شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: اسرائيل تتجرّع مرارة ما ترتكبه وتنادي بالعفة... - تليجراف الخليج ليوم الجمعة 20 يونيو 2025 02:19 صباحاً
كموقف مبدئي، وانطلاقاً من مسلّمات انسانية، لا يجدر بأحد ان يفرح ويهلل لاستهداف مدنيين عزّل ولا مقار اجتماعية وطبية وتربوية واستهلاكية، حتى في خضم الحروب التي تندلع، ومهما كانت الذرائع والاسباب. وبعد توضيح هذه الفكرة، لا يمكن ان يمرّ كلام المسؤولين الاسرائيليين اخيراً مرور الكرام. من يصدّق ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس (الذي وللصدفة كان وزيراً للخارجية اي من المفترض ان يميل الى الدبلوماسيّة اكثر منه الى العنف)، وباقي المسؤولين الاسرائيليين باتوا ينادون بـ"العفة" ويستعملون مصطلحات غريبة عنهم لطالما تبّرأوا منها على غرار "جرائم حرب"؟ هل يمكن لاحد ان يصدّق ان نتنياهو -وهو نفسه المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية مع وزير دفاعه السابق يوآف غالانت لارتكابهما جرائم حرب- بات يستنكر ويبكي على الانسانية ويرأف بالاطفال والنساء؟ هل يعيش هؤلاء ازمة انفصام في الشخصيّة، ام ان ما ينطبق على الاسرائيليين لا ينطبق على سواهم من باقي شعوب العالم؟ الا يملكون قدرة على الولوج الى الانترنت ورؤية ما ارتبكوا من فظائع في غزّة ولبنان؟ أليست المستشفيات الفلسطينية والمباني والمقرات الامميّة والانسانيّة وسيارات الاسعاف ومراكز الاستشفاء في لبنان والاراضي الفلسطينية من الذين تم تحريم استهدافهم خلال الحروب؟ أيّ وقاحة لنتيناهو ومن يقف خلفه من وزراء حكومته واركان جيشه، للمناداة بالانسانيّة بعد ان داسوا عليها وتركوها تنزف حتى الموت في اكثر من مكان في العالم؟.
طبعاً، لا يمكن تفسير هذا الكلام على انه تبرير لايران او سواها باستهداف مدنيين او مستشفيات او غيرها من المباني والمؤسسات، ولكن يجب النظر الى الوقائع بشكل كامل ومن دون اجتزاء، وما يصحّ هنا، لا بد وان يصح هناك ايضاً، والا سنرى مفهومًا احاديًّا للانسانية على غرار ما فرضته اسرائيل، وبالقوة، عن مفهوم السامية الذي حرّفته ليناسب اهدافها ومصالحها فقط.
ها هي اسرائيل تتجرّع للمرة الاولى منذ عقود طويلة، مرارة ما ارتكبته ولا تزال، من فظائع وجرائم ومجازر، واستفاقت على المفاهيم والمبادئ التي نادى بها العالم اجمع، حتى اقرب الحلفاء لها، والدعوات لتجنيب المدنيين والمؤسسات والمباني الامميّة والانسانيّة والاجتماعيّة والطبّية، اهوال الحروب وويلاتها، وان تبقى ملاذاً آمناً لمدنيين لا يقاتلون ويجهدون للهروب مع عائلاتهم من اجل البقاء والاستمرار.
قد لا تنتصر ايران في هذه الحرب، ولكن من المؤكد انها وجّهت صفعة مؤلمة للمسؤولين الاسرائيليين، علّهم يصحون ويدركون انهم سيحصدون ما زرعوا، وان ثقافة الموت والدمار يمكن ان تطالهم ايضاً كما تطال غيرهم، وهذا ما يجب بالفعل ان يدفع كل انسان الى التوقف والتفكير بمدى التزامه بإنسانيته. لا يمكن اعتبار قتل المدنيين مجرد لعبة او تجميع نقاط لصرفها في وقت لاحق في المفاوضات او فرض شروط تؤدّي الى ترجيح كفّة المجرم على سواه. ومن قال انه يحق للمجرمين ان يقرّروا مصير الناس الذين مات قسم كبير منهم ارضاء لغايات المجرمين الشخصية؟.
لا احد يحب الحرب الا من يرى فيها خلاصاً له، واستمرارية في منصبه ليقود الناس الى الهلاك، وللسخرية فإن كل الحروب تنتهي باتفاقات دبلوماسية (اياً كان الخاسر واياً كان المنتصر). قد يعتبر البعض ان ما سبق هو مجرد نظريات، ولكنه للاسف بات واقعاً ملموساً لا يمكن الهروب منه او القفز فوقه، وغداً عندما تنتهي الحرب، سيتم التوصل الى اتفاق ما، ولن يكون الرابح سوى غرور البعض، فيما من شبه المؤكد ان الاهداف المعلنة لكل من الاسرائيليين والايرانيين لن تتحقق، فلن تزول اسرائيل ولن تتشتت ايران، والمؤسف انه سيتم التهليل للمسؤولين من البلدين واعتبارهم بمثابة "ابطال"، وكم سيكون مؤلماً لنا مشاهدة تغيير المعنى والمفهوم لكلمة "بطل".