الحمصي، المتوفي في دبي عام 2017، فإن المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، كان يولي مشروع برج الساعة عنايته الكاملة، وكان حريصاً على تنفيذه، ويتفقد بنفسه سير العمل فيه، واعتبره معْلَماً تتوارثه الأجيال.

فكان العاملون في المشروع يأخذون أوامر التنفيذ مباشرة من مكتب «والد دبي». ويتذكر الحمصي أن البرج كان محط الأنظار، فلم يكن الكثير من الناس يتوقعون إنجازاً كهذا في ذلك الزمن.

وقد أظهر الناس وأهل دبي الحب للبرج، حيث كانوا يتجمعون حوله، وينظرون إليه بدهشة وإعجاب شديدين، حتى قبل أن ينتهي البناء، وكان أكثر شيء يثير الفضول هو شكل البرج، وكذلك الساعة.

قيمة أيقونية

ويقول المهندس رشاد بوخش، رئيس جمعية التراث العمراني، ونائب رئيس المنظمة العربية للمتاحف، إن مشروع «برج الساعة» بدأ مع فكرة تشييد جسر آل مكتوم، الذي كان أول جسر يربط بين بر دبي وديرة. وكان الدوار يمثل نقطة مرورية.

وفي ذلك الوقت، لم تكن هناك إشارات مرور، وكان يتم اللجوء إلى تشييد دوار على العقد المرورية، لا سيما أن الدوار هو أسلوب بريطاني في الحلول المرورية.ويضيف المهندس بوخش: المشروع عهد إلى مكتب هندسي نمساوي هو مكتب «أيه. إس. تي».

وهذا المكتب سبق له أن عمل في مشروع تعميق الخور، فعهد إليهم تصميم مشروع دوار الساعة. وفكرة الساعة فكرة جميلة وقديمة لدى الأمم.

ويمكن أن نلاحظ، مثلاً، أن العثمانيين كانوا يحرصون على تشييد برج ساعة في أهم المدن التي تقع تحت سلطتهم. وعلى الصعيد المعماري، تم اعتماد الأقواس الإسلامية، بأسلوب التداخل.

وهكذا، كان لدينا أربعة أعمدة قوسية في الأسفل، وأربعة في الأعلى، وهو ما يذكر بالفكرة المعمارية في مسجد قرطبة، القائمة على تكرار القوس نفسه، ولكن الأقواس السفلية، هي ما يحمل المبنى. ويؤكد المهندس بوخش: وبهذا، كانت النتيجة جميلة.

وأيقونية فعلاً. والآن، تم تسجيل برج الساعة في قائمة التراث الحديث لإمارة دبي ودولة الإمارات. وذلك ضمن جهود وزارة الثقافة وجمعية التراث العمراني، اللتين تعملان على تسجيل التراث الحديث.

عجلة بناء

في الواقع، يبقى هذا المعْلَم الحضاري، مثيراً للدهشة إلى اليوم؛ فمنذ بنائه انطلقت عجلة البناء والتنمية، بتوقيت مستقبلي دقيق.

لطيفة بنت محمد: «دوار الساعة» جزء من هوية دبي ورمز لحضارتها

أسماء مناطق دبي.. دلالات ومعانٍ تروي سيرة حاضرة تاريخية فريدة

بلدية دبي تحتفي بالأيقونات المعمارية التراثية