نابولي ودييجو.. مجد.. خيانة.. هاوية.. وعقد أبدي - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: نابولي ودييجو.. مجد.. خيانة.. هاوية.. وعقد أبدي - تليجراف الخليج اليوم السبت 24 مايو 2025 03:19 مساءً

في 7 يوليو 1984، هبطت في نابولي طائرة على متنها رجل غيَّر المدينة إلى الأبد، وفعلت هي الأمر نفسه به.
فتحت الأبواب، نزل فتى في ريعان شبابه، عمره 23 عامًا، قصير القامة، شعره المجعد يتراقص مع النسيم، يحمل شنطة داخلها 7 ملايين يورو، مبلغ لم يتحصل عليه حينها أحد من جيله وعقد وقَّعه في برشلونة، أصبح لاحقًا لا نهاية له.
في صالة القدوم في مطار كابوديكينو، أعطى جوازه للموظف الذي نظر إليه بإجلال وقال: «دييجو مارادونا، اسمك جواز سفر عالمي»، ولم يختمه. توجه دييجو مباشرة إلى ملعب سان باولو، هناك 75 ألف عاشق احتشدوا في استقبال ملكي أشبه بتنصيب زعيم، ومن هنا بدأت أسطورة لم تغير نابولي فحسب، بل جعلتها تتنفس حبه.
قبل نابولي، كان مارادونا في برشلونة، المدينة الإسبانية الأنيقة التي لم تستطع احتواء روحه المتمردة.
كُسِر كاحله هناك، وكادت رتابتها وصراعات خوزيه نونيز، رئيس النادي، أن تكسر روحه أيضًا، «باعوني بحجة أنني أتعاطى المخدرات، إنه كاذب»، هكذا كتب دييجو في مذكراته.
اختار نابولي، المدينة الفوضوية التي عكست طفولته المؤلمة، ووجد فيها وطنًا ثانيًا بعد ولادته في 30 أكتوبر 1960 في بوينس آيرس، وسط حي فقير يُدعى فيا فيوريتو، بين ثمانية أطفال لعائلة متواضعة، والده عامل مصنع وأمه ربة منزل.
نابولي، المدينة ذات الألوان الزرقاء الفاتحة المستوحاة من خليجها الساحر، كانت غارقة في الفقر والهامشية مقارنة بشمال إيطاليا الصناعي، تأسس ناديها عام 1926، وحقق نجاحات متقطعة مثل كأس إيطاليا في 1962 و1976، لكنه ظلَّ بعيدًا عن الأضواء التي سيطر عليها ناديا يوفنتوس وميلان، كانت المدينة تتوق لبطل يحمل طموحاتها، ووجدته في مارادونا.
في كأس العالم 1986، راوغ مارادونا كما يرقص التانجو، جندل الخصوم ببراعة خرافية، سجَّل هدفين أسطوريين ضد إنجلترا، أحدهما «هدف القرن» سحب فيه خمسة لاعبين في 60 مترًا، ووضع الأرجنتين على عرش الكون.
هذا السحر انتقل إلى نابولي، حين قاده لأول لقب دوري في 1986ـ1987، محطمًا هيمنة عمالقة الشمال، لم يكن ذلك مجرد انتصار رياضي، بل ثورة جعلت المدينة بأكملها على الخارطة، ورفع رأسها مثلما انحنت أمامه هامات كبرى.
أعاد مارادونا الإنجاز في 1990، إلى جانب كأس إيطاليا «1987»، كأس السوبر الإيطالي «1990»، وكأس الاتحاد الأوروبي «1989».
سجَّل 115 هدفًا في 259 مباراة، لكن تأثيره تجاوز الأرقام، كان قائدًا شعبيًّا، يعيش نبض المدينة، يتحدث لغتها، ويحمل همومها، غير أنه لم يكن ملاكًا، فضائح عاطفية وإدمان طارداه، أثار غضب الإيطاليين حين دعا نابولي لمؤازرة الأرجنتين ضدهم في مونديال 1990، قائلًا: «نابولي ليست إيطاليا» استجاب النابوليون، وفازت الأرجنتين بركلات الترجيح، لكن ذلك جعلهم منبوذين ووصفوا بالخونة.
في 1991، انهار كل شيء، فشل دييجو في اختبار المخدرات أوقفه 15 شهرًا، غادر نابولي في 1992 وسط ديون وفضائح، تاركًا جرحًا غائرًا وفراغًا لم يملأه أحد.
النادي غرق في أزمات مالية، وأُعلن إفلاسه عام 2004 بديون 70 مليون يورو، لكن أوريليو دي لورينتيس، المنتج السينمائي، أعاد إحياءه بـ10 ملايين يورو، فصعد إلى دوري النخبة في 2007. وفاز بكأس إيطاليا «2012، 2014، 2020»، وكأس السوبر «2014»، قبل أن يظفر بالأهم 2022ـ2023، محققًا لقب الدوري الثالث بقيادة لوتشانو سباليتي ونجوم مثل أوسيمين وكفاراتسخيليا، ثم يحتفل الجمعة بالدوري الرابع مع أنتونيو كونتي، سكوت ماكتومناي، وروميلو لوكاكو.
بعد رحيله في 25 نوفمبر 2020، ظلَّ الأسطورة نبض نابولي، مبانيها مزينة بجدارياته، وراياتها خفاقة بصوره وملعب دييجو أرماندو مارادونا يحمل اسمه.
في شوارع المدينة الضيقة، حيث تمتزج رائحة البيتزا بأنغام الأغاني الشعبية، يتردد اسم دييجو كنشيد وطني، مات مارادونا، لكن نابولي لا تزال تعيش أسطورته، في كل فرح، وكل مجد، عقد عشق خالد لا ينتهي.

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات الرياضية.