متخصصون يطالبون بـ «ضوابط» لقيادة أصحاب «الأمراض المزمنة» للمركبات - تليجراف الخليج

أكد أطباء وخبراء ومتخصصون في القانون والتأمين أهمية وضع ضوابط لقيادة أصحاب الأمراض المزمنة المركبات على الطرق، حرصاً على سلامتهم وحياة الآخرين، لافتين إلى احتمال تعرّض أحدهم لظرف صحي طارئ يُفقده السيطرة على المركبة، ويؤدي إلى وقوع حوادث جسيمة، مثل الدخول في غيبوبة.

واقترحوا وجود إلزام يمنع بعض أصحاب الأمراض المزمنة من قيادة المركبات، بحسب ما تقرر الجهات الصحية، محددين مجموعة من الأمراض التي تؤثر سلباً في القدرة على القيادة بأمان، تشمل الأمراض النفسية غير المستقرة، مثل الفصام والهلع، والأمراض العصبية التي لها تأثير في الوعي والانتباه والتحكم في العضلات، مثل الصرع ومرض باركنسون.

ولم يتطرق قانون السير والمرور الاتحادي الجديد صراحةً إلى ضوابط قيادة أصحاب الأمراض المزمنة للمركبات، لكنه حدد في المادة (10) شروطاً لإصدار رخصة القيادة، من بينها اجتياز الفحص الطبي المطلوب لدى سلطة الترخيص بنجاح، أو تقديم تقرير معتمد، وفقاً لما تُحدده اللائحة التنفيذية لهذا المرسوم بقانون.

وشهدت طرق الدولة، خلال السنوات الماضية، عدداً من الحوادث على خلفية ظروف صحية ألمت بالسائق أثناء قيادته المركبة، بسبب مرض مزمن يعانيه، ومن ذلك الإغماء المفاجئ للسائق وفقدان السيطرة على المركبة.

وفي حادث وقع أخيراً، تسبب سائق من جنسية آسيوية في حادث مركب نتج عنه اصطدام أربع مركبات ودراجة نارية، ووفاة شخص وإصابة آخر، بعد انحرافه بشكل مفاجئ.

واعترف السائق بالخطأ أمام النيابة العامة، مبرراً ما حدث بفقدانه الوعي قبيل الحادث، وعدم إدراكه ما حدث إلا بعد مشاهدة مركبات الإسعاف والشرطة.

وشهدت طرق الدولة، العام الماضي، وقوع ثلاثة حوادث متفرقة بسبب قيادة مركبة تحت تأثير ظروف صحية (أمراض مزمنة)، من دون تفاصيل حول نوعيتها، بحسب إحصاءات وزارة الداخلية للحوادث المرورية.

الاضطرابات النفسية

وذكر استشاري الطب النفسي، الدكتور محمود نجم، أن الأمراض النفسية يمكن أن تُشكّل خطراً كبيراً على السلامة أثناء القيادة، خصوصاً إذا كانت تؤثر في الانتباه واتخاذ القرار والاستجابة للمواقف الطارئة.

وحذّر من أن بعض الاضطرابات النفسية قد تؤدي إلى سلوكيات غير متوقعة أو فقدان التركيز، ما يزيد من احتمال وقوع الحوادث.

وحدد سبعة أمراض نفسية قد تُشكّل خطورة أثناء القيادة هي: «الفصام»، وتتمثّل خطورته في الهلاوس (السمعية والبصرية) والأوهام وضعف الإدراك واضطراب التفكير، وتكون القيادة خطرة إذا لم يكن المرض تحت السيطرة أو إذا كان المريض غير ملتزم بالعلاج، و«الاكتئاب الشديد»، وتتمثّل خطورته بحدوث بطء في التفكير وردود الفعل وفقدان التركيز، وتكون القيادة خطرة عند وجود أفكار انتحارية أو فقدان الحافز والانتباه، و«الاضطراب ثنائي القطب»، وتتمثّل خطورته في نوبات الهوس، إذ قد يكون المصاب به متهوراً وسريع القيادة أو عديم المسؤولية، و«اضطرابات القلق الشديدة»، وتتمثّل خطورته في نوبات الهلع والخوف من القيادة والتشتت الذهني، وتكون القيادة خطرة إذا أثرت الأعراض في التركيز والتحكم، و«اضطراب ما بعد الصدمة»، وتتمثّل خطورته في استرجاع لحظات الصدمة بشكل مفاجئ والقلق الشديد ونوبات الغضب، وتكون القيادة خطرة عند التعرّض لمثيرات تؤدي إلى استرجاع الحدث الصادم أثناء القيادة، و«الاضطرابات الذهانية»، وتتمثّل خطورته في فقدان الاتصال بالواقع والتصرفات غير المتوقعة، وتكون القيادة خطرة في حال وجود أعراض نشطة مثل الهلاوس أو الأوهام، و«اضطرابات تعاطي المخدرات والكحول»، وتتمثّل خطورته في ضعف الوعي وردود الفعل، وتكون القيادة خطرة أثناء أو بعد التعاطي، أو في حالة الإدمان غير المعالج.

وحول متى يجب منع المريض من القيادة، أكد أنه يجب تقييم الحالة من قبل طبيب نفسي، ويُمنع المريض من القيادة إذا «كانت الأعراض النفسية غير مستقرة، ووُجد تاريخ لمحاولات انتحار أو سلوك متهور، ووُجدت تأثيرات واضحة على التركيز، وكان تحت تأثير دواء مهدئ أو منوم يُضعف القدرات العقلية».

الأمراض العصبية

وأكد استشاري طب الأعصاب، الدكتور جواد فضل، أن الأمراض العصبية ربما تؤثر بشكل كبير في القدرة على القيادة بأمان، بسبب تأثيرها في الوعي والتنسيق الحركي والانتباه والتحكم في العضلات.

وأشار إلى بعض الأمراض العصبية التي تُعدّ خطرة، أو تمنع القيادة، تشمل «الصرع»، وتتمثّل خطورته في نوبات فقدان الوعي أو التشنجات المفاجئة، وقد يُمنع المريض من القيادة إذا لم يتم التحكم في النوبات لمدة 6-12 شهراً على الأقل، و«السكتة الدماغية»، حيث قد تسبب الشلل وفقدان التوازن وضعف الرؤية، لذلك ربما تكون القيادة غير آمنة، وفي هذه الحالة قد يحتاج المريض إلى تقييم شامل قبل السماح له بالقيادة مجدداً، و«باركنسون» لأن من أهم صفات المرض التي يُحدثها للمرضى بطء الحركة والرعشة والتصلب العضلي، و«الخرف (مثل الزهايمر)»، وتتمثّل سمات المرض في ضعف الذاكرة والارتباك، وهنا يجب منع القيادة في مراحل المرض المتقدمة، و«التصلب المتعدد»، حيث يسبب ضعف العضلات مشكلات في الرؤية والتنسيق، ويكون الشخص مؤهلاً للقيادة إذا كانت الأعراض خفيفة ومستقرة، و«الاعتلال العصبي الطرفي الشديد»، وتكمن خطورته في فقدان الإحساس أو التنسيق في القدمين واليدين، وهنا قد يؤثر في استخدام الدواسات أو عجلة القيادة، و«اضطرابات النوم العصبية»، مثل النوم القهري، حيث قد تحدث نوبات النوم بشكل مفاجئ أثناء القيادة.

وأشار فضل إلى أهمية منع المريض من القيادة في الحالات التالية، فقدان الوعي المفاجئ أو غير المتوقع، والضعف الشديد في العضلات أو التوازن، وضعف الرؤية أو الإدراك، وعدم القدرة على اتخاذ قرارات سريعة أو صحيحة.

أمراض مؤثرة

وحول المسؤولية القانونية التي تقع على السائق الذي يعاني مرضاً مزمناً، وأصيب بعرض صحي أثناء القيادة وتسبب في حادث أسفر عن إصابات ووفيات، أكد المستشار القانوني، الدكتور يوسف الشريف أن «العبرة ليست بما إذا كان المرض مزمناً أو غير مزمن، ولكن العبرة بمدى تأثير المرض في الوعي والإدراك والتركيز في القيادة والطريق ومراعاة سلامة الآخرين والممتلكات حتى لو لم يكن المرض مزمناً، فبعض الأمراض المزمنة لا يؤثر بشكل مباشر في القدرة على القيادة، مثل مرض السكري المنتظم، فيما هناك أمراض ليست مزمنة لكنها مؤثرة، مثل الصداع الشديد العارض والإسهال».

وأكد الشريف أن «العبرة تكمن في العلم بالمرض، فقد لا يكون قائد المركبة على علم بمرضه، لعدم متابعته الفحوص الطبية دورياً، مثل مرض السكري غير المنتظم وأمراض القلب، ففي هذه الحالات تنعقد مسؤوليته عن الحادث، أما إذا كان يعلم بمرضه، فإن مسؤوليته هنا تكون مسؤولية مشددة، لأنها تمثّل تهوراً وإهمالاً جسيماً يصل إلى حد القصد والعمد والاستهانة بالقيادة وآثارها في ظل مرضه المؤثر في حالته ووعيه وقدرته على القيادة والسيطرة على مجريات الأمور ومفاجآت الطريق».

وأكد أن القانون «لا يُعفي قائد المركبة من المسؤولية لمجرد أنه مريض، بل على العكس المرض المزمن الذي يؤثر في القيادة يجعل مسؤوليته أشد، ولكن يمكن في الحالات التي يثبت فيها أن المرض كان مفاجئاً أو غير معروف أن تستعمل المحكمة الرأفة فتُخفف من العقوبة».

وتابع: «بالنسبة للفحص الطبي الذي يُشترط لاستخراج رخصة القيادة، فلا علاقة له بالأمر لأنه يُطلب مرة واحدة عند استخراج الرخصة، وبالتالي فقد يكون المرخص له سليماً، ويطرأ عليه المرض فيما بعد، وبالتالي فإن هذا الفحص لا يمكن أن يكون كافياً لمنع الحوادث التي تقع جرّاء تلك الأمراض المؤثرة على سلامة القيادة».

وأشار الشريف إلى أن نصوص القوانين النافذة تؤثم هذه الحالات ولا تحتاج إلى تشريع خاص أو نصوص جديدة، «لأنها لا تخرج عن التوصيف القانوني لجرائم إتلاف ملك الغير، والإصابة بالخطأ، والقتل الخطأ، والقتل العمد، وتجاوز السرعة المقررة، والجرائم الأخرى التي وردت في قانون السير والمرور وقانون الجرائم والعقوبات، فلا جريمة من دون عقوبة».

وذكر أن الأطباء عليهم التزام قانوني في حالات الأمراض المؤثرة على القيادة، سواء كانت أمراضاً مزمنة أو غير ذلك، من خلال تحذير المريض من القيادة.

وقال: «في كل الأحوال، فإن المرض مهما كان نوعه، ليس سبباً للإعفاء أو التخفيف من العقوبة».

الطرف الثالث

وحول تغطية شركات التأمين للحوادث المرورية التي تقع بسبب إصابة السائق بعرض صحي أثناء القيادة، أكد خبير تأمين، رئيس اللجنة الفنية لاتحاد التأمين الخليجي، بسام أديب جيلميران، أن وثائق تأمين المركبات، سواء التأمين الشامل أو التأمين ضد الغير (المسؤولية المدنية)، تخضع لوثيقة موحدة معتمدة من مصرف الإمارات المركزي.

وقال إنه على الرغم من أن هذه الوثيقة لا تتضمن نصاً صريحاً يستثني الحوادث التي تقع بسبب أمراض مزمنة لدى السائق، فإن هناك اعتبارات قانونية وتأمينية مهمة تؤثر في نطاق التغطية.

وأكد جيلميران أنه «لا يُستثنى السائق تلقائياً من التغطية التأمينية بسبب إصابته بمرض مزمن، إلا إذا ثبت أن المرض أثر بشكل مباشر في قدرته على القيادة، وأدى إلى وقوع الحادث، خصوصاً إذا لم يتم الإفصاح عنه للجهات المتخصصة، فالقانون الاتحادي يُلزم السائقين بأن يكونوا لائقين صحياً للقيادة، كما أن عدم الإفصاح عن معلومات جوهرية، كالإصابة بحالة صحية خطرة تؤثر في سلامة القيادة، يُعدّ خرقاً لمبدأ حسن النية الذي يقوم عليه عقد التأمين، وفي مثل هذه الحالات، يُنظر في كل حادث على حدة، وتأخذ شركة التأمين في الاعتبار مدى تأثير المرض، ومدى التزام السائق بالإفصاح عن حالته».

وأوضح أنه بالنسبة للطرف الثالث المتضرر، فإن وثيقة التأمين الموحدة تضمن له الحق في الحصول على التعويض، حتى لو كان الحادث ناتجاً عن خطأ أو إهمال جسيم من السائق، بما في ذلك ما يتعلق بالحالة الصحية.

وأشار إلى أن هذا التنظيم يأتي في إطار حرص المُشرّع على حماية حقوق الطرف المتضرر، وعدم تحميله تبعات تصرفات أو حالات السائق المؤمن عليه، وبعد دفع التعويض للطرف الثالث، يحق لشركة التأمين الرجوع على السائق في حالات محددة، وعليه فإن شركات التأمين تغطي الحوادث الناتجة عن سائقين مصابين بأمراض مزمنة، شريطة عدم مخالفة القوانين أو الشروط الجوهرية للتأمين، وفي جميع الأحوال، تظل التغطية للطرف الثالث قائمة مع احتفاظ شركة التأمين بحقها القانوني في الرجوع على السائق إذا توافرت الشروط لذلك.

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: متخصصون يطالبون بـ «ضوابط» لقيادة أصحاب «الأمراض المزمنة» للمركبات - تليجراف الخليج اليوم الاثنين 23 يونيو 2025 12:26 صباحاً