شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: "حزب الله" يحتفي بـ"انتصار" إيران... كيف يستفيد منه في الحسابات الداخلية؟ - تليجراف الخليج ليوم السبت 28 يونيو 2025 05:13 صباحاً
صحيح أنّ "حزب الله" نأى بنفسه عن الحرب الإسرائيلية الأميركية غير المسبوقة على إيران، لاعتبارات وحسابات كثيرة، من بينها أنّ الندوب التي تركتها "حرب الإسناد" التي خاضها تضامنًا مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وما أعقبها من حرب دمويّة شُنّت عليه، لم تترك له مجالاً للانخراط في أيّ معركة جديدة، ومن بينها أيضًا أنّ الضغوط الداخلية التي مورست عليه لعدم "توريط" البلد في حربٍ ليس معنيًا بها، كانت أكبر من قدرته على تجاوزها.
لكنّ الصحيح أيضًا أنّ "حزب الله" انخرط عاطفيًا ووجدانيًا في هذه الحرب منذ لحظتها الأولى، وإن لم ينخرط بها عسكريًا، فهو كان يدرك أنّ المخطّط كان إسقاط كلّ محور المقاومة، وليس إيران بحدّ ذاتها، وكان مقتنعًا بأنّ إسرائيل إذا ما نجحت في إسقاط النظام الإيراني، كما كانت ترغب، ستعود لاستكمال ما بدأته في سائر الجبهات، من أجل القضاء على كلّ فصائل المقاومة، بما ينسجم مع ما بات البعض يسمّيه بـ"الشرق الأوسط الجديد".
لذلك ربما، بدا احتفاء "حزب الله" بما وصفه بـ"النصر الإلهي المؤزّر" الذي حقّقته إيران في مواجهة العدوان الإسرائيلي والأميركي على حدّ سواء، منسجمًا بل متناغمًا مع هذه الصورة الذهنية، وإن شكا البعض من "مبالغات" على خطّه، كحديثه مثلاً عن "ردّ صاعق" على الضربات الأميركية التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية، مع العلم أنّ هذا الردّ لم يؤدّ إلى أيّ ضرر يُذكَر، وبدا لكثيرين "منسّقًا" مع القطريين، إن لم يكن الأميركيين.
لكن، أبعد من كلّ ذلك، ثمّة من يرى في احتفاء "حزب الله" هذا بانتصار إيران، بمعزل عن كلّ التفاصيل والملاحظات، في الشكل والمضمون، محاولة لإعادة "خلط الأوراق" في الداخل، باعتبار أنّ هذا الانتصار منع المؤامرة التي كانت تُحاك ضدّ محور المقاومة، فكيف يتلقّف الحزب ما جرى، وهل يمكن أن يوظّفه بما يخدم استراتيجيته السياسية في الداخل، خصوصًا على مستوى ملف سحب السلاح، الذي عاد إلى التداول بقوة؟.
في المبدأ، قد يكون مفهومًا أن ينسب كلّ طرف "النصر" لنفسه، بعد حرب بدأت فجأة وانتهت فجأة أيضًا بعدما استغرقت 12 يومًا، وشهدت على جولات كاد طرفاها "يتعادلان" فيها، بين الخرق الاستخباراتي الذي سمح لإسرائيل بالتفوّق في "الجولة الافتتاحية"، من خلال الاغتيالات التي شملت كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين، والنجاح النوعي الذي حقّقته إيران بضرباتها الصاروخية التي استمرّت للمفارقة حتى اللحظة الأخيرة من الحرب.
لكنّ ما حصل، برأي الفريق المؤيّد لإيران، وتحديدًا "حزب الله"، هو انتصارٌ بأتم معنى الكلمة، وذلك للعديد من الأسباب والاعتبارات، أولها إسقاط "المؤامرة" بطبيعة الحال، إذ ليس سرًا أنّ المطلوب من هذه الحرب كان أن تمهّد لنهاية محور المقاومة ككلّ، بعد سلسلة حروب "طوفان الأقصى" التي تصاعدت على مدى الأشهر الماضية في جبهات "الوكلاء" المختلفة، إن صحّ التعبير، قبل الوصول إلى الصدام المباشر بين إسرائيل وإيران.
ويقول أصحاب هذا الرأي إنّ إيران "انتصرت" أيضًا لأنّها أعادت "الهيبة" لمحور لم يستطع "استيعاب" الضربات الثقيلة التي تعرّض لها، خصوصًا على مستوى "حزب الله" وحركة "حماس" اللذين خسرا قادة الصف الأول فيهما، في حين أنّها "تجاوزت" الضربة الافتتاحية، على صعوبتها وحساسيّتها، واستطاعت أن تضرب إسرائيل في الصميم، مكرّسة مشهدًا من الدمار الواسع لم تعتد عليه إسرائيل في تاريخ حروبها.
بهذا المعنى، يتحدّث المؤيّدون لهذا الرأي عن "انتصار نوعيّ" حقّقته إيران، خصوصًا أنّ الأهداف المُعلَنة للحرب لم تتحقّق، ولو ادّعى الإسرائيلي عكس ذلك، فالنظام لم يسقط، حتى إنّ الرئيس دونالد ترامب بات من القائلين إنّه لا يريد أن يرى تغييرًا فيه، والقدرات الصاروخية لم تستنفد بدليل هجمات اليوم الأخير، ليبقى الجدل مفتوحًا حول حجم الضرر الذي أصاب برنامج إيران النووي، والذي يُعتقَد أنّه سيبقى لغزًا في المرحلة المقبلة.
صحيح أنّ هذا الرأي يصطدم برأي معارض، يعتبر أنّ الحديث عن "انتصار" مُبالغ به، بعد كمّ الخسائر التي منيت بها إيران، إلا إذا كان مجرّد صمود النظام وعدم سقوطه نصرًا بالمعنى التكتيكي، إلا أنّ السؤال الذي يشغل بال الكثيرين في الداخل هذه الأيام، يبقى عن كيفية تلقف "حزب الله" لما يعتبره "انتصارًا"، فهل يستفيد منه في الحسابات الداخلية، خصوصًا على مستوى سحب السلاح، وكيف يمكن أن يحصل ذلك؟
يقول العارفون إنّ الأكيد أنّ "حزب الله" شعر بعد حرب إيران، أنّه استعاد جزءًا من الهيبة التي فقدها بعد حرب لبنان، حتى لو أعلن "انتصاره" في هذه الحرب، بمعنى "الصمود الأسطوري" الذي جسّده، فالاستحقاقات التي أعقبت هذه الحرب، وصولاً إلى المعركة الأخيرة، أثبتت أنّ "حزب الله" فقد الكثير من الامتيازات التي كان يتمتع بها، سواء على المستوى السياسي، أو حتى العسكري، مع اضطراره لغضّ النظر عن الخروقات الإسرائيلية اليومية للسيادة.
وفقًا لهؤلاء، فإنّ الحزب يعتقد أنّ ما حقّقته الحرب الإيرانية بالحد الأدنى، هو أنّها أعادت معادلات "الردع" إلى العمل، بعد التآكل الذي تعرّضت له على مختلف الجبهات، وهو يرى أنّ ذلك يمكن أن يخدمه إلى حدّ بعيد، في مواجهة الضغوط التي يتعرّض لها، سواء في الداخل أو الخارج، خصوصًا على مستوى عودة عنوان "سحب السلاح" إلى الصدارة، في ضوء الحراك الأميركي الذي استعاد أيضًا جزءًا من ديناميّته في الأيام الأخيرة.
يعتبر العارفون بأدبيّات "حزب الله" أنّ الأخير لن يغيّر بالضرورة من تكتيكه في المرحلة المقبلة، فهو سيتمسّك بما يسمّيه "صبرًا استراتيجيًا" في التعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية، لكنه يعتقد أنّ موقفه بات أقوى بعد الحرب الإيرانية، خصوصًا في مواجهة محاولات "استضعافه"، بل "الاستقواء عليه" من قبل بعض القوى المحلية، وهو بالتالي لن يقبل مثلاً بوضع مسألة سحب السلاح، بمعزل عن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة.
لعلّ ما أعلنه الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في مؤتمره الصحافي الأخير عن تسليم السلاح المتراكم في المختارة إلى الجيش اللبناني، شكّل في مكانٍ ما "رسالة متجدّدة" إلى "حزب الله"، ولو حاول "البيك" إرساء التوازن برفضه طريقة التعامل مع الحزب على أساس الفرض، لكن ثمّة من يعتقد أنّ هذه الخطوة تطلق عمليًا مسار "حصر السلاح بيد الدولة"، المعني به "حزب الله" قبل غيره، فهل يتلقفّها إيجابًا؟!.