نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الحوثيون وعشر سنوات من القبضة الحديدية.. كيف استطاعت... - تليجراف الخليج اليوم السبت 24 مايو 2025 02:17 صباحاً
مع مرور أكثر من عقد على اجتياح مليشيات الحوثي للعاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014، والإطاحة بالحكومة الشرعية المنتخبة، يبقى السؤال حاضراً بقوة داخل اليمن وخارجه: كيف تمكنت أقلية مذهبية صغيرة نسبياً من السيطرة على ملايين المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، رغم التباينات الطائفية والاجتماعية والسياسية؟
في تحليل أجرته مصادر سياسية ونشطاء يمنيون يعملون داخل مناطق سيطرة الحوثيين، فإن الجماعة المدعومة من إيران لم تعتمد فقط على القوة العسكرية أو الدعم الشعبي الذي تزعمه، بل لجأت إلى سياسات قمعية مدروسة شملت التجويع والتهميش، وتوزيع الثروة بشكل طائفي، وترسيخ ثقافة الخوف عبر آلة أمنية قوية، بالإضافة إلى تدخلات خارجية لعبت دوراً محورياً في دعمها.
تجربة الأسد.. نموذج للقمع والسيطرة
كشفت المصادر عن أن نظام بشار الأسد في سوريا كان له دور بارز في تدريب وتأهيل مئات العناصر الأمنية والسياسية الحوثية، ونقل تجربته القمعية التي اشتهر بها في التعامل مع المعارضة خلال الحرب السورية.
وأشارت المعلومات إلى أن دمشق استقبلت، على دفعات متعددة، مئات من كوادر الحوثيين منذ الانقلاب، حيث تلقوا تدريباً مكثفاً في مجالات الإدارة العامة، والسيطرة المالية، وأساليب قمع الحركات الاحتجاجية ومنع اندلاعها.
وأكد المصدران الأمنيان أن هذه التدريبات شملت أيضاً كيفية إدارة المساعدات الإنسانية وتوجيهها بما يخدم أهداف الجماعة، بحيث تصبح وسيلة ضغط على السكان بدلاً من أن تكون دعماً إنسانياً حقيقياً. كما تم تدريب العناصر على التلاعب باقتصاد الحرب، مثل التحكم بأسعار العملة، وتجارة الوقود، والتهرب من العقوبات الدولية.
الدعم الإيراني واللبناني.. من التدريب العسكري إلى الإعداد الفكري
لم تقف المسألة عند حدود سوريا، بل كانت إيران والميليشيات المتحالفة معها مثل "حزب الله" في لبنان، ركيزة أساسية في بناء البنية العسكرية والفكرية للمليشيات الحوثية.
وبحسب ما كشفته المصادر، فقد تم تدريب الآلاف من عناصر الحوثيين في معسكرات سورية ولبنانية وإيرانية، تحت إشراف ضباط سوريين وخبراء من الحرس الثوري الإيراني، حيث تمت دراستهم في مختلف المجالات العسكرية والاستخبارية.
ولضمان عدم اكتشاف تحركات هؤلاء المتدربين، عمل النظام السوري على تسهيل سفرهم إلى إيران عبر منحهم تأشيرات على أوراق مستقلة بعيداً عن جوازات السفر الرسمية، مما حال دون علم السلطات اليمنية بمآلات هؤلاء الكوادر.
عجز إداري وحلول سورية
بعد سيطرتهم على صنعاء، واجه الحوثيون مشكلة كبيرة في إدارة مؤسسات الدولة، بسبب انعدام الخبرة الإدارية والاقتصادية لديهم، وعدم وجود كوادر مخلصة للنظام الجديد.
وذكر مصدران أمنيان سابقان أن هذا العجز دفع الجماعة إلى الاعتماد الكامل على الخبرات السورية والإيرانية، من خلال إرسال مجموعات جديدة من كوادرهم إلى دمشق لتلقي تدريبات حول إدارة الاقتصاد، والبنوك، والموازنات العامة.
وأضاف المصدران أن هذه الخبرات ساعدت الحوثيين على بناء هيكل إداري قادر على السيطرة على المؤسسات الحكومية، وخلق شبكة اقتصادية موازية، سمحت لهم بتوزيع الموارد بما يخدم ولاءاتهم الداخلية، ويمنع أي معارضة حقيقية من التشكل.
القمع كأسلوب حياة
أفاد تقرير حديث أصدره مشروع مكافحة التطرف (Extremism Project) بأن الحوثيين يستثمرون موارد مالية ضخمة في السيطرة على الحياة اليومية للمواطنين، وقمع أي معارضة سياسية أو مجتمعية. وأشار التقرير إلى أن الجهاز الأمني والمخابراتي التابع للجماعة يعد العمود الفقري لسلطتهم، وهو مسؤول عن تنفيذ سياسات القمع والترهيب، واستخدام "العصا" أكثر من "الجزرة".
وأوضح التقرير أن هذا الجهاز - الذي تم إعادة هيكلته عام 2019 من خلال دمج جهازي الأمن السياسي والأمن القومي - يتولى مهام متعددة، منها التجنيد الإجباري، وغرس الفكر الطائفي في المناهج التعليمية والإعلام، وتوزيع المواد الضرورية على الموالين، والإشراف على المشاريع التنموية التي تمولها المنظمات الدولية.
جهاز استخبارات الشرطة.. الذراع التطهيرية
ولمزيد من التشديد الأمني، أسس الحوثيون جهازاً جديداً يعرف باسم "استخبارات الشرطة"، ويقوده علي حسين الحوثي، نجل مؤسس الجماعة، وابن شقيق الزعيم الحالي عبد الملك الحوثي.
ووفقاً للتقرير الدولي، فإن هذا الجهاز الجديد مخصص لقمع أي معارضة عامة، بينما تظل المخابرات التقليدية مسؤولة عن التعامل مع التهديدات الاستراتيجية الكبرى.
ويشمل دور الجهاز الجديد أيضاً استخدام الأطفال في الحملات الطائفية، وتسليحهم فكرياً وتعبئتهم لخدمة زعيم الجماعة، إلى جانب تجنيد الجواسيس الذين خططوا لمحاولات اغتيال ضد مسؤولين يمنيين، وتسهيل التعاون مع تنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب.
انتهاكات حقوق الإنسان.. جزء من استراتيجية الحكم
ولفت التقرير إلى أن الجهاز الأمني الحوثي متورط في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والقتل، ومصادرة ممتلكات المعارضين، وتشريد النازحين.
كما تم اعتقال موظفين في المنظمات الإنسانية، وعرقلة دخول المساعدات، واستهداف النشطاء الذين يبلغون عن الانتهاكات.
ويشير الخبراء إلى أن هذه السياسات لا تهدف فقط إلى الحفاظ على السلطة، بل إلى زرع الخوف في صفوف المجتمع، وجعل الولاء للجماعة شرطاً أساسياً للبقاء على قيد الحياة.
ما يجري في مناطق سيطرة الحوثيين ليس مجرد سيطرة مسلحة، بل هو مشروع شامل لإعادة تشكيل الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بطريقة تخدم أيديولوجيتهم الطائفية.
ومن خلال الدعم الخارجي، وخاصة من سوريا وإيران، والاعتماد على أدوات القمع والتجويع والتخويف، استطاع الحوثيون الصمود لسنوات، رغم كل الضغوطات المحلية والدولية.
لكن السؤال يبقى مفتوحاً: هل يمكن لهذا النهج أن يُبنى عليه مستقبل مستقر لليمن؟ أم أنه مجرد تأجيل لانفجار اجتماعي قد يكون أكبر من الانقسامات الحالية؟