بالوثيقة.. سؤال في التاريخ يزلزل أركان "الجزائر" ويضطر "الكابرانات" إلى توقيف أستاذ وفتح تحقيق عاجل - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: بالوثيقة.. سؤال في التاريخ يزلزل أركان "الجزائر" ويضطر "الكابرانات" إلى توقيف أستاذ وفتح تحقيق عاجل - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء 21 مايو 2025 09:46 مساءً

تفجّرت في الجزائر خلال الأيام الماضية، موجة جدل واسعة بسبب سؤال ضمن اختبار تجريبي لمادة التاريخ والجغرافيا بثانوية "أحمد مدغري" في ولاية وهران، تضمّن عبارة "قيام دولة إسرائيل". ورغم أن السؤال طُرح في سياق أكاديمي موجَّه لتلاميذ شعبة التسيير والاقتصاد، فإن استعمال المصطلح أثار استنفارًا رسميًا، ودفع وزارة التربية إلى فتح تحقيق عاجل، وتوقيف الأستاذ المعني تحفظيًا، وسط موجة انتقادات وتحليلات لم تهدأ.

ردّ الفعل الرسمي كان حاسمًا وسريعًا، حيث سارعت مديرية التربية إلى إصدار بيان يعتبر الصياغة "غير مقبولة إطلاقًا"، لكونها تتعارض مع الموقف السياسي الثابت للجزائر تجاه القضية الفلسطينية، والذي لا يعترف بإسرائيل كدولة، بل يصنفها في الخطاب الرسمي والتربوي كـ"كيان صهيوني غاصب".

في سياق متصل، أوضحت المديرية أن ما جرى لا يمثل توجه الدولة، ولا حتى نوايا الأستاذ، رغم إقراره بأن هدفه من السؤال كان إبراز سلبيات الاحتلال. غير أن المسألة سرعان ما تجاوزت حدود الامتحان، لتسلّط الضوء على مساحات التوتر بين الحقل التربوي والمرجعية السياسية في الجزائر. إذ تُظهر الواقعة أن مجرد اختيار مفردة "قيام" بدلًا من "احتلال"، قد يتحول إلى خرق رمزي يمسّ جوهر الهوية الوطنية، تحول معه المدرس من فاعل تربوي إلى متهم سياسي، انتهى باستدعاء زملائه ومدير المؤسسة، كأن الأمر لا يتعلق بسؤال بل باختراق مؤسساتي.

هذه الحادثة تفتح باب النقاش حول مفهوم الحياد الأكاديمي، ومدى قدرة المناهج الدراسية على السماح بالتفكير النقدي دون الاصطدام بثوابت الدولة. فبينما يرى البعض أن ما حدث تعبير عن سهو لغوي أو سوء تقدير، يعتقد آخرون أن الدولة تخشى "تطبيع المفردات"، حيث يمكن لمصطلح غير محسوب أن يتحول إلى أداة اختراق ناعم داخل المدرسة الجزائرية، التي لطالما اعتُبرت حصنًا أيديولوجيًا لا يقل أهمية عن الجبهة السياسية.

ولعل المفارقة أن هذا التشدد الرسمي في توصيف كيان سياسي ينسجم تمامًا مع خطاب الدولة التقليدي، لكنه يتناقض أحيانًا مع التحولات الإقليمية التي تشهد نوعًا من التراخي أو إعادة التموقع. فأن تُثار كل هذه الضجة بسبب كلمة واحدة في امتحان، يكشف عن حساسية مبالغ فيها، لكنها في ذات الوقت تعبّر عن صراع داخلي أعمق، بين خطاب يريد أن يظل وفياً لذاكرة النكبة، وبين واقع يفرض مراجعة بعض أدوات التعبير.

وهكذا، يصبح السؤال المدرسي، بعبارته المثيرة، أكثر من مجرد فقرة في امتحان، بل مرآة تعكس التوترات بين ما يجب أن يُقال وما لا يجب، بين حرية التلميذ في الفهم، وحدود الأستاذ في الكتابة، وبين مصطلحات تخشى الدولة أن تُؤخذ على محمل التطبيع، حتى ولو كانت جزءًا من سردية تاريخية تُدرّس في جامعات العالم.