نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: نُذر تحول استراتيجي في سياسات أوروبا الدفاعية - تليجراف الخليج اليوم الجمعة 23 مايو 2025 05:41 صباحاً
يبدو أن الاتحاد الأوروبي يمر بلحظة فارقة في مسار تطوره الدفاعي، تطرح تساؤلات جوهرية عن مستقبل بنيته الأمنية وطبيعة الاعتماد المتبادل بين ضفتي الأطلسي؛ إذ تؤكد الموافقة الأولية، التي منحها التكتل لصندوق دفاعي ضخم بقيمة 150 مليار يورو، الانفتاح على مقاربة جديدة، تقوم على التمويل المشترك، والارتقاء بالقدرات العسكرية الذاتية، بعيداً عن المظلة الأمريكية التقليدية.
في صلب هذا التحرك الأوروبي تقف اعتبارات تتجاوز التمويل، لتلامس جوهر السيادة الاستراتيجية، بالنظر إلى أن المفوضية الأوروبية لا تكتفي بإنشاء صندوق عسكري غير مسبوق، بل تقترح أيضاً قواعد مرنة جديدة، تتيح للدول الأعضاء تجاوز القيود المالية عند الاستثمار في التسلح.
وهو ما قد يرفع مجموع الإنفاق العسكري الأوروبي المشترك إلى نحو 800 مليار يورو، وبما يعكس رغبة واضحة في بناء منظومة أمنية أوروبية أكثر استقلالية وتكاملاً.
واللافت في هذا التحول هو آلية التمويل ذاتها، إذ تعتزم بروكسل اللجوء إلى أسواق رأس المال لجمع المبلغ، ثم تقديمه في شكل قروض للدول التي تسعى إلى سد الفجوات في ترساناتها الدفاعية، خاصة في ما يتعلق بالصواريخ والمُسيرات والدفاعات الجوية، ويعيد هذا النموذج المالي إلى الأذهان أدوات مواجهة الأزمات، التي لجأ إليها الاتحاد خلال الجائحة.
من برلين يقول المحلل السياسي المتخصص في العلاقات الدولية، عبد المسيح الشامي، وهو رئيس المنظمة الألمانية الروسية للتنمية، إن «أوروبا تمر بتحول استراتيجي تاريخي عميق، عنوانه الأساسي إعادة التموضع».
ويضيف لدى حديثه مع «تليجراف الخليج»: إن «ما نشهده اليوم هو بوادر انفصال حقيقي لأوروبا عن أمريكا، لكن هذا لا يعني أن أوروبا ستترك لتبني قوتها الذاتية، وتتحول إلى كيان مستقل تماماً عن الولايات المتحدة. برأيي مرحلة التحالف والشراكة التقليدية قد انتهت، إلا أن التبعية لأمريكا ستبقى قائمة، ولكن من موقع مختلف وبآليات جديدة».
وفي ما يتعلق بالشق الدفاعي، فإن مرحلة حلف الناتو بدأت تشهد تراجعا تدريجياً، والمؤشر الأبرز لذلك هو التقارب الأمريكي الروسي، والذي انعكس بإسقاط روسيا من خانة الخصم الاستراتيجي في بعض السياسات الأمريكية، وفق الشامي، الذي يضيف:
«هذه الرؤية لا تقتصر على إدارة ترامب بل يشاطرها العديد من السياسيين الأمريكيين من كلا الحزبين، الذين يصرّحون بأن لا مبرر حقيقياً اليوم للخصومة مع روسيا، بل على العكس، يرون فيها شريكاً محتملاً، يمكن أن يحقق التوازن بدلاً من المواجهة».
وفي تقدير رئيس المنظمة الألمانية الروسية للتنمية فإن «هذا التغيير في الرؤية يزعزع مكانة حلف الناتو، الذي تأسس أصلاً لمواجهة التمدد والنفوذ الروسي»، ويختتم حديثه قائلاً: «يمكن القول، إن أوروبا بدأت تعيد حساباتها، وتعيد رسم علاقتها الدولية من موقع مختلف، لكن هذه المهمة ليست سهلة. ورغم ما تملكه القارة من قوة اقتصادية، إلا أن الحرب في أوكرانيا وجهت لها ضربة قاسية».
نقطة تحول
وفي سياق متصل، يمثل الاتفاق الأمني والدفاعي الجديد بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي نقطة تحول إضافية، تعزز هذا المسار الاستراتيجي نحو تعزيز القدرات الذاتية للتكتل الأوروبي.
فعلى الرغم من خروج المملكة المتحدة من الاتحاد، فإن السماح لها بالوصول إلى الصندوق الدفاعي الأوروبي، الذي يجري إنشاؤه بقيمة 150 مليار يورو، يعكس براغماتية جديدة في العلاقات الثنائية.
حيث تتقدم الأولويات الأمنية والجيوسياسية على الحسابات السياسية القديمة، ويبدو أن التهديدات المتنامية في الجوار الأوروبي فرضت إيقاعاً جديداً في التنسيق بين بروكسل ولندن، تتجاوز صدمات «البريكست».
تحركات استراتيجية
وحول ما إذا كانت أوروبا أمام تحول استراتيجي فعلي في سياسات الدفاع أم أنه «مجرد رد فعل مرحلي على التغيرات في الموقف الأمريكي؟» يقول من بروكسل خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات لـ«تليجراف الخليج»، إن التحركات الأخيرة التي يشهدها الاتحاد الأوروبي.
بالتعاون مع بريطانيا في المجالين العسكري والأمني، لن يكون لها تأثير فعلي أو نتائج ملموسة على المدى القريب أو المتوسط، ولن ترتقي لمستوى تحركات استراتيجية قادرة على التأثير في مستقبل الدفاع الأوروبي.
ويوضح أن استمرار عضوية دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، واعتمادها عليه من الناحية الدفاعية، يشكل عائقاً رئيسياً أمام تحقيق استقلال دفاعي حقيقي، مستطرداً:
«الولايات المتحدة، رغم التصريحات التي تصدر عن الرئيس ترامب، لا تزال متمسكة بعضويتها في الحلف، وتواصل العمل ضمن إطاره، وهو ما يعزز التأثير السياسي الأمريكي على توجهات دول الاتحاد الأوروبي الدفاعية».
ويشير إلى أن الاعتماد الأوروبي على المظلة الدفاعية الأمريكية سيبقى مستمراً، رغم محاولات الدول الأوروبية تحقيق نوع من الاستقلال الدفاعي، إلا أن الارتباط بالولايات المتحدة لا يزال قائماً وقوياً.ويستشهد في ذلك باستخدام الدول الأوروبية للأسلحة والأنظمة الأمريكية، وعلى رأسها طائرات «F-35».
كما يلفت إلى أن الاعتماد الأوروبي على الولايات المتحدة في المجال الدفاعي سيستمر لسنوات طويلة مقبلة، مؤكداً أن الإمكانات المالية المعلنة من قبل بعض المسؤولين الأوروبيين لتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية غير كافية لتحقيق استقلال ذاتي أمني ودفاعي.