نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الشرق الأوسط بين نووي إسرائيل وثورة إيران... والعدالة المستحيلة - تليجراف الخليج اليوم السبت الموافق 21 يونيو 2025 12:50 مساءً
في جغرافيا لم تعرف الهدوء يومًا، تتقاطع المصالح وتتناقض المبادئ، ويغدو القانون مجرد أداة تخدم الأقوى. يقف الشرق الأوسط اليوم أمام مشهد معقد تتداخل فيه المأساة مع العبث، وتتقاطع فيه السياسات النووية، والثورات العابرة للحدود، والعدالة التي تكاد تكون سرابًا.
لم يكن الصراع بين إسرائيل وإيران مجرد مواجهة عسكرية أو خصومة أيديولوجية، بل هو انعكاس لانهيار منظومة القيم التي يُفترض أن تضبط العلاقات الدولية. نحن لا نقف فقط أمام توازن رعب، بل أمام اختلال أخلاقي في تعريف "العدالة"، حيث يُكافَأ المعتدي ويُدان المظلوم، ويُسمَح بالدمار باسم "الدفاع"، ويُمنع الحلم بالتحرر بحجة "الاستقرار".
أولًا: إسرائيل – دولة الضحية التي منذ تأسيسها عام 1948، نجحت في ترسيخ صورتها العالمية كدولة صغيرة محاطة بالأعداء، بينما الواقع يُظهر أنها تمتلك أحد أقوى الجيوش في المنطقة، ودعمًا غير مشروط من قوى كبرى، وترسانة نووية غير مُعلنة.
إسرائيل، التي ترفض الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، لم تُعاقب يومًا على امتلاكها هذا السلاح. بينما تُمنع دول أخرى من مجرد السعي له، تُمنح إسرائيل استثناءً لا يُناقش، لا في مجلس الأمن، ولا في الوكالات النووية، ولا حتى في الإعلام الدولي.
لكن التناقض الأوضح هو في الشرعية التي تُمنح لها في استخدام القوة. الحروب الدورية على غزة، الضربات في لبنان وسوريا، والعمليات العسكرية في العراق واليمن، كلها تمر دون محاسبة. تُمارس إسرائيل سياسات العقاب الجماعي بحق الفلسطينيين، لكنها تظل "الضحية" في نظر الإعلام الغربي. تتحول الأشلاء إلى بيانات، وتُقلب الحقيقة في مشهد خيالي يفضح غياب الضمير العالمي.
السؤال هنا ليس فقط: لماذا تُعفى إسرائيل؟ بل لماذا نُساق، نحن كعالم، لتصديق أن الضحية هي من تملك كل أدوات القتل؟ العدالة، حين تُنتج بهذا الشكل، تتحول من قيمة إنسانية إلى أداة هيمنة، ومن ميزان إلى مطرقة.
ثانيًا: إيران – منذ ثورة 1979، تغيّرت إيران من دولة وطنية إلى مشروع سياسي-ديني عابر للحدود. ما يُسمّى بـ"محور المقاومة" هو في الحقيقة مظلة عسكرية وسياسية تستخدمها طهران لتمديد نفوذها في الشرق الأوسط: من بغداد إلى بيروت، ومن صنعاء إلى دمشق.
ترفع إيران شعارات "مناهضة أمريكا" و"تحرير فلسطين"، لكنها في ذات الوقت تُقمع شعبها في الداخل، وتضيّق على الحريات الفكرية والدينية. المفارقة أن خطابها المناهض للإمبريالية لا يتوافق مع ممارساتها التوسعية في دول الجوار.
البرنامج النووي الإيراني هو، في جزء كبير منه، نتيجة شعور طهران بالعزلة والحصار. لكن المجتمع الدولي، بقيادة واشنطن، يتعامل مع هذا الملف كتهديد، لا كحالة من رد الفعل على اختلال التوازن الإقليمي. بينما تُعاقَب إيران بقسوة، لا يُطرح ملف إسرائيل النووي على طاولة التفاوض.
العدالة، حين تُنتقى، تُحوّل الثورات إلى تهديدات، وتحوّل الطموحات الدفاعية إلى مشاريع إبادة. إيران ليست بلا خطيئة، لكن محاسبتها دون النظر إلى السياق الإقليمي، يُظهر أن القانون الدولي ليس إلا حلبة صراع ناعم يُدار فيه السلاح بالقلم لا بالرصاص.
ثالثًا: أميركا – تلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًا في صياغة التوازنات في الشرق الأوسط، لكنها تُمارس هذا الدور وفق مبدأ "العدالة النافعة"، لا "العدالة العادلة".
تُدين الإرهاب، لكنها تدعم دولة تمارس الاحتلال وحرب الإبادة المنهجي في غزة. تُروّج لحل الدولتين، لكنها تُسلّح إسرائيل بلا توقف. تُحاصر إيران باسم الحد من انتشار السلاح النووي، لكنها لا تلمّح حتى إلى ترسانة تل أبيب النووية.
قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس في عهد ترامب لم يكن مجرد إجراء سياسي، بل إعلان واضح عن تحويل القانون الدولي إلى أوراق تفاوضية تُستخدم متى شاءت واشنطن، وتُهمّش حين لا تخدم مصالحها.
العدالة لا يمكن أن تُبنى على تحالفات، ولا يمكن أن تُقاس بميزان المصالح. حين تُصبح المبادئ أدوات ضغط، تنهار الحدود بين القانون والعنف، وتتحوّل الأمم المتحدة إلى غرفة عمليات للمنتصر لا للمنصف.
رابعًا: لماذا لم تُعاقب باكستان؟
سؤال بسيط يحمل دلالات عميقة: لماذا لم تُفرض على باكستان ذات العقوبات التي فُرضت على إيران؟
الجواب يكشف منطق "الولاء الجيوسياسي": باكستان كانت حليفًا حيويًا للولايات المتحدة في حربها ضد السوفييت، ولا تُصدر أيديولوجيا دينية معادية لإسرائيل، ولا تتدخل في شؤون جيرانها كما تفعل طهران.
وبالتالي، امتلاك السلاح ليس المشكلة، بل اليد التي تملكه، والموقع الذي تحتله في خارطة الاصطفافات الدولية.
خامسًا: غزة، لبنان، سوريا، اليمن... مختبرات الدم
هذه المناطق ليست فقط ساحات صراع، بل مختبرات لفحص صيغ العنف المسموح.
غزة تحت الحصار منذ أكثر من 18 عامًا، تُقصف بشكل دوري، وتُجوع تحت مرأى العالم.
اليمن يعيش حرب استنزاف شاملة، يُدمّر ويُجرب عليه القصف كأن سكانه ليسوا بشرًا.
في سوريا ولبنان، تجري حروب الوكالة بأدوات متعددة، وإسرائيل تُنفّذ ضربات دون إعلان أو إدانة.
حين تتحول المعاناة إلى مشهد معتاد، تفقد الإنسانية حساسيتها. تُصبح الكارثة شيئًا "مألوفًا"، وتتحوّل الضحية إلى مجرد رقم في نشرة الأخبار. هكذا يُقتل العدل مرتين: مرة بالقصف، ومرة بالصمت.
سادسًا: العدالة الانتقائية ليست فقط انحرافًا أخلاقيًا، بل هي مصنع للفوضى.
حين يُحاسب طرف ويُعفى آخر، حين تُمنع أسلحة عن البعض وتُعطى للبعض الآخر، تُنتَج بيئة لا تُولّد إلا العنف والتطرف وردود الفعل.
النظام الدولي كما يُمارس اليوم، لا يمنع الحرب، بل يُديرها.
.
وهكذا، تتحول العدالة من قيمة إنسانية إلى أداة هندسية لصناعة التفوق لا الحق.
الخلاصة: هل يمكن للشرق أن يحلم؟
السؤال لم يعُد: "متى يتحقق السلام؟"
بل: "هل ما زال من الممكن أن نحلم؟"
في عالمٍ يُعاقب فيه الحالمون، ويُكافأ فيه القتلة، لا يصبح السلام غاية، بل سخرية مُغلّفة بالخطب الدبلوماسية.
العالم لا يبحث عن إجابات، بل يزرع الشك في وجدان من يطرح الأسئلة.
وفي ظل هذا الشك، تبدو العدالة المستحيلة هي الحقيقة الوحيدة الممكنة.
.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.