شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: حرب اسرائيل-ايران: الفوز بالنقاط وليس بالضربة القاضية - تليجراف الخليج ليوم الاثنين 16 يونيو 2025 05:10 صباحاً
حدث غير مسبوق تشهده منطقة الشرق الأوسط هذه الايام، ويمثل تطوراً خطيراً بانتقال الصراع الإسرائيلي-الإيراني من مرحلة الحرب بالوكالة إلى المواجهة العسكرية المباشرة. قد يقول البعض ان هذا المشهد سبق وشاهدناه قبل اشهر ابّان الحرب الاسرائيلية على لبنان وغزة، ولكن الواقع يفيد بأن ما حصل سابقاً هو مجرد نزهة و"صورة تمثيلية" لما يحصل اليوم. نجاح اسرائيل في اغتيال ابرز اركان القيادة العسكرية الايرانية وكبار العلماء النوويين فيها، اجبر طهران على ان يكون الردّ ثقيلاً نسبياً، وها هي اسرائيل تشهد للمرة الاولى منذ عقود طويلة، دماراً وخوفاً لم يعهده الاسرائيليون منذ منتصف القرن الفائت. في كل حرب هناك خاسر ورابح، انما هذه الحرب تحديداً قد لا تسفر عن نتيجة صريحة بهذا القدر، فالانتصار سيكون على الارجح عبر النقاط وليس بالضربة القاضية، لانه لا يمكن لاسرائيل (باعتراف كبار قادتها ومسؤوليها) انهاء البرنامج النووي الايراني بشكل كامل، كما لا يمكن لايران (باعتراف الجميع) ازالة اسرائيل من الوجود. هذا يعني حتمية انتهاء المواجهة بينهما بشكل دبلوماسي وعبر المفاوضات، ولكن ما يحصل حالياً هو محاولة كسب اكبر عدد ممكن من النقاط قبل الوصول الى المرحلة الثانية، والتي لم ينتظر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو انتهاءها بين الولايات المتحدة وايران، ليبني على الشيء مقتضاه، بل تمكن ايضاً من اقناع الرئيس الاميركي دونالد ترامب بعدم جدواها الا بعد ان تخسر ايران شيئاً من نفوذها وقوتها، وهو امر لا بد ان يحصل عبر القوّة والضربات.
ولكن غياب المفاوضات المباشرة بين واشنطن وطهران، قابلته جولات ميدانية من الصواريخ والضربات الجوية، وتعهدت ايران برد الصاع صاعين، فيما اعلن وزير الدفاع الاسرائيلي يسرائيل كاتس ان طهران تحترق... هذا الامر ان دلّ على شيء، فعلى عدم الرهان على انتهاء الحرب في وقت سريع كما راهن البعض، ولكنها قد تأخذ اياماً، او اسابيع، او بعض الاشهر لتبرد الرؤوس الحامية ويتم العودة الى طاولة الحوار، وهو الامر الذي سبق واكد عليه وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي الذي قال ان بلاده جاهزة للتفاوض فور انتهائها من الرد على اسرائيل.
الصراع الحالي يكشف عن تحول جذري في استراتيجية إسرائيل التي انتقلت من سياسة الحرب بالواسطة إلى المواجهة المباشرة مع إيران. استهداف المنشآت النووية الإيرانية وقتل العلماء النوويين والقادة العسكريين، يهدف إلى تدمير قدرات إيران العسكرية والنووية بشكل جذري، وليس مجرد إبطائها، ولكن هل يمكن توقّع النجاح في هذا الامر ام ان المسألة مجرد فوز معنوي؟ في غضون ذلك، تعيش دول المنطقة وخاصة منها دول الخليج وضعاً صعباً، حيث تشاطر إسرائيل القلق من إيران، لكنها تخشى من تداعيات حرب إقليمية واسعة، وهي سارعت الى ادانة الضربات على طهران والتنديد بالضربات الاسرائيلية مع الدعوة الى ترجيح لغة العقل والحوار والدبلوماسية على اللغة العسكرية.
وفق ما يبدو، فإن الحزن والقلق يرتسم على كل الوجوه، ما عدا وجه نتنياهو الذي يعتبر ان كل ما يحصل يصب في خانته، ويعطيه فرصة اضافية للظهور امام الشارع الاسرائيلي بأنه هو من انقذه من الدمار والزوال، لذلك يرغب في تحقيق انتصار ملموس لا لبس فيه، يعيده الى اول سلّم الحياة السياسية والحياة العامة، ويقيه تداعيات اي شكوك او اتهامات او محاكمات قانونية تنتظره في المحاكم بتهم عديدة وفي مقدمها الفساد. وباتالي، يمكن القول ان النجاة السياسية لنتنياهو تعتمد على قدرته بتحقيق انتصار حاسم ضد إيران دون جرّ إسرائيل إلى صراع مدمر طويل الأمد، والمنطقة بطبيعة الحال. اما فشله في تحقيق هذا التوازن، فقد يؤدي إلى انهيار حكومته وتسريع محاكمته.
قد تكون ايران تلقت لكمة قوية من اسرائيل، ولكنها نجحت في الرد بصفعة لا يستهان بها، فهل سيكتفي الاثنان بما تحقق ام انهما سيواصلان انهاك بعضهما البعض للوصول الى طاولة المفاوضات متعبين لا يقويان على معارضة ما سيقال لهما؟.