لطالما كان مركز «أرتيغاز» اللاتيني، في نيوارك بولاية كاليفورنيا، مركزاً للتسوق والتواصل الاجتماعي لعقود وحتى وقت قريب، أما الآن فالممرات في المركز في الأغلب تكون هادئة، وموقف السيارات شبه فارغ.
وقالت مالكة المركز، لوبي لوبيز، إن المحال والشركات المجاورة لا تختلف عن ذلك، فالمطاعم ومتاجر الحفلات والملابس، وحتى متاجر التجزئة الكبرى، تبدو فارغة منذ أن كثّفت إدارة الرئيس، دونالد ترامب، حملة الترحيل الجماعي، وداهمت الشركات في مختلف القطاعات، واستهدفت عمال اليومية في مواقف سيارات البيع بالتجزئة.
وأضافت السيدة البالغة من العمر 68 عاماً: «الخوف محسوس في كل جانب، إذ لا أحد يقيم الحفلات، ولا أحد يذهب إلى أي مكان، والرفوف لاتزال على حالها».
تحولات
من متاجر البقالة في كاليفورنيا إلى سلاسل مطاعم الدجاج في ضواحي العاصمة واشنطن، تُبلغ الشركات التي تخدم أعداداً كبيرة من المهاجرين عن تحولات في سلوك المستهلكين، فقد لوحظ انخفاض عدد الزيارات إلى المتاجر، وزيادة في طلبات التوصيل، ما يهدد بتراجع الاقتصادات المحلية، وفقاً لمقابلات مع أصحاب الأعمال، إضافة إلى بيانات الإنفاق.
وفي إطار الحملة على الهجرة غير الشرعية، التي أسهمت في فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، يسعى البيت الأبيض إلى طرد مليون مهاجر غير شرعي، على الأقل، في السنة الأولى.
ونتيجة لذلك داهمت سلطات الهجرة الفيدرالية أماكن العمل في جميع أنحاء البلاد بشكل متزايد، ما أثار احتجاجات في لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وشيكاغو وأتلانتا ومدن أخرى، ونفذت نحو 200 عملية اعتقال يومياً، وفقاً لما صرّح به مسؤول الحدود في إدارة البيت الأبيض، توم هومان، لصحيفة «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي.
مخاوف الترحيل
وبحسب لوبيز، فإن مخاوف الترحيل تؤثر في الأشخاص الذين يرتادون متاجرها، مشيرة إلى أن بعض زبائنها من المهاجرين غير الشرعيين يرسلون أطفالهم المولودين في الولايات المتحدة لشراء ما يحتاجون إليه.
وقالت: «الأمر كذلك بالنسبة للمقيمين بشكل قانوني، إذ يخشون الخروج خلال النهار، ويحمل الكثير منهم جوازات سفرهم معهم تحسباً لأي توقيف»، مضيفة: «إذا لم يتوقف هذا، أشعر أنه سيدمر اقتصادنا».
تأثرت المجتمعات التي تضم عدداً كبيراً من السكان اللاتينيين المولودين في الخارج بشكل خاص بمداهمات الهجرة، وفقاً لأصحاب الأعمال ومجموعات الأعمال ذات الأصول اللاتينية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث أجرى موظفو إدارة الهجرة والجمارك زيارات مكثّفة لمواقف سيارات ومغاسل السيارات والمطاعم.
ويقلل المستهلكون ذوو الأصول اللاتينية من مشترياتهم من البقالة، حيث انخفضت مبيعات الأطعمة والمشروبات بنسبة 4.3% في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، بحسب بيانات الإنفاق من «كانتار»، وهي شركة متخصصة في تحليل بيانات التسويق، وينطبق الأمر نفسه على السلع الكمالية، مثل الملابس، التي انخفضت بنسبة 8.3% خلال الفترة ذاتها.
نطاق واسع
في المقابل، انخفض إنفاق غير ذوي الأصول اللاتينية على الأطعمة والمشروبات بنسبة 0.1%، بينما ارتفع في السلع الكمالية، مثل الملابس والسلع المنزلية بنسبة 1.9%.
ويمكن أن تكون لهذه التحولات آثار في الاقتصاد الأوسع، بالنظر إلى أن المهاجرين على نطاق واسع شكلوا 18% من إجمالي الناتج الاقتصادي الأميركي في عام 2023، أو 2.1 تريليون دولار عام 2024، وفقاً لمعهد السياسة الاقتصادية ذي الميول اليسارية. وتصف بعض مجموعات الأعمال مناخاً من الخوف يسوده امتناع المهاجرين غير المسجلين، إضافة إلى أفراد عائلاتهم المقيمين هنا بشكل قانوني، عن الذهاب إلى العمل.
وقالت غرفة تجارة أريزونا في مدينة فينيكس، حيث إن 42% من السكان من أصل لاتيني، وهناك واحد من كل خمسة مولود في الخارج، إن «هذا لا يعني أن أحداً يؤيد الحدود المفتوحة، ولا يعني أن جميع مخاوف القوى العاملة ناجمة عن توظيف عمال غير مصرح لهم»، مضيفة: «لكن عندما تهدد فرداً واحداً من أسرة متعددة الأوضاع، فإنك تهدد الأسرة بأكملها».
غير أن مارك كريكوريان، المدير التنفيذي لمركز دراسات الهجرة، وهو مركز أبحاث يدعم تقليل أعداد المهاجرين وزيادة إنفاذ القوانين، بما في ذلك تكثيف مداهمات دائرة الهجرة والجمارك الأميركية، قال إن «أي خلل قد تسببه هذه الأساليب في الاقتصادات المحلية يجب أن يُنظر إليه على أنه ثمن للالتزام بقانون الهجرة»، وأضاف: «أي تحول كهذا سيسبب اضطرابات، وسيعاني البعض مشكلات إذا سمحنا بانتشار الممارسات غير القانونية من دون عقاب لسنوات».
من المرجح أن تكون لنهج ترامب في إنفاذ قوانين الهجرة آثار أكبر في الاقتصادات المحلية مقارنة بنهج إدارة أوباما، التي أشرفت بشكل ملحوظ على عدد هائل من عمليات الترحيل، وفقاً لخبراء الهجرة.
استهداف الجميع
سجّل الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، الذي وصفه المدافعون عن حقوق المهاجرين بـ«المُرحل الرئيس»، 5.3 ملايين عملية ترحيل خلال فترتي ولايته.
وقال أستاذ العلوم السياسية والسياسات العامة في جامعة فرجينيا، ديفيد ليبلانج، إن «هناك آثاراً طفيفة في الاقتصاد، لأن اعتقالات تتعلق بالهجرة حدثت أيضاً في مواقع العمل خلال تلك السنوات»، موضحاً أن الفرق يكمن في أن إنفاذ القوانين ركز على الأشخاص المدانين بجرائم جنائية، بينما تستهدف الحملة الحالية أي شخص بدون وضع قانوني.
وأضاف: «خلال إدارة أوباما - وحتى خلال إدارة ترامب الأولى - لم يكن هناك مهاجرون يتغيبون عن مواقع العمل، سواء كانوا قانونيين أو غير قانونيين، لأنهم كانوا يشعرون بالقلق من أن تأتي دائرة الهجرة والجمارك وتقبض على الجميع، وترسلهم إما إلى السجن أو تضعهم على متن طائرة وترسلهم إلى بلد آخر».
أما الآن، وفقاً لليبلانج «فإن التخويف مُتعمد»، وتتجلى حملة ترامب للترحيل في المراكز الحضرية في جميع أنحاء البلاد، إذ تُجري دائرة الهجرة والجمارك الأميركية مداهمات على الفنادق والمطاعم والمزارع ومراكز التعبئة والتغليف ومغاسل السيارات ومواقف سيارات تجار التجزئة. عن «واشنطن بوست»
إنفاذ القانون
الخشية من الاعتقال أربكت حياة الكثير من المهاجرين. أرشيفية
قالت مساعدة وزير الأمن الداخلي، تريشيا ماكلولين: «لن تكون هناك أماكن آمنة للصناعات التي تؤوي مجرمين عنيفين، أو تحاول عمداً تقويض جهود دائرة الهجرة والجمارك»، وأضافت: «يظل إنفاذ القانون في مواقع العمل حجر الزاوية في جهودنا لحماية السلامة العامة والأمن القومي والاستقرار الاقتصادي».
خيارات أرخص
قدمت شركة «بيرلينجتون» للملابس، وشركة المشروبات العملاقة «كيوريج دكتور بيبر»، ملاحظات سلبية خلال مناقشة الأرباح الأخيرة.
وفي أبريل الماضي، قال الرئيس التنفيذي لـ«كيوريج دكتور بيبر»، تيموثي كوفر، إن المستهلكين من أصل إسباني يمثّلون «نسبة كبيرة من المتعاملين»، مشيراً إلى أن بيانات المبيعات الأخيرة كشفت عن «تراجع في اتجاهات المستهلكين من أصل إسباني مقارنة بالسكان عموماً».
وأضاف: «إنهم يقومون بتسوق أقل، وينفقون أقل عند القيام بذلك». وتوقعت مالكة مركز «لوبيز» اللاتيني، لوبي لوبيز، أن يشهد المركز بعض التراجع في المبيعات، بعد أن أدت الرسوم الجمركية إلى ارتفاع الأسعار، لكنها لم تكن تتوقع مداهمات من قبل إدارة الهجرة والجمارك.
وقالت: «الآن يلجأ العملاء إلى التوفير بالتخلي عن المنتجات الطازجة واللحوم مقابل خيارات أرخص، مثل المعكرونة والجبن المعلب والحساء المعلب».
وأضافت: «الكثيرون يخشون احتمال ترحيلهم، وحتى لو لم يحدث ذلك، فإنهم يخشون فقدان وظائفهم أو مشروعاتهم الصغيرة إذا تدهور الاقتصاد»، لافتة إلى أن المعلومات المضللة والقلق المتزايد، يُعدّان من المخاوف أيضاً، وذكرت لوبيز أن منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة الخاصة بها، تعج بتحذيرات بشأن مداهمات دائرة الهجرة والجمارك الأميركية، وتحاول لوبيز التحقق من صحة الادعاءات قبل إعادة نشرها على منصات التواصل الاجتماعي والرد على الرسائل النصية، على أمل تصحيح أي معلومات مضللة قبل أن تؤثر في الشركات المحلية، مؤكدة أن هذه الإنذارات في الأغلب تكون كاذبة.
تباطؤ الأعمال
على الرغم من إقرار مسؤولين أميركيين بأن بعض الشركات ستفلس في ظل هذا المناخ، فإنهم يؤكدون أن المعاناة الاقتصادية قصيرة المدى ستعود بالنفع في نهاية المطاف على العمال المحليين ذوي المهارات المحدودة، الذين يميلون إلى فقدان فرص العمل بسبب تنافسهم على الوظائف مع المهاجرين غير المسجلين، وفقاً للدراسات الاقتصادية.
وينعكس تباطؤ الأعمال بالفعل في بيانات التسوق والتصريحات العامة الصادرة عن سلاسل البيع بالتجزئة وشركات السلع الاستهلاكية.
وكان الرئيس التنفيذي لشركة «جي دي سبورتس»، ريجيس أندريه شولتز، أشار إلى هذا الأمر، الشهر الماضي، خلال ندوة مع أصحاب الأعمال.
وقال إن علامة «شو بالاس» التجارية للأزياء الرياضية، التي «تستهدف العملاء من أصول لاتينية»، شهدت «انخفاضاً كبيراً في عدد زبائنها، وهو أمر أعتقد أنه مؤشر واضح»، مضيفاً: «أعتقد أن أعمال الشركة عبر الإنترنت كانت جيدة، لكن يمكن بالتأكيد رؤية تأثير سياسة الهجرة في (شو بالاس)».
المجتمعات التي تضم عدداً كبيراً من السكان اللاتينيين المولودين في الخارج تأثرت بشكل خاص بمداهمات الهجرة.
من المرجح أن يكون لنهج ترامب، في إنفاذ قوانين الهجرة، آثار أكبر في الاقتصادات المحلية مقارنة بنهج إدارة أوباما.
نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: مداهمات دائرة الهجرة الأميركية تضغط على الاقتصادات المحلية - تليجراف الخليج اليوم الخميس 26 يونيو 2025 04:54 صباحاً