نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الهلال النووي وحدود الدور الأردني: من الحياد الحذر إلى التموقع الذكي في هندسة الأمن الإقليمي #عاجل - تليجراف الخليج اليوم الجمعة الموافق 13 يونيو 2025 06:45 مساءً
كتب وائل منسي -
يبدو أن المنطقة تقف على عتبة تصعيد غير مسبوق تتقاطع فيه الاستراتيجيات النووية والتقليدية والرمزية، مع حضور أمريكي كثيف يدفع بعقيدة الردع المتفوق إلى أقصى تجلياتها. التصريحات المتبادلة بين طهران وتل أبيب، والمواقف الأمريكية التي تلوّح بتحويل إسرائيل إلى مخزن متقدم لأفتك ترسانات العالم، لا تعبّر فقط عن لحظة غضب، بل تكشف عن تحوّل استراتيجي باتجاه المواجهة المفتوحة أو الردع المحسوب عالي الكلفة. حديث ترامب عن أسلحة "الأكثر فتكا في العالم" هو إعلان صريح عن تحوّل نوعي في قواعد الاشتباك، لا سيما إذا أُقحمت أدوات التفوق السيبراني والميداني معاً في صراع سيحدد ملامح الأمن الإقليمي للجيل القادم. في المقابل، تتعامل طهران بخطاب مزدوج: تعبئة داخلية مبنية على الكبرياء والرد القاسي، ورسائل خارجية موجهة للردع من بوابة "الندم" الاستراتيجي لإسرائيل، وهذا يعكس تصميم النظام الإيراني على عدم الخضوع، مع محاولة ضبط سقف التصعيد حتى لا يُفقد زمام السيطرة.
ضمن منطق التنبؤ المستقبلي (Futures Studies)، فإن التفاعلات الحالية تشكّل نقطة تحول لا يمكن فهمها إلا باستخدام أدوات مثل تحليل السيناريو، ونموذج STEEP لتحليل العوامل (الاجتماعية، التكنولوجية، الاقتصادية، البيئية، السياسية). الواقع يُظهر أن البنية الأمنية للشرق الأوسط تُعاد صياغتها بأسلوب يتجاوز "إدارة الصراع" التقليدية إلى فرض معادلات ما بعد الردع، أي الانتقال من حالة تجنب الحرب إلى استخدام الحافة النووية كوسيلة لإعادة تعريف التوازنات الإقليمية. هنا يصبح السيناريو الأبرز هو تفكك النظام الأمني العربي التقليدي، وتكريس ما يسمى "الملاذات الأمنية المحمية" تحت العباءة النووية الأميركية أو الإيرانية أو الإسرائيلية، مما يستدعي إعادة تعريف مفهوم السيادة الوطنية، والهويات الأمنية للدول العربية.
أما الأردن، فهو أمام مفترق استراتيجي يتطلب تبني Comprehensive Conclusions Tactics، والتي تفترض القراءة متعددة الطبقات للمشهد، وربط المخرجات التكتيكية بالغايات الاستراتيجية ضمن منظومة تحوط نشطة proactive hedging strategy. فالأردن لا يمكنه أن يبقى محايدًا سلبيًا، ولا طرفًا مباشرًا في محور مغامر، بل عليه بناء تموضع مستقبلي ذكي يتضمن:
1. إعادة صياغة العقيدة الأمنية الوطنية لتأخذ في الاعتبار تغير طبيعة التهديدات من تقليدية إلى هجينة (cyber warfare، حرب نووية تكتيكية، حروب الوكالة غير المتوقعة).
2. إنشاء شبكة تحالفات سيادية مستقلة توازن بين الدور الأميركي والبعد الإقليمي، بما فيها قنوات مفتوحة مع إيران وتركيا وإسرائيل، دون التورط في محور عقائدي.
3. بناء منظومة إنذار مبكر سياسي/أمني تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل المؤشرات المبكرة للتصعيد، وربطها بتوجيه السياسات الوطنية.
4. الانتقال من ردّ الفعل إلى هندسة التأثير الناعم في ملفات مثل القدس، اللاجئين، والحدود، وربطها بأبعاد الطاقة والمياه والعبور.
بناء على ذلك، يمكن تقديم سيناريوهات مستقبلية استراتيجية للأردن:
السيناريو الأول – الحياد الصلب: يعتمد على تحصين الجبهة الداخلية، وتبني سياسة "الحياد النشط" مع بناء قدرات عسكرية دفاعية متطورة واستثمارات في الردع الرقمي، وتجنب أي اصطفاف.
السيناريو الثاني – المحور الأمريكي الإسرائيلي: ويقوم على الدخول في شراكة أمنية أعمق مع إسرائيل وأمريكا مقابل ضمانات اقتصادية وأمنية، لكنه يحمل خطر فقدان الاستقلالية الإقليمية.
السيناريو الثالث – وساطة استراتيجية شاملة: بأن يصبح الأردن لاعباً محورياً في التهدئة وتقديم نفسه كوسيط دائم في إدارة التوتر، مما يكسبه شرعية إقليمية جديدة ودوراً في بنية ما بعد الصراع.
السيناريو الرابع – الانخراط الأمني العربي الإقليمي: بالدفع نحو بناء محور أمن إقليمي غير استقطابي، بمشاركة السعودية ومصر وتركيا، والعمل على احتواء إيران ضمن تفاهمات أمن جماعي.
بالتالي، فإن ما يحدث اليوم ليس مجرد مواجهة طارئة، بل هو مختبر عملي لإعادة صياغة موازين القوى في الإقليم، وعلى الأردن أن ينتقل من موقع "المراقب الحذر" إلى "المهندس الذكي" لموقعه الجيوسياسي في عالم يتغير بسرعة وقسوة.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.