نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: المسار المهني في كليات الحقوق.. من التعليم إلى التمكين المهني - تليجراف الخليج اليوم السبت الموافق 7 يونيو 2025 04:47 مساءً
كتب د. سلطان إبراهيم العطين،
التعليم القانوني لم يعد مقتصراً على منح الشهادة الجامعية بل أصبح مسؤولية تكوينية تهدف إلى إعداد إنسان قانوني قادر على أداء دوره في صون الحقوق وتحقيق العدالة بكفاءة ووعي معاصر. ومع التحولات المتسارعة في التعليم العالي وسوق العمل القانوني تبرز الحاجة إلى نماذج تربوية جديدة تربط الدراسة القانونية بالواقع المهني منذ بدايات التكوين الأكاديمي.
كثير من البرامج القانونية تقدم مقررات نظرية مكثفة. ومع ذلك يواجه الطالب بعد التخرج واقعًا مهنيًا يتطلب مهارات لم يتدرب عليها خلال دراسته. هذه الفجوة بين التعليم والممارسة تسلط الضوء على أهمية تبني كليات الحقوق لمسارات تعليمية تجمع بين النظرية والتطبيق ضمن رؤية منهجية واضحة.
المسار المهني المتكامل يمثل نموذجًا تعليميًا متكاملًا يدمج الطالب في بيئات العمل القانوني ويشرف عليه أكاديميون ومهنيون متمرسون وليس مجرد إضافة شكلية إلى الخطة الدراسية. يُصمم المسار لتقييم أداء الطالب من خلال أدوات واضحة ومخرجات قابلة للقياس. هذا النموذج مستوحى من التجارب العالمية الناجحة مثل نظام Articling في كندا، حيث يُشترط على الطالب ممارسة العمل القانوني تحت إشراف مباشر قبل الترخيص، وكذلك من نموذج Clinical Legal Education في المملكة المتحدة الذي يدمج التعليم الجامعي بالتدريب العملي داخل عيادات قانونية جامعية أو مؤسسات عدلية معتمدة.
من خلال هذا المسار يتعامل الطالب مع قضايا حقيقية داخل المحاكم ومكاتب المحاماة والنيابات والعيادات القانونية الجامعية. ويتابع تطوره عبر سجل توثيقي وتقارير دورية وتقييم شامل لمهاراته القانونية والمهنية.
أحد التحديات البارزة التي يعالجها هذا النموذج هو التحول الرقمي المتسارع في مهن القانون والقضاء. لم يعد العمل القانوني يدور حول الملفات الورقية بل أصبح يعتمد على أنظمة مؤتمتة ومنصات رقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي. المسار المهني يتيح للطلبة التعرف على هذه التقنيات من خلال التطبيق المباشر ضمن مؤسسات قانونية حديثة مما يكسبهم كفاءة تقنية توازي كفاءتهم القانونية.
هذا النموذج يسهم في تطوير التعليم القانوني ويعزز من مكانة كليات الحقوق بوصفها مؤسسات تصنع الكفاءات وتبني الثقة مع المجتمع القانوني. كما يشكل جسرًا بين الجامعة ومؤسسات العدالة من خلال التعاون في تدريب الطلبة وتأهيلهم لسوق العمل.
الرؤية الحديثة للجامعة تتجاوز التعليم النظري نحو بناء شخصية مهنية واعية وقادرة على خدمة العدالة. تمكين الطلبة من ممارسة العمل القانوني أثناء الدراسة يمثل خطوة تربوية ضرورية تعيد ربط التعليم بمتطلبات الواقع.
اعتماد هذا النموذج في كليات الحقوق يشكل مدخلًا إصلاحيًا لتعزيز جودة التعليم واستجابة منطقية لتحولات المهنة القانونية. دعم هذا التوجه من مؤسسات التعليم العالي وهيئات الاعتماد والجهات المهنية يعزز من فاعلية النظام التعليمي القانوني ويؤسس لجيل جديد من القانونيين يمتلكون المعرفة والمهارة والاستعداد لخدمة العدالة.
كليات الحقوق اليوم مدعوة لتقديم خريج يتقن أدوات المهنة ويملك تجربة حقيقية في ميدان العدالة. المسار المهني المتكامل هو واحد من أبرز الوسائل لتحقيق هذا الهدف ضمن رؤية أكاديمية عصرية وشراكة مسؤولة مع المجتمع.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.