الإسلام وتحرير الإنسان - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الإسلام وتحرير الإنسان - تليجراف الخليج اليوم الجمعة 20 يونيو 2025 02:13 مساءً

إن علاقة الحرية بالاسلام علاقة جذرية ، لأن الله خلق الانسان بداية حرا. وشرع له القوانين التي تضمن له حريته وكيفية ممارستها ،ولكن الانسان عندما يخرج عن دائرة طبيعة خلقه، يمارس الظلم والفساد، ولذلك اصر الاسلام ان يضبط حرية الانسان لأنها مسألة اساسية، فبدون الحرية تنتفي العدالة ويسقط الحق. لكن كيف حرر الاسلام الانسان؟ ومتى يكون الانسان حرا؟. يمكن القول بداية ان الاسلام هو اكبر حركة تحريرية عرفتها البشرية، لان الاسلام ثار على مختلف انواع واصناف العبادات. التي كانت سائدة في حياة البشر ،كعبادة قوى الطبيعة وعبادة الاصنام، او عبادة البشر او عبادة الهوى والشهوات والخرافة، او عبادة الاشياء فالاسلام دعا الناس الى عباد الله وحده، ولكن الكثير من البشر ابوا الا ان يعبدوا الاشياء كما هو سائد اليوم. ولذلك احدث الاسلام انقلابا هائلا في المفاهيم والتصورات التي كانت منتشرة في الجاهلية. وثار على عقلية القبيلة والجنس واللون. ونادى بالمساواة. كما نادى الاسلام بوحدة الخلق والنشأة. (كلكم لادم وادم من تراب )، ولم يعد لدعوى الجاهلية كالقبيلة والعنصرية مكان في دائرة الاسلام، ولذلك ورد في الحديث (دعوها فانها منتنة)، ومن ثم سعى الاسلام الى ان يعلن ان الله خلق الانسان حرا ولا حق لاحد ان يستعبده كما قال عمر بن الخطاب يوما :(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ) ولذلك كان اول قرار اتخذه الإسلام هو ان جعل جوهر الاسلام قائما على التوحيد ومعناه نفي الالهة الزائفة التي تتحكم في الانسان ومن ثم حرر الاسلام الإنسان من كل العبوديات واطلق روح الانسان تعمل بكل طاقتها ولكنها منضبطة في الوقت نفسه بمنهج الله واوامره التي تحقق خير الدنيا وسعادة الاخرة. ولذلك فالله خلق الانسان ويعلم مايصلح له وما لا يصلح له ،واي اعتداء على سلطان الله او على احد من مخلوقاته هو اعتداء على امر الله وحكمته. وانطلاقا من هذا التصور ان الإنسان المسلم لا يكون حرا الا عندما يعلن عبوديته لله. ويتوجهه اليه بالعبادة والطاعة والانقياد. والعبادة لغير الله لا تمنح الانسان كرامته اللائقة به وانما تجعله مستعبدا لشهواته او لغيرها ،ومن ثم ينقلب البشر الى سادة وعبيد. رغم انهم جميعا في واقع لا يليق بالانسان. لكن اي وضع ينسجم مع كرامة الانسان وكيانه حين يكون عابدا لله الحق او حين يكون عابدا للاهواء والنزوات؟ لأن الانسان خلق اصلا ليكون عابدا فاما ان عابدا لله واما ان يكون عابدا لشيء اخر. لان عدم الايمان بالشيء ايمان بشيء اخر. ولكن هناك في الغرب وفي مجتمعاتنا كذلك يذهب العلمانيون الى القول بأنهم يحققون ذواتهم عندما يعصون الخالق ويتمردون عليه، ويعتبرون ذلك قرارا جريئا لانه حقق لهم حريتهم وانتصارا على الغيب. لكن كيف يمكن ان يتحرر الانسان دون ان تتحرر مشاعره واحاسيسه؟ وهل يمكن للانسان ان يتخذ قرارا صائبا وهو تحت سيطرة وضغط الاهواء والنزوات؟. وكيف يمكن الحديث عن تحرير الانسان دون الحديث عن تحريره من القوانين الجائرة التي وضعها الانسان وفق اهوائه وعلى مقاصه؟ وهل الانسان خالق لنفسه حتى يتسنى له وضع القوانين التي يسير بها حياته ؟ فمن المنطق ان تتلائم القوانين مع طبيعة خلق الانسان. والا تكون مناقضة لتلك الطبيعة. وإلا وقع الانسان في الانهيار، فالله الذي خلق الانسان هو الذي له الحق ان يشرع لهذا الانسان لانه خالق له ويعلم طبيعة ما خلق ومن هنا وجب التساؤل: كيف يمكن ان يكون الانسان حرا وسلوكه وتصرفاته مناقضة لمنطق خلقه. اضافة انه يفكر بعقل غيره ويكرس عقلية الوصاية والتبعية ؟ فالحرية مبدأ ومسؤولية والتزام وتتجسد في الا يكون الانسان عبدا الا لخالقه. فليست الحرية هي الرجوع الى الحياة البدائية عندما كانت النساء مشاعات بين الرجال، والكل طافح على وجهه، إن الدعوة للرجوع الى حياة الهمج والبهائم والى حياة الرق والعبودية لهي مصيبة عظمى، ولكن هذه المرة وفق الدعوة الى وضع الامر في ثياب قانونية مما يشكل انتكاسة رهيبة في وجه منطق الحضارة، ان عبادة الفرد وتقديسه لنفسه واطلاقه العنان لنزواته واهوائه. سبب لسقوطه في الحضيض. مما جعل الكثير من الناس في المجتمعات الغربية يعاودون طرح التساؤل عن مصير الانسان مما دفع البعض منهم الى اعتناق الاسلام لانهم رأوا فيه حياة الدفء والسكينة والطمأنينة، لا سيما الاناث، فاكثر الذين اعتنقوا في الغرب من الاناث ،ولكن عن طريق العلم والمعرفة والبحث في حقائق الامور. 

إن الجهل والظلم والاستبداد والغزو الاستعماري الذي غزى بلاد المسلمين وضخ الافكار والتصورات الايديولوجية الغربية باستمرار. كل ذلك ساهم في تقديم صورة مشوهة عن الاسلام للاجيال الناشئة التي لا تقرأ في العالم الاسلامي. لتنشأ بعد ذلك شخصية مفككة ومبعثرة. لا تعرف ما هو الاسلام من غيره. بل اصبح ان الوجبات التي تقدم له من خلال وسائل الاعلام المأجورة تنعت بانها صورة حقيقية عن الاسلام فذاتية الانسان المسلم المفقودة التي بعثرتها تيارات ايديولوجية وافدة وانحرافات مجتمعية كثيرة سببها انه فاقد لرؤية واضحة ناشئة عن الجهل بحقيقة الاسلام. فعندما غابت الصورة الناصعة للاسلام في اذهان المسلمين. ظنوا ان النموذج الغربي هو المنقذ من الضلال، ولم يتفطنوا ان الاعتراف بالذات هو البداية. فكيف نطلب من غيرنا ان يعترف بنا ونحن لم نعترف بعد بذواتنا. ؟ان الاسلام حرر الانسان تحريرا مطلقا من كل ما يربطه بالحياة المادية ،فالانسان المسلم لا يعبد الاشياء. وانما هي وسائل يستعملها ولا يعبد الجسد ولا اي شيء اخر ان الاسلام انشأ اعظم حركة في التاريخ حررت الانسان التحرير الحقيقي ووضعته في المكان اللائق به وهو مكان الكرامة والعزة ، ( ولقد كرمنا بني آدم.) لأن تلك الحركة قامت على التوحيد وهو المنهج الرباني الذي يحرر الناس من داخل انفسهم فيصبحون قوى فاعلة في واقع الحياة بانية معمرة تصنع ما يشبه المعجزات ،ولذلك كيف يمكن ان يكون الانسان حر وهو مكبل باغلال الجسد ومطالبه؟ ويصبح عبدا طيعا لشهواته وهي التي تأمر وتنهى؟.

 نعم ان الجسد ينبغي ان تعطى له حقوقه ولكن ليس بتلك الصفة التي يصبح فيها مسيطرا على فاعلية وذاتية الانسان، كما تدعو الى ذلك الفلسفات المادية لان الاسلام لا يفرق بين مطالب الجسد ومطالب الروح. وتتوحد فيه الدنيا والاخرة. وفي الاسلام لا ينفصل ايمان الانسان عن ايمانه بعالم الحس. ومعرفته بالله ومعرفته بالكون المادي. والإسلام يتأسس على التوحيد. وهو مفهوم شامل لكل جوانب حياة الانسان، يشمل الالوهية والعبودية والربوبية ،والتوحيد نقيض الشرك : شرك الاعتقاد وشرك العبادة. وشرك الاتباع وشرك الرضا. ولذلك ان الاسلام يرى ان هناك الوهية واحدة لهذا الوجود ذات خصائص غير قابلة ان يشاركها غيرها. (وهو الذي في السماء إله وفي الارض اله.) ، ومن ثم إن المسلم له رؤية خاصة به تميزه عن غيره كتميز عقيدته عن بقية التصورات الاخرى. ولذلك فعبادة الله حرية. وعبادة البشر عبودية . لأن طاعة الله والانقياد له. يحس فيها الانسان المقتنع بها الراحة والطمأنينة والتحرر. فالمسلم حر إذا عندما يعلن عبوديته لله. لان نفسه وجوارحه طابت لله رب العالمين. ولذلك اساس الحرية في الاسلام هو الاخلاص لله رب العالمين. (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له. وبذلك امرت وانا اول المسلمين) . ولذلك هناك انسانان في هذا العالم. لا ثالث لهما :

أحدهما يقول: ان الله او الالهة كما قال الفيلسوف اليوناني ابيقور :( الالهة خلقوا العالم ولكن عليهم الا يتدخلوا في حياة الناس). اي ان هذا النوع من الناس لا يسمح للخالق ان يتدخل في شؤون عباده وهو بهذا الامر يقر بعبودية الانسان للانسان. لان الانسان هو الذي اصبح يشرع للانسان ويضع له القوانين التي تنظم حياته. اما الانسان الاخر: فيرى ان الله خلق الانسان وشرع له القوانين التي تنسجم مع طبيعة ما خلق. ومن ثم تتحقق سعادة الانسان عندما يلتزم بتلك القوانين التي شرعها له خالقه .ولذلك فالحرية في الاسلام هي مبدأ اساسي. في الحياة وبدونها يصبح الانسان فاقد الارادة ويعيش تحت الوصاية. فكان العرب قوما اذلاء وعندما اعتنقوا الاسلام حررهم فاصبحوا اعزاء. وعندما تراجعوا عنه اذلهم الله ، لان الاسلام هو مصدر قوتهم. وقد تجلت هذه الحرية في حرية التعبير وترديد كلمة الحق امام الجائرين. وقد تجسدت في تلك المناقشات والمواقف بين الصحابة الكرام. فكانوا لا يتركون اي امر يمر دون التحقق من شأنه. لان شريعة الاسلام تجسد العدل والحق. (والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها). وليس في الاسلام حصانة لمخلوق اذا خرقت اوامر الله. ولا سمو للانسان في الاسلام الا بالتقوى. (ان اكرمكم عند الله اتقاكم. )ومن ثم أسس الاسلام مجتمعا قائما على الفضيلة والنظافة والحق والعدل والاستقامة ولذلك سد الاسلام ابواب الفساد. والجرائم الاخلاقية والاقتصادية والسياسية. ولكن ينبغي التأكيد أنه ليس هناك مجتمع ملائكي ولكن الاسلام حصر الجريمة في اضيق نطاق ممكن اي ان تقل الجريمة الى ابعد الحدود ولذلك إن التشريع يعمل على الحيلولة دون وقوع الجريمة قبل ان يعمل على عقاب مرتكبيها. وهذا يقتضي ممارسة سلوكية من المسلمين. لان الناس لا يتأثرون الا بالممارسات الواقعية. ومع ذلك ينبغي عرض حقائق الاسلام امام الناس حتى تكون واضح جلية تحت ضوء الشمس. لان البلدان التي فتحت، فتحت بالعقيدة المتجلية في سلوك واقعي، ولذلك لا يمكن نشر الاسلام من خلال وسائل الاعلام او عرض حقائقه مجردة رغم اهمية الإعلام بل ينبغي ممارسته في واقع الحياة حتى يقدم للاخرين في صورة واضحة جلية ولكن دعاة الرق والعبودية الجدد الذين يحاولون تصدر المشهد وينشرون اساطير وخرافات لا يصدقها عقل ولا منطق سليم، يريدون التطاول على الاسلام وينظرون اليه بنظرة النقص والدونية مصحوبة بعقلية استعلائية وكأنهم المالكون للحقيقة أو أن لهم العقول الصافية والاذهان المستقيمة. لكن ما هو مفهوم الحرية عند اتباع منظومة التفكير الغربي هؤلاء؟ ينبغي الاقرار اولا ان هؤلاء ليسوا على شاكلة واحدة. فلكل واحد انتماؤه الايديولوجي. ولكنهم يتفقون على محاربة كل شيء له صلة بالاسلام، ويوظفون كل قدراتهم ومجهوداتهم خدمة لذلك الهدف. ففي الوقت الذي تتبنى كثير من الشعوب والامم تراثها وتعتني بتاريخها يحاول هؤلاء ان يخرجوا عن هذا الاطار وينغمسون في الانبطاح امام مفاهيم ورؤية الغرب وخصوصا ما يتعلق بالحريات ولكن متى كانت الدول الاستعمارية تدعو الى الحرية وحقوق الإنسان ؟ فبالاحرى ان يقوم اتباعها بترويج الرؤية الاستعمارية التي هدفها تخريب المجتمعات من الداخل حتى تصبح مفككة لتسهل السيطرة عليها بعد ذلك فكرا وسلوكا واقتصادا .ويركبون على مسألة الانفتاح على الغرب في مجال الفكر والثقافة، ولم يعلموا ان التواصل مع اية ثقافة يقتضي الانطلاق من بنية فكرية بحيث تكون الندية في النقاش، وليعلم هؤلاء ان الاختلاف بين الاسلام والفكر الغربي بمختلف عناصره هو اختلاف عن عميق بالغ العمق وليس من السهل اسقاطه ولذلك فالحرية عند هؤلاء ليست مبدأ والتزاما واعترافا بكرامة الانسان كما هو الشأن في المنظومة الاسلامية، وانما هي عند مختلف طوائفهم تدعو الى الميوعة الاخلاقية والرذيلة في ابشع صورها ويتم تعويم مفهومها حسب المنطلق الفكري الذي يصدر عنه الشخص.فالحرية في الفكر الماركسي تقتضي تحقيق مملكة الضرورة اولا ثم بعد ذلك نلتفت الى احوالنا ولكن المنظومة الاسلامية ترى ان الانسان والكرامة اولا فلا مساومة على المبدأ ولا مكان لعبادة الاشياء. ولذلك فالحرية عند هؤلاء فوضى وتسيب. لانها ليست مؤطرة بنسق فكري عند بعضهم يحدد لها مجال التحرك. وهكذا سعوا الى تدمير الاسرة وتخريبها وترك الباب مشرعا امام الدعارة ليكثر السواد اللقطاء والامهات العازبات ويتم تدمير بنية المجتمع ويسود الاجرام والامراض النفسية وهناك خطأ شائع بين الناس وهو ان هؤلاء يطلقون على انفسهم اسم الحداثيين. والامر ليس كذلك لان الحداثة ابداع وابتكار وصياغة بنيات المجتمع على اساس العلم والمعرفة وقيم الاخلاق والفضيلة. وانما هم مقلدة فاقدون للذات والهوية. وان شئت قلت في حقهم إنهم يشكلون اسوء وجه للتبعية والانبطاح امام الوجه الكالح من الفكر الغربي ،ولكن مشكلتهم التي يعانون منها أنهم غير مطلعين الا على نوع معرفي واحد. وقد ادى بهم تحجرهم ان لا يخرجوا عن ذلك المجال. لانهم يعتقدون انه يمثل الحق الوحيد. وليس هناك حق سواه. وهذا هو عين الجهل والجحود، فالشخص الذي يقدم تصورات فكرية وفلسفية ظهرت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في الغرب ويطرحها على انها عين الحق والصواب وانها هي الاداة الوحيدة التي يمكن ان تحل جميع المشاكل المعرفية والمجتمعية التي تعاني منها مجتمعاتنا في القرن الواحد والعشرين فهذا الشخص يسقط على ذلك الفكر ثوب القداسة مما يخرجه من دائرة التفكير البشري المرتبط بالوقائع والاحداث ولذلك فهم يمثلون عين الجهل لان الجاهل ليس هو الشخص العدمي وانما من كانت افكاره وتصوراته مغلوطة، لانه يعتقد ان فكره هو الفكر الصحيح وعندما يفشل يسقط فشله على الاخر ويبحث لنفسه عن المبررات، فالركون الى ايديولوجية واحدة واعتبارها هي البديل الاوحد هي التي جعلتهم يعيشون هذه الوضعية الكارثية ولو كانت توجهاتهم منذ البداية هي الانفتاح على الاخر والاستفادة من بقية التصورات لما وقعوا في هذا المشكل، وقد نرى ان بعضهم قد استيقظ من سباته بعد ان امضى جل عمره في التفاهة، فما نلاحظه من ترحال ثقافي ومن تحول القناعات في اخر العمر ما هو الا دليل على عدم اختيار الاتجاه الصحيح ولم يكن مفهوم الحرية عندهم بمعزل عن بقية المفاهيم التي يروجون لها داخل مجتمعاتنا والتي كانت نتائجها مدمرة على واقعنا الاجتماعي فثقافتهم بالاساس ثقافة البؤس والتدمير وليست ثقافة البناء والتحرر من التبعية.