حل الدولتين..الطريق الصعب الذي لا بديل منه - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: حل الدولتين..الطريق الصعب الذي لا بديل منه - تليجراف الخليج اليوم الجمعة 23 مايو 2025 11:59 مساءً

في ظل تزايد تعقيد المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، تعود الرباط لتؤكد حضورها كفاعل دبلوماسي وازن في جهود إحلال السلام، من خلال استضافتها الاجتماع الخامس للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين. هذا اللقاء، الذي احتضنته العاصمة الرباط يوم 20 أيار/مايو تحت شعار "الحفاظ على دينامية عملية السلام: الدروس المستخلصة، النجاحات والآفاق"، لا يعكس فقط إرادة جماعية لإحياء مسار تفاوضي طال انتظاره، بل يشكل أيضًا اعترافًا ضمنيًا بأن البدائل المطروحة لحل الدولتين ليست سوى وصفات للفوضى والانزلاق نحو مزيد من العنف والتطرف.

حل الدولتين، القائم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، لم يعد مطلبًا فلسطينيًا فحسب، بل أصبح اليوم الحل الواقعي الوحيد المتبقي أمام المجتمع الدولي. فالبدائل، من مشاريع "الدولة الواحدة" إلى سيناريوهات "اللا حل"، أثبتت إما فشلها أو خطورتها على أمن واستقرار المنطقة، بل والعالم.

ما يجعل اجتماع الرباط محطة مفصلية، ليس فقط توقيته الحرج، بل أيضًا تنوع المشاركين فيه، والتركيز غير المسبوق على القضايا الهيكلية التي تعرقل تحقيق السلام. فدون دعم هياكل الحكم الفلسطيني، وبناء اقتصاد قادر على تعزيز الصمود، لن يكون لأي اتفاق سياسي أثر ملموس على حياة الفلسطينيين، فالسلام، في جوهره، مشروع إنساني وتنموي قبل أن يكون وثيقة موقعة.

إن اجتماع الرباط ينعقد في ظل الوعي الدولي المتنامي بأن الخطر الأكبر على حل الدولتين لا يأتي فقط من الجمود السياسي وتزايد إغراء العنف، بل من مبادرات بديلة تسعى لفرض وقائع جديدة على الأرض ومنها عودة الحديث عن تهجير الفلسطينيين. موضوع التهجير ليس موضوعا جديدا، ذلك أن كثيرا من المشاريع الإسرائيلية كانت مطروحة بنفس المضمون منذ بداية السبعينات من القرن الماضي، ويمكن اعتبار أحدثها ما جاء به التقرير الذي أعده غيورا آيلاند Giora Elland رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي (2004-2006) سنة 2010، والذي كان مسبوقا بدراسة مطولة نشرت له عبر مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في أيلول/شتنبر 2008، فكرة آيلاند تتمحور أساسا حول إلغاء حل الدولتين من خلال مقترحين للحل، الأول إحداث كونفدرالية أردنية فلسطينية مكونة من ثلاث ولايات وهي الضفة الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة بحكم ذاتي كامل لكل ولاية، بينما تبقى مجالات السيادة حصريا في العاصمة الأردنية عمان، أما المقترح الثاني فيقوم على تبادل الأراضي مع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر (بين رفح والعريش) وتعويض القاهرة مقابل ذلك بأراضي في صحراء النقب. حسب غيورا آيلاند فإن مسار التقدم فيما يقدمه كحل يعتمد على ثلاثة متغيرات رئيسية: الأول هو إدراك الإدارة الأمريكية بأن الحل التقليدي، أي حل الدولتين، ليس حلًا كافيًا ولا جذابًا للطرفين. المتغير الثاني هو أنه من المهم إيجاد جهة فاعلة مستعدة لاقتراح هذا الحل على الأطراف المعنية، ذلك أن المبادرة يجب أن تأتي من طرفٍ "محايد" ويُنظر إليه بوصفه مهمًا ومؤثرًا وهذا الطرف هو الولايات المتحدة. أما المتغير الثالث هو أن يتم تقديم الأمر كفرصة. 

المغرب، من خلال تنظيمه للاجتماع الخامس للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين  بشكل مشترك مع هولندا، يقدم نفسه كوسيط متوازن ذي مصداقية، مستفيدًا من علاقاته الجيدة مع مختلف الأطراف، ومن رئاسة العاهل المغربي الملك محمد السادس للجنة القدس في بعدها الرمزي والعملي. فاستضافة هذا الاجتماع ليست مجرد نشاط دبلوماسي روتيني، بل تجسيد لنهج عملي في دعم القضية الفلسطينية، بعيدًا عن المزايدات أو الحسابات الضيقة. 

في هذا السياق، يكتسب الاعتداء الأخير على وفد دبلوماسي يضم ممثلين عن 25 دولة، من بينهم السفير المغربي خلال زيارة لمخيم جنين الأربعاء الماضي، بعدًا خطيرًا. فهذا الهجوم، الذي يشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاقية فيينا، يعكس استهتارًا متواصلاً من قبل الاحتلال بالقانون الدولي، ويؤكد أن غياب المحاسبة شجع إسرائيل على التمادي في الانتهاكات. حضور السفير المغربي ميدانيًا لا يرمز فقط إلى التضامن، بل يعكس التزامًا عمليًا ومبدئيًا، يعزز من رمزية الموقف المغربي في هذا الظرف الحرج.

 نجاح اجتماع الرباط لا يُقاس بعدد المشاركين الذي تجاوز خمسون دولة من مختلف أنحاء العالم و لا بالخطابات الصادرة عنها، بل بما مثله من تحول إلى منصة لتوافق دولي حقيقي يُفضي إلى خطوات عملية تُعرض في مؤتمر نيويورك المرتقب في حزيران/يونيو القادم. فلا أحد يملك ترف الانتظار، والعالم لم يعد يحتمل المزيد من الأزمات المفتوحة. ورغم كل التحديات، يبقى حل الدولتين الأفق الوحيد القابل للحياة، والطريق الذي لا بديل منه رغم صعوبته.