حياد لبنان: وهم جميل أم انتحار وطني؟ - تليجراف الخليج

شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: حياد لبنان: وهم جميل أم انتحار وطني؟ - تليجراف الخليج ليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 03:35 صباحاً

في عزّ النيران المشتعلة حوله، يُطرح مجدداً شعار "​حياد لبنان​" كأنه عصا سحرية قادرة على إنقاذه من جحيم المنطقة. لكن، هل الحياد خيار واقعي لدولة تحت الاحتلال، تتعرض لاعتداءات يومية، وتقع في قلب أخطر صراع على هوية الشرق الأوسط ومصيره؟ أم أن الدعوة إلى الحياد ليست سوى قناع جديد لفرض استسلام سياسي يفتح أبواب البلد أمام الهيمنة الإسرائيلية-الأميركية الكاملة؟.

أنصار هذا الطرح، وبعضهم في الداخل اللبناني مدفوعون بأوهام أو أجندات واضحة، يتحدثون عن حياد "إيجابي"، وعن "نأي بالنفس" مطور، وعن إخراج لبنان من الصراعات. لكنهم يتجاهلون السؤال البديهي: هل يستطيع لبنان أن يكون محايداً وإسرائيل تحتل أرضه؟ هل يمكن لدولة أن تعلن الحياد فيما عدوها التاريخي على حدودها، ينتهك أجواءها يومياً، ويهددها بحرب في كل لحظة، ويشن عليها الاعتداءات ساعة يشاء، ويتحدث عن مشروعه التوسعي بشكل علنيّ وبخرائط واضحة لا لبس فيها؟.

الحياد بحسب مصادر سياسية مطّلعة لا يُفرض من جانب واحد. الحياد يحتاج إلى بيئة إقليمية ودولية تقر بحق لبنان في السلامة والسيادة، وتحترم حدوده، وتكف عن التدخل في شؤونه. أي من هذه الشروط متوافر اليوم؟.

لا يمكن، بحسب المصادر، فصل الدعوات إلى الحياد عن سياق الضغوط الاقتصادية والسياسية التي يتعرض لها لبنان. انهيار الليرة، إفلاس الدولة، العقوبات، عزلة مالية، حصار غير معلن، والحرب، كلها أدوات تستخدمها واشنطن وحلفاؤها لدفع لبنان إلى القبول بشروط الاستسلام تحت لافتة الحياد، مشيرة عبر "تليجراف الخليج" إلى أن الحياد هنا يصبح مشروعاً خطيراً: هو اسم آخر لتجريد لبنان من عناصر قوته الذاتية، وتحويله إلى مجرد كيان هش مرتهن للمشيئة الغربية، معتبرة إنه مشروع يُراد منه إنهاء لبنان كدولة قادرة على حماية نفسها، تمهيداً لإلحاقها تماماً بالمنظومة الأميركية-الإسرائيلية.

موقع لبنان الجغرافي والسياسي ليس تفصيلاً، والذين يطرحون الحياد يتجاهلون أن هذا البلد لم يُستدرج إلى الصراع استدراجاً، بل فرض عليه الصراع فرضاً، وكل ما يجري اليوم في المنطقة سيعود بالتأثير عليه دون أدنى شكّ، فمنذ 1948، ولبنان يتحمل تبعات وجود هذا الكيان العدواني إلى جانبه، واليوم، في ظل مشاريع التطبيع والضم، وفي ظل أطماع الغاز والثروات البحرية، يتأكد أن لبنان مستهدف ليس فقط بأمنه، بل بوجوده وثرواته وموقعه.

تشدد المصادر على أنه بدل الانجرار إلى وهم الحياد، المطلوب اليوم موقف وطني جامع يقوم على حقيقة بسيطة تبدأ من أن لا حياد مع عدو يحتلك ويعتدي عليك، والمطلوب استراتيجية دفاعية سياسية تُبنى على التمسك بعناصر القوة، وعلى تعزيز وحدة اللبنانيين خلف مشروع الدولة القوية القادرة العادلة، وعلى صياغة موقف مشترك يرفض إلحاق لبنان بأي محور استسلامي، ويعمل على حماية مصالحه العليا.

ليس المطلوب فتح النار على العدو، ولا اعلان الحرب، إنما الجلوس سوية والبحث عن وسائل يواجه بها لبنان الظروف المستجدة في المنطقة، ورسم استراتيجية مواجهة لكي لا نبقى في موقع المتلقي، وترى المصادر أن أي دعوة للحياد خارج هذا الإطار، ليست إلا خدمة مجانية للعدو، فالحياد في الحالة اللبنانية، كما يُطرح اليوم، ليس خياراً واقعياً ولا صيغة إنقاذ، بل هو قناع للاستسلام، ومسار لتصفية ما تبقى من مقومات سيادة البلد، مشيرة إلى أن لبنان لا يحتاج إلى حياد زائف، بل إلى موقف وطني شجاع يعرف كيف يواجه التحدي العظيم الذي فرض عليه، وكيف يحمي الأرض والكرامة والسيادة.