أنظار العالم تتجه لموقع السودان الإستراتيجي - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: أنظار العالم تتجه لموقع السودان الإستراتيجي - تليجراف الخليج اليوم السبت 14 يونيو 2025 05:13 مساءً

بقلم: إبراهيم عدلان

في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، برزت مقترحات تدعو لاستغلال موقع السودان الاستراتيجي لفتح مجاله الجوي المغلق منذ أبريل 2023، وتحويله إلى ممر بديل للطيران المدني الدولي.

من أبرز هذه الطروحات، ما قدمه الأستاذ سامي الأمين، والذي جاء غنيًا بالأمل والحلول النظرية، لكنه افتقر إلى مقاربة واقعية للتحديات التي تواجه البلاد.

ولا شك أن الفكرة في جوهرها طموحة وجديرة بالنقاش، بل تعكس رغبة وطنية صادقة في استعادة الدور السيادي والمؤسسي للطيران السوداني. إلا أن المشكلة لا تكمن في نُبل الفكرة، وإنما في واقع التنفيذ؛ إذ أن ما طُرح يصطدم بعوائق كبيرة على الأرض تجعل من التطبيق الفعلي أمرًا غير ممكن في الوقت الراهن.

1. بنية تحتية شبه منهارة

بعد أكثر من عام على إغلاق المجال الجوي، تعرضت المرافق الحيوية للتدمير أو الإهمال. مطار الخرطوم ومرافقه الأساسية بات خارج الخدمة، بينما تفتقر المواقع البديلة كمطار بورتسودان إلى المقومات الفنية والتقنية لتسيير الحركة الجوية الدولية بكفاءة وأمان.

نظم الاتصال والمراقبة الأرضية تعاني ضعفًا شديدًا، والكادر البشري المؤهل موزع أو مُبعد أو يعمل في ظروف استثنائية. أي حديث عن جاهزية تشغيلية الآن يتطلب إعادة بناء شاملة، وليس فقط إعادة فتح رمزية.

2. التهديد الأمني قائم

من أساسيات الطيران المدني الآمن وجود سيطرة كاملة للدولة على أجوائها ومرافقها. لكن واقع السودان اليوم لا يوفر هذه السيطرة؛ فمساحات واسعة من البلاد خارج سلطة الدولة، وتدور فيها اشتباكات مسلحة، ما يجعل من الصعب – إن لم يكن من المستحيل – ضمان سلامة الطيران فوقها.

الشركات العالمية لا تغامر بالمرور فوق مناطق عالية المخاطر، وهذه مسألة لا تحكمها العواطف أو المبادرات الوطنية، بل تقييمات أمنية دولية صارمة تصدرها من منظمات مثل ICAO وIATA وEASA.

3. الفائدة الجغرافية محدودة

رغم أن السودان يتمتع بموقع استراتيجي في قلب القارة، إلا أن معظم الحركة الجوية العابرة في المنطقة – من الخليج إلى أوروبا أو من آسيا إلى غرب أفريقيا – لا تمر غالبًا عبر المجال الجوي السوداني، أو لا تعتمد عليه اعتمادًا جوهريًا. وباستثناء قلة قليلة من شركات الطيران التي يمكن أن تستفيد من طريق أقصر عبر السودان، فإن التأثير الحقيقي على حركة الملاحة العالمية سيظل محدودًا جغرافيًا، لا سيما في ظل وفرة البدائل الآمنة المتاحة حاليًا.

4. المقارنة بأوكرانيا مضللة

في المقال المُشار إليه، قورنت الحالة السودانية بالحالة الأوكرانية. لكن الفارق كبير. أوكرانيا، رغم الحرب، تدير مجالها الجوي عبر تقنيات متقدمة وتعاون دولي وتحديث يومي لمخاطر الملاحة. أما السودان فلا يمتلك الحد الأدنى من هذه الأدوات: لا رادارات فعالة، لا تحديثات فورية، ولا خطة تشغيلية مستوفية لشروط السلامة.

5. غياب الإطار المؤسسي والتنظيمي

فتح المجال الجوي ليس قرارًا عاطفيًا، بل عملية معقدة تتطلب جاهزية قانونية، فنية، وتشغيلية. حتى اللحظة، لا يوجد مركز تحكم جوي بديل موثوق، ولا منظومة لإصدار الـ NOTAMs بشكل دوري ودقيق، ولا تنسيق كافٍ مع دول الجوار لضمان سلامة الحركة الجوية العابرة.

كما أن السلطة الحالية للطيران المدني لم تعلن بعد عن أي خطة متكاملة لإعادة تأهيل البنية التحتية أو تدريب الكوادر أو التعامل مع المنظمات الدولية بهذا الشأن.

6. العوائد المالية لا تُبرر المغامرة

صحيح أن المجال الجوي السوداني يُعد موردًا اقتصاديًا مهمًا، لكن لا يمكن تغليب العوائد المحتملة على معايير السلامة والسيادة الفنية. فالمغامرة بفتح الأجواء دون جاهزية تعني المخاطرة بسمعة السودان ومصداقيته أمام المجتمع الدولي، وتعرضه لاحتمالات الحظر أو العقوبات التقنية.

خاتمة: نركز على فتح المجال الجوي قريبًا… لكن بأمان

ما طُرح هو بلا شك رؤية وطنية طموحة، لكنها في ظل الواقع الحالي غير قابلة للتنفيذ. وقد يكون الأجدى أن نوجّه كل جهدنا نحو إعادة فتح المجال الجوي السوداني في أقرب وقت ممكن، ولكن بصورة آمنة وسليمة، تضمن

سلامة الأجواء وحسن التنظيم

ولا يفوتنا أن نؤكد أن الكوادر السودانية المؤهلة والمتخصصة موجودة، وقد أثبتت كفاءتها سابقًا في إدارة المجال الجوي بمهنية واقتدار. لكن هذه الكفاءات بحاجة إلى بيئة آمنة، وإرادة مؤسسية، وخطة وطنية مدروسة، تعيد السودان إلى خارطة الملاحة الجوية بثقة واستقرار.

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.