رلى الحروب تكتب عن حرب الرموز والرسائل #عاجل - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: رلى الحروب تكتب عن حرب الرموز والرسائل #عاجل - تليجراف الخليج اليوم الخميس الموافق 19 يونيو 2025 08:33 مساءً

 كتبت د. رلى الفرا  الحروب 

منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى والحرب بين الكيان الصهيوني ومحور المقاومة تأخذ طابع الرموز والرسائل، التي لم ينتبه لها البعض بسبب طغيان طابع التدمير والإبادة والتجويع وجرائم الحرب.

لن أعود للخلف لأستعرض كم الرموز الهائل الذي تضمنته رسائل المقاومة الفلسطينية ( بالأخص أبو عبيدة) من جهة، ونتنياهو وزبانيته من جهة ثانية، وهي تستحق دراسة بحد ذاتها، ولكنني سأكتفي باستعراض بعض الرموز والرسائل في الحرب الدائرة حاليا بين الكيان المجرم والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

أولا: أطلق نتنياهو اسم (rising lion) الأسد الناهض على هذه الحرب الإجرامية التي شنها ضد ايران، وفي ذلك رمزية هامة لها دلالتان: الاولى أنه يشبه شعب إسرائيل بالأسد الذي سيحتل المنطقة بالكامل ويفرض هيمنته عليها سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا وأمنيا وعسكريا، وهو ما يكرره نتنياهو في خطاباته الموجهة للإسرا.ئيليين، ويؤكده كلام وزير الدفاع كاتس للطيارين يوم أمس الأربعاء: " فتحتم لنا الأجواء في طهران، وقريبا ستفتحون لنا الأجواء في مناطق أخرى".

أما الدلالة الثانية لاسم العملية فهي إسقاط النظام الإيراني الحالي القائم على مفاهيم الثورة الإسلامية ومعاداة امريكا واسرائيل، وإحياء النظام الملكي السابق الحليف للغرب وقوى الاستعمار، عبر استحضار شعار الأسد الناهض او الاسد المشرق ( اي الشمس المشرقة والاسد الحامل لسيفه) الذي كان شعار الشاهنشاه في إيران وكان يمثل العلم الايراني قبل الجمهورية، وهذا ما تؤكده رسائل نتنياهو للشعب الايراني صراحة عبر التلفاز بأنه معه لتحريره من النظام، وما سبق ذلك من دعم أمريكي- صه.يو.ني- عربي لجماعات معارضة في ايران وخارجها وتحريض لثورة تقودها الأُقليات وفئات من الشعب الإيراني ضد ما يسمى " نظام الملالي".

والظاهر ان نتنياهو كان يعتقد أنه بمجرد توجيه الضربة الأولى المفاجئة لإيران التي اغتالت قيادات الصف الأول في الاجهزة الامنية والعسكرية ستتحرك المعارضة المدعومة أمريكيا للاستفادة من الفرصة والثورة ضد النظام، وفاته أن الشعب الإيراني يتحد في مواجهة الخطر الخارجي. ولكن احتمالية سقوط النظام تبقى قائمة رغم ذلك حتى إن توقفت هذه الحرب، وستكون تفاعلا من تفاعلاتها أو إرهاصا من إرهاصاتها، ما لم يتدارك النظام الإيراني الوضع ويقوم بإصلاحات عميقة جذرية ترفع مستوى المعيشة وتحسن الخدمات وتطال الحريات الفردية والعامة وكل أوجه الحياة، كما تطال بنية مؤسساته ذاتها وباقي البنى المجتمعية لتحصينها من الاختراقات.

ومن الملاحظ ان المناورات المشتركة التي أجراها الكيان مع الجيش الامريكي وعدد من جيوش المنطقة في غرب آسيا وشمال افريقيا حملت ايضا نفس الاسم: الأسد، ولكن بتنويعات مختلفة، والدلالة واضحة ان تلك المناورات كانت استعدادا للحظة الرد على النظام الايراني في حرب ليست عارضة وإنما مصيرية، وكما يسميها نتنياهو نفسه حرب وجودية، والعجيب الغريب ان قسما من عرب المشرق والمغرب باتوا طوق نجاه للكيان الغاصب ضمن تحالف عسكري لحمايته من خصومه!!

في المقابل، فإن إيران أسمت ردها " الوعد الصادق 3"، وفي ذلك رمزية وعدد من الدلالات منها: أولا انها تراها امتدادا للعمليات السابقة التي هاجم فيها الكيان إيران، وردت عليه بالوعد الصادق 1 و 2، وهذا صحيح، فهذه العملية تأتي تتويجا لحرب الكيان على محور المقاومة، الحرب التي بدأها بإضعاف النظام السوري السابق داخليا واستهداف مقدراته العسكرية، واستدامة الفتنة بين الفصائل والاحزاب في العراق وتهديدها بالاغتيالات والتصفية من قبل الامريكيين ( وقد نفذت بالفعل عددا من الاغتيالات الموجعة في صفوف قادتها)، ثم انتقل منها الى حرب إبادة على حماس وفصائل المقاومة والشعب الفلسطيني كله في غزة ومخيمات وقرى وضواحي الضفة الغربية بدعوى الثأر للسابع من اكتوبر وضمان عدم تكراره، في حين انها في الواقع حرب تدمير وتهجير واحلال ضمن مشروع إسرائيل الكبرى، ثم أتبعها بحرب ساحقة على حزب الله في لبنان لم ترحم أحدا ولم تميز بين حاضنة المقاومة وسائر أطياف الشعب، خلافا لما يزعمه الكيان من انه يستهدف حزب الله وليس الشعب اللبناني، ثم إسقاط النظام السوري واستبداله بنظام معاد ايديولوجيا لمحور المقاومة، ثم حرب ضروس على اليمن لا تبقي ولا تذر عاونه فيها صراحة الامريكان والبريطانيون ودول أخرى لم تكشف هويتها، وأخيرا هذه الحرب الطاحنة على إيران والتي تهدف إلى إسقاط النظام واستبداله بنظام موال لأمريكا وإسرائيل، وقد تم بالفعل تجهيز "رضا بهلوي الثاني" ابن الشاه المقيم وأسرته في اميركا منذ سقوط نظام والده، والذي اعتمر القلنسوة اليهودية وتبنى السردية الصهيو-أمريكية ويدافع عنها محرضا على بلده في كل المحافل، والذي تزوجت ابنته من رجل اعمال يهودي امريكي استكمالا لتلك السردية.

أما الدلالة الثانية لاسم الرد الايراني، فهو وعد الله الصادق للمسلمين بحسب قناعاتهم الايمانية بأن إسر.ا.ئيل في علوها الثاني، وستبدأ رحلة السقوط المقدرة إلهيا تمهيدا لسيناريو يوم القيامة، وهذا الايمان بالمعركة الأخيرة او هرماجيدون يشترك فيه اليهود والمسيحيون والمسلمون كل بروايته التي تقود الى نفس النهايات.

الدلالة الثالثة للاسم هي الوعد الصادق للمحور: محور المقاومة، ضمن شعار وحدة الساحات والوعد بالانتصار لبعضهم البعض، لا سيما المقاومة في غزة التي استنهضت المحور في طوفان الأقصى، ولكن المحور أخطأ استراتيجيا في أسلوب الرد، ولو خاض حربا حقيقية شاملة عبر كل جبهاته بدلا من حرب إسناد تدخلها جبهة تلو الأخرى لما وصلت الامور الى ما هي عليه اليوم، ولرضخت اسر.ا.ئيل وتوقفت عند حدها، وحتى إن تدخلت اميركا وبريطانيا وفرنسا وهولندا وباقي الحلفاء لدعم الكيان امام حرب شاملة من المحور، فإن هذه الحرب لن تنتهي بالضرورة بهزيمة المحور، لأنها ستفتح الباب امام انضمام الحلفاء الأكبر: روسيا والصين، وهو سيناريو الحرب العالمية الثالثة الذي يخشاه الكثيرون ويريدوه الكثيرون أيضا لأنهم يرون فيه المنفذ الوحيد لكسر الهيمنة الصهيو-امبريالية على العالم!

أما الدلالة الرابعة للاسم فهي: الوعد الصادق للشعب الايراني بأن زمن الحساب قد بدأ، ورحلة تدمير اسرائيل ومحوها عن الوجود قد بدأت، وهو الشعار الذي رفعته الثورة الاسلامية منذ انطلاقتها: الموت لإس.را.ئيل، الموت لأميركا، وهو السبب الحقيقي في الحرب التي يشنها الكيان على النظام الايراني الذي يدرك انه معاد وجوديا وبنيويا له، ولذلك فإنه يعتبر الاطاحة بالنظام هدفا استراتيجيا لا تنازل عنه، بالاضافة الى منع ايران من امتلاك سلاح نووي والقضاء على منظومة الصواريخ البالستية، بحيث يصبح الكيان هو القوة الوحيدة المهيمنة في الإقليم.

ثانيا: وجه الموساد رسائل بالتفوق والاختراق الاستخباري لايران حين عرض في اول ايام الحرب فيديو للعملاء داخل ايران وهم يركبون المسيرات ويطلقونها ضمن الضربة الاولى المفاجئة في اول ايام الحرب، ثم سرعان ما كشف تقرير استخباري أمريكي عن وجود قاعدة للموساد في قلب طهران!

هذه الرسائل واجهتها طهران بإسقاط طائرات اف 35 واسر احد طياريها الذي يعد مصدرا ثمينا للمعلومات، وورقة تفاوض مهمة عندما يجلس الطرفان الى الطاولة أخيرا، وواجهتها ايضا بالقاء القبض على عدد من العملاء ومحاكمتهم، ولكن التفوق الاستخباري الصهي.وني يبقى جليا بمساعدة الامريكيين الذين يسيطرون على نظم الاتصالات ويجندون العملاء في كل أنحاء العالم، وليس في إيران وحدها. وإيران هنا كدولة واسعة ممتدة الاطراف ومتعددة الاعراق والطوائف والاثنيات من السهل اختراقها، على العكس من دولة الكيان الصغيرة جغرافيا المضبوطة أمنيا في كل زاوية من زواياها والتي يتسم شعبها وقيادتها معا بعقلية القلعة، ما يجعل اختراقها أصعب، ومع ذلك، وقبل هذه الحرب الأخيرة، فقد كشف الشاباك عن القاء القبض على جواسيس لصالح إيران، ما يؤكد ان الحرب الاستخبارية بين الطرفين على أشدها رغم الفوارق.

ثالثا: صاروخ الحاج قاسم، ويحمل هذا الصاروخ اسم قاسم سليماني الذي اغتاله الأمريكيون بتنسيق مع الص.هـا. ين.ة، وقد نجح هذا الصاروخ الفتاك في اختراق الدفاعات الجوية الإ.سرا.ئيلية محدثا قدرا كبيرا من الدمار في ضواحي تل أبيب. وهي رسالة من النظام الإيراني للكيان ومن خلفه أميركا، ان الثأر الحاسم للحاج قاسم وبقية القادة الذين اغتالتهم يد الغدر الصهيو-أمريكية قد يكون تأخر، ولكنه جاء أخيرا. وبالمناسبة، فإن أسماء الصواريخ الإيرانية تحمل في معظمها دلالات ورموزا هامة من مثل فتاح وقدير وخيبر، وهذا الأخير يشير بوضوح الى المعركة التي حارب فيه النبي محمد اليهود وانتصر عليهم.

رابعا: خاطب نتنياهو الاسرائيليين مستخدما نصوصا من سفر التثنية يحثهم فيها على حفظ سلامتهم، والحقيقة ان اقتباسات نتنياهو من الكتب المقدسة اليهودية لم تتوقف منذ اليوم الاول لطوفان الأٌقصى، وهو تحول انتهازي في سلوك هذا الشخص العلماني الذي يعتبر نفسه ملك إسرا.ئيل والذي ركب مركب الدين ارضاء لحلفائه من اليمين الص.هي. وني الديني واليمين القومي المتطرف ولتحفيز المجتمع الذي انحرف بكليته نحو اليمين.

هذه الرسائل المتكررة على لسان نتنياهو وعدد من قادة الاحزاب في حكومته وفي الكنيست وعلى لسان الحاخامات، بل وعلى لسان مشرعين في الكونجرس الامريكي يطالبون بمحو ايران عن الوجود كما طالبوا قبلها بمحو غزة عن الوجود واستخدام قنابل نووية لإنهاء الصراع، كلها تؤكد أننا أمام حرب دينية وجودية يتم استنهاض معانيها في نفوس الأتباع، وهو توظيف منسجم مع توظيف نتنياهو السابق للعماليق من سفر التثنية أيضا وأوامر الرب بإبادتهم في تبرير حربه الإبادية ضد قطاع غزة والشعب الفلسطيني المقاوم.

خامسا: وبالرغم من أن الضربات الايرانية ما زالت تتبع نهج ضربات تنس الطاولة (البنج بونج)، حيث تأتي تصعيدية مستجيبة في الكم والنوع والتأثير للضربات الا.سرا.ئيلية، وتستهدف ذات النوع من المنشآت أو الأهداف التي يستهدفها الكيان في هجومه على إيران، وعلى الرغم من أن إيران تنوع في استهدافها لمناطق الكيان من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، وتنوع في مواقيت الضربات وأماكنها وشدتها، إلا أن هناك دلالات بينة في بعض المواقع التي استهدفتها، ومنها مثلا معهد وايزمان، فهذا ليس فقط العقل التقني لدولة الكيان ولأبحاث جيش العدو، إلا أنه يحمل اسم أول رئيس لإسرا.ئيل ، والرسالة هي : سنقتلعكم من جذوركم الهشة، وسنمحو وجودكم الطارئ على هذه الأرض، وهو الامر الذي ينسجم تماما مع تدمير مستوطنة ريشون ليتسيون في اوائل الضربات الموجعة التي جاءت في ثاني ايام الحرب، ومعنى كلمة ريشون ليتسيون هو الصهيوني الأول، وهذه المستوطنة هي اول مستوطنة انشأها اليهود على أرض فلسطين قبل ان يتنبه العرب والمسلمون لحقيقة ما يقوم به اليهود ولخطورة المخطط الصه.يو.ني .

بدوره جاء تعليق الإسرا.ئيليين على هذه الضربات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنها يوم القيامة، وهي أيضا دلالة دينية لها معانيها.

أما استهداف مواقع عسكرية وأمنية مجاورة لمبان مدنية أو ملاجئ محصنة أو مستشفيات، وتسببت ارتجاجاتها في الحاق الضرر بتلك المباني أو الملاجئ او المستشفيات، فإن الرسالة فيه ، لن يكون بمقدوركم ان تختبئوا في اي مكان، وسنصلكم في اي مكان وجدتم فيه، وكما تفعلون في غزة، فإننا قادرون على أن نفعل بكم الشيء ذاته إن أردنا، وهي جميعها رسائل ضغط على المجتمع الإسرا.ئيلي تسعى الى شلله وتخويفه ليضغط بدوره على قيادته لوقف الحرب، فإيران وإن كانت تعادي الكيان فعلا وقولا، إلا أنها تدرك ان قدراتها على الرغم من أنها لا يستهان بها، إلا أنها لا تتناسب مع القدرة التسليحية للكيان ومن خلفه امه امريكا والغرب الامبريالي الداعم له بكل شيء: السلاح والمال والاستخبارات والاقمار الصناعية والسياسة والدبلوماسية والقدرة على بناء التحالفات الدولية والاقليمية وصد الضربات.

ولذلك، وعلى الرغم من ان إيران توجه ضربات موجعة للكيان، وعلى الرغم من الرسائل الرمزية التهديدية، إلا أنها لا تسعى فعليا الى حرب وجودية لأنها غير مستعدة لها في ظل الحصار الطويل المفروض عليها منذ عقود، والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة في الداخل الايراني، عدا عن ان محورها تلقى ضربات موجعة في كل مكان، ومن ثم، فإن هذه الضربات تأتي في إطار الايلام والتخويف من أجل التفاوض لوقف الحرب وليس التدمير التام والمطلق، على العكس من إسرا.ئيل وأميركا اللتين عبرتا مرارا وتكرارا عن أنهما لن تتوقفا الا عند تحقيق النصر التام والكامل والاذعان الكامل للنظام الايراني ( أو إسقاطه بالطبع)، وهذه الجمل ترددت على لسان ترمب ونتنياهو وكاتس ومشرعين في الكونجرس الامريكي وفي الكنيست، وهذا التباين في أهداف الحرب لدى الجانبين الإسرا.ئيلي والأمريكي من جهة والإيراني من جهة ثانية قد يؤدي الى هزيمة إيران، ما لم يسارع الساسة الى فهم المعادلة بأنها وجودية ، ويتصرفوا بناء على ذلك، وما لم يطلبوا العون من حلفائهم في روسيا والصين والباكستان وغيرها لتعزيز الدفاعات الجوية الايرانية وتعزيز الاتصالات وتزويدهم بالمعلومات عن تحركات العدو عبر الاقمار الصناعية الروسية والصينية، وهي نقطة ضعف الجانب الإيراني.

ولكن، حلفاء إيران لن يدخلوا الحرب إلا إن دخلتها اميركا صراحة على ما يبدو، مع ان أميركا شريك في هذه الحرب خطوة خطوة، بل إن ترمب نسي نفسه وقال: لقد أصبحت لدينا سيطرة كاملة على الاجواء الايرانية، ومع ان إيران لديها دفاعات جيدة، إلا أنه لا يوجد اقوى من السلاح الأمريكي. وكان الأصل ان يقول إن إسرا.ئيل باتت لديها سيطرة كاملة بفضل السلاح الأمريكي، أما أن ينسب السيطرة اليه، فإن هذا دليل قاطع على أنها حرب أميركا تخوضها إسرا.ئيل بمساعدة من حلفاء أميركا في المنطقة.

ويخطئ الجميع في محور المقاومة بامتداداته من منطقتنا وصولا الى روسيا والباكستان والصين إن لم يفهموا الطبيعة الوجودية للحرب الدائرة وإن لم يفهموا ان الدور قادم على الجميع، وان سياسة اميركا وإسرا.ئيل ( او الغرب الامبريالي وحليفه الصهي.وني) هي تحقيق اكبر قدر من المكاسب باقل قدر من الخسائر، ولذلك يخوضون حروبهم على دفعات وبالتجزئة على طريقة الثور الأبيض، للتقليل من خسائرهم بقدر المستطاع وإخضاع أعدائهم، وإن بقيت كل قوة في هذا المحور تنأى بنفسها عن الآخرين وتقول ليست حربي، وعلي أن أحمي نفسي وشعبي اولا، فإن الحرب ستأتيها لا محالة مهما اعتقدت أنها تهرب منها، ولو وضع المحور منذ الأساس المواجهة سياسة له بدلا من تجنب المواجهة، لما تطورت الأمور الى هذه اللحظة الخطيرة، وهو الأمر الذي أدركه السنوار، ولكن باقي المحور لم يدركه.

ويخطئ أيضا القابعون في المحور الأمريكي من دول المنطقة، لأن ما هو على الطاولة اليوم ليس تقليم أظافر إيران ومحور المقاومة، وإنما شرق أوسط جديد وإسرائيل الكبرى، وواهم من يظن أن أميركا ستحميه في مواجهة المطامع الإسرا.ئيلية، فأميركا اليوم أوضح منها في أي وقت مضى، ولم تعد بحاجة الى أن تلعب الألاعيب وتلبس الأقنعة، فالمنطقة مستباحة ومستسلمة ولا ترغب في المقاومة!

وأخيرا، فإن ما يحدث الان ليس وليد اللحظة، ومشروع إيران النووي المزعوم ليس إلا قميص عثمان، وعلى الرغم من أن هذه الحرب تبدو للوهلة الأولى من تداعيات طوفان الاقصى، إلا أنها في الواقع ارهاص لمخطط مدروس بدأ الامريكيون بتنفيذه منذ الحرب العراقية - الايرانية، وصولا الى تحريض صدام على غزو الكويت، ثم جمع تحالف دولي عسكري ضده، مرورا بحصار العراق عبر برنامج الغذاء مقابل الدواء واضعاف النظام العراقي الى حين اسقاطه في 2003، وتقوية بعض المكونات على حساب المكون العربي السني، ليس حبا في المكونات التي تم دعمها في البداية، وإنما تمهيدا لفتنة دائمة لا يستطيع العراق ان ينهض منها ابدا، والاستيلاء على مقدراته النفطية وامواله واحتجازها في امريكا، مرورا بثورات الربيع العربي وتداعياتها في موجاتها الاولى والثانية والثالثة، وتفتيت المنطقة العربية عبر اسقاط النظم السياسية المستقرة واستبدالها بحروب اهلية تضعفها في سوريا وليبيا والسودان واليمن، ونزاعات مدنية تمارس فيها السلطات الجديدة القمع على مكونات المجتمع المعارضة في مصر وتونس، وصولا الى اتفاقيات ابراهام التطبيعية مع المغرب والسودان وبعض دول الخليج، ثم توريط روسيا في حرب لا تنتهي على اوكرانيا لاضعافها واستهلاك طاقاتها، ثم الحرب على محور المقاومة بدءا من فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن وانتهاء بالحرب الدائرة ضد ايران، واشغال الصين في حرب التعرفات الجمركية والتوترات مع تايوان وفي بحر الصين.

هذه السلسلة من التفاعلات لن تتوقف عند ايران، بل ستمتد الى تركيا باشغالها في نزاعات عميقة على جبهات متعددة في سوريا والعراق وفي الداخل التركي تنتهي باسقاط اردوغان وحزب العدالة والتنمية واستبدالهما بقوى أخرى على وفاق تام مع الاجندة الصهيو-أمريكية، أو بعقد صفقة بين اردوغان والامريكيين والاسرائيليين لتقاسم النفوذ في المنطقة بحيث تحل تركيا محل ايران في نفوذها على سوريا والعراق ولبنان بتقوية المكون السني المتحالف مع الاتراك والمتصالح مع اميركا واس.را.ئيل على غرار نموذج الشرع، سيتبع ذلك او يتوازى معه اضعاف باكستان عبر حرب طويلة المدى مع الهند، يليها تفتيت الدول الكبرى في المنطقة الى كيانات طائفية وعرقية بما في ذلك ايران وتركيا والعراق وسوريا والسعودية ومصر بحيث تنشأ دول اثنية صغيرة معادية لمحيطها العربي والاسلامي.

في الوقت ذاته، سيتم اضعاف هيئة الامم المتحدة ومؤسساتها ومنظماتها تمهيدا لاسقاطها، واضعاف الاتحاد الاوروبي بخروج العديد من الدول الاوروبية منه واستهلاك طاقاته ومقدراته بموازنات دفاعية على حساب رفاه مواطنيه واقتصاد دوله، بحيث يصبح الطريق ممهدا أمام الكيان لإعلان إسرائيل الكبرى ضمن خارطة الشرق الأوسط المفتت المتنازع الجديد.

يبقى العنصر الأخير المتبقي امام الامريكيين هو الصين، وهذه المسألة يلفها غموض كبير، فهل يكون اضعاف حلفاء الصين (روسيا وايران) واسقاطهم المقدمة للانقضاض على الصين؟ وكيف سيكون شكل هذا الانقضاض؟ هل تجرؤ اميركا على مواجهة عسكرية مع قوة نووية وعسكرية واقتصادية وبشرية عملاقة؟ ام ان الامر سينتهي بالجلوس الى الطاولة وتقاسم العالم؟! وما هو مصير روسيا وكوريا الشمالية في هذه اللعبة؟ وهل ستبقى هذه القوى موجودة ولكن منهكة، لادامة حالة العداء مع اوروبا وكل من اليابان وكوريا الجنوبية لاستنزاف اقتصادات هذه الدول، تمهيدا لصعود اللاعب الخفي الذي يلعب من وراء الستار، وبدأ يعلن عن وجوده تدريجيا؟ّ


نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.