نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الشائعات في وجه الحقيقة.. اختبار يقظة المجتمعات - تليجراف الخليج اليوم الأحد 29 يونيو 2025 01:37 صباحاً
في وقت تتسارع فيه المعلومات، وتنتقل فيه الأخبار بضغطة زر، أصبحت الشائعات والجرائم الإلكترونية من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة عموماً، ومع الانتشار الواسع لاستخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بات من السهل تداول المعلومات دون التحقق من صحتها، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى إرباك الرأي العام، وزعزعة الثقة، وإحداث أضرار نفسية واجتماعية وأمنية.
وعلى وقع ذلك، تقدم الإمارات نموذجاً متكاملاً في التصدي للشائعات والجرائم الإلكترونية، من خلال دمج الردع القانوني بالتوعية المجتمعية، وأثبتت التجربة أن مواجهة هذه الظواهر لا تكون فقط عبر العقوبات، بل من خلال بناء بيئة رقمية واعية، تُحصن المجتمع الإماراتي من الوقوع في فخ الأخبار الزائفة، وتُعزز ثقافة المسؤولية والمساءلة في فضاء الإعلام الرقمي.
وتعد الإمارات من أوائل الدول التي تبنت منظومة تشريعية وتنظيمية متقدمة للحد من انتشار الشائعات، ومواجهةِ الجرائم الرقمية، وشكّل المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 بهذا الشأن، خطوة رائدة نحو تعزيز الأمن الرقمي وصون استقرار المجتمع، من خلال فرض عقوبات رادعة على مروجي المعلومات الكاذبة والمضللة.
وفي هذا الشأن، أكدت سمية حارب السويدي، عضو المجلس الوطني الاتحادي، أن الشائعات وانتشارها في المجتمع، تُعد من الظواهر الهدامة التي تقوّض وعي الأفراد وتزعزع ثقتهم بالمؤسسات، وقد تكون كفيلة بهلاك المجتمعات إذا استحكمت ووجدت من يصدقها دون تمحيص، مشيرة إلى أن الشائعات بما تحمله من أبعاد نفسية واجتماعية وأمنية سلبية، تسهم في نشر الفوضى واستمراء الكذب والزور، وأن الأمر يزداد تعقيداً مع تعدد منصات التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت بيئة خصبة لتداول الأخبار المغلوطة، وتسابق المروجين على نشرها.
وأشارت إلى أن مروّجي الشائعات يلجأون إلى أساليب تضليلية متطورة، منها استخدام الذكاء الاصطناعي، وفبركة الصور والفيديوهات، والمبالغة، والتهويل، والحرب النفسية، لتحقيق أهداف خفية تمس استقرار المجتمع وأمنه، مشددة على أن التحول إلى مروج الإشاعة والتخلي عن تحري الحقيقة، يمثل أخطر ما يمكن أن يحدث في الوعي المجتمعي، وتواجه دولة الإمارات هذه الظاهرة من خلال المرسوم بقانون اتحادي بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، والذي يشكل مظلة تشريعية حاسمة في التصدي لمثل هذه الممارسات.
وأكدت السويدي أن الوقاية تبدأ بالتصدي للشائعات من الفرد، وتنتهي بتكاتف مؤسسات الدولة، مشيرة إلى دور المواطن والمقيم في التمسك بالولاء والانتماء للوطن، والثقة بالمؤسسات الرسمية والمنابر الإعلامية والثقافية والدينية، والإبلاغ عن أي شائعة تضر بالمجتمع، محذرة من التهاون في التعامل مع الشائعات، ومشددة على ضرورة عدم المشاركة في نشرها لتجنب المساءلة القانونية.
من جانبها، قالت ناعمة الشرهان، عضو المجلس الوطني الاتحادي، إن تداول الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون تثبت أو وعي، أصبح من التحديات التي تربك المجتمعات، وتؤثر على تماسكها وأمنها، خاصة في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة والعالم.
وأضافت: «ما يؤسفنا هو سرعة انتشار المعلومات المغلوطة، وتداولها بين الناس على أنها حقائق، رغم وجود جهات رسمية مختصة في الدولة مهمتها التأكيد أو النفي، والتي تبذل جهوداً كبيرة في الرد السريع والدقيق، خاصة وأن بعض المستخدمين، بحسن نية أو جهل بالعواقب، يشاركون محتويات غير دقيقة ربما تمس مؤسسات الدولة، وتبث الذعر بين أفراد المجتمع، دون إدراك أن القانون الإماراتي صارم وواضح في هذا الجانب، ويحاسب كل من يشارك في نشر أو إعادة نشر محتوى يعد من الشائعات، أو من شأنه زعزعة الأمن المجتمعي أو إثارة البلبلة.
وأكدت الشرهان أهمية الدور الأسري في مراقبة أولياء الأمور لكل ما ينشره أبناؤهم، وما يُعاد تداوله من حساباتهم، إذ ربما يتورطون دون قصد في مخالفة قانونية، مشددة على أن الوعي هو صمام الأمان في هذا العصر الرقمي، وأن الالتفاف حول المصادر الرسمية، والابتعاد عن إثارة الشك أو التهويل أو المبالغة، هو واجب وطني على كل فرد يعيش على أرض الدولة.
وأضافت: نحن في دولة تسير برؤية حكيمة، ومؤسسات قوية، ولا يجوز أن نكون أداة بيد المغرضين أو مروجي الشائعات ولنحذر جميعاً، فالشائعة قد تكون «عدة كلمات» قصيره، لكن أثرها سريع وقد يكون طويلاً.
قوانين رادعة
بدوره، أوضح المحامي سالم الكيت أن الإمارات تحدّث على الدوام تشريعاتها لمواكبة التحولات الرقمية ومواجهة مخاطر الشائعات، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتضمن المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، عقوبات مشددة قد تصل إلى الحبس والغرامة التي تتراوح بين 100 ألف درهم إلى مليون درهم لكل من ينشر أخباراً كاذبة أو مغرضة تمس الأمن أو النظام العام، وإذا كانت الشائعة تمس أمن الدولة، أو نظامها العام أو سمعتها أو مؤسساتها، أو أدت إلى إثارة الذعر بين الناس، فيتم تغليط العقوبة، وفقاً للمادة (52).
وأشار إلى أن الوعي بالقانون لا يزال بحاجة إلى تعزيز، «فالبعض يظن أن إعادة النشر أو الضغط على زر «إرسال» لا يُعد جريمة، في حين أن القانون يحمّل الشخص المسؤولية الكاملة عن أي محتوى يشاركه»، مؤكداً أن القانون يستهدف التصدي للشائعات والمعلومات المضللة، ومكافحة الجرائم الإلكترونية، بما يشمل التحريض والكراهية والتشهير، وحماية الأمن الوطني والسلم المجتمعي، وضمان الاستخدام المسؤول لوسائل التواصل والإعلام الرقمي.
وتنص المادة (53) من القانون المذكور على أن إعادة النشر أو تداول الشائعات يعرض الشخص للمساءلة القانونية، حيث إن القانون لا يعفي المستخدم من المسؤولية بحجة «جهله بمصدر الخبر»، فيما حددت المادة (11): استخدام تقنية المعلومات في التحريض أو الترويج لأعمال مخالفة للقانون، تشمل العقوبة السجن والغرامة حسب نوع التحريض والمحتوى المنشور.
وأشار إلى أن النية لا تعفي من العقوبة، حيث إن مجرد مشاركة منشور مضلل حتى دون قصد يُعد جريمة، ولذلك يجب التأكد من المصدر وهو شرط أساسي قبل إعادة النشر أو التعليق، كما أن القانون يسري على الأفراد، الحسابات الشخصية، وحسابات المؤسسات، مؤكداً أن القانون يعزز ثقافة المسؤولية الرقمية، ويردع مروجي الفتن والشائعات، ويحمي المؤسسات الوطنية والأمن العام من الإشاعة والتضليل، ويدعم بيئة تواصل آمنة وموثوقة.
دور النفع العام
وأكد خلف سالم بن عنبر، مدير عام جمعية الإمارات للتنمية الاجتماعية، أن المؤسسات المجتمعية تلعب دوراً تكاملياً مع الجهات الحكومية في التصدي لظاهرة الشائعات، مشيراً إلى أن نشر الوعي والتثقيف بمخاطر الأخبار الكاذبة هو جزء أساسي من عمل الجمعيات التنموية والاجتماعية في الدولة.
وأضاف بن عنبر: نعمل في الجمعية على تنفيذ ورش ودورات تدريبية توعوية تستهدف مختلف الفئات، وخصوصاً الشباب، لتعزيز قدراتهم في التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، وفهم التأثير النفسي والاجتماعي للشائعات، وأن المجتمع المدني يمثل حلقة وصل مهمة بين الجهات الرسمية والجمهور، وأن نشر ثقافة الحوار والتثبت والتحقق يجب أن تكون من أولويات المرحلة الراهنة، خصوصاً مع سرعة تدفق المعلومات عبر المنصات الرقمية.
مشاركة مجتمعية
إلى ذلك، أعرب عدد من المواطنين والمقيمين عن قلقهم من الشائعات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تلك المتعلقة بالتوترات الإقليمية أو الأخبار الأمنية غير المؤكدة، مؤكدين أن نشر هذه المعلومات المغلوطة يسهم في تشتيت الجهود الوطنية وزرع القلق بين أفراد المجتمع، في وقت شددوا فيه على أهمية تطبيق مواد القانون على كل من يروج أو ينشر أخباراً مغلوطة، حيث إن محاربة الإشاعة مسؤولية جماعية.
وقالت إيمان الهياس «موظفة حكومية»: تحمل بعض الرسائل التي تُتداول بين أفراد المجتمع في طياتها تهويلاً غير مبرر للأحداث، حيث يتجاهل البعض أهمية التحقق من صحة الأخبار ويفضل تصديق الشائعات التي تعكس مخاوفه مما يؤدي إلى تعزيز انتشارها بشكل أسرع، علماً أن الجميع يثق في مؤسسات الدولة ومصادرها الرسمية، ولا نحتاج لمنصات غير موثوقة تنشر الذعر بين الناس.
وأوضح عبدالله سالم الشميلي «متقاعد»، أن الوعي الرقمي أصبح ضرورة وطنية، وأن الشائعة قد تبدأ برسالة بسيطة لكنها تُربك مجتمعاً بأكمله، داعياً إلى فرض غرامات فورية على من ينشر أخباراً دون تحقق، مضيفاً: «ثمة من يروج الشائعات دون التحقق من صحتها، وأحياناً لا يكتفي بالنقل بل يضيف عليها معلومات مضللة خاطئة، وربما اختلاق أجزاء كثيرة من تفاصيلها مما يجعل الإشاعة أعظم وأقوى، ويساعد على سرعة انتشارها وزيادة فعاليتها وتأثيرها على الأفراد أو المجتمعات المستهدفة.
وقال محمد أبوالعزم: يجب أن نكون مسؤولين عن كل ما نعيد نشره، فالإمارات واحة أمن، ومن واجبنا عدم التسبب في القلق عبر إشاعات مجهولة المصدر، وفي زمن الأزمات، لا تُقاس قوة الدول فقط بعدد الجيوش أو حجم الاقتصاد، بل أيضاً بمدى وعي شعوبها، لأن المجتمع الواعي القادر على التمييز بين الحقيقة والزيف، يشكل الحصن الأول في مواجهة أخطر الأسلحة المعاصرة».
وأكد أحمد فيصل أن الشباب يتحملون مسؤولية مضاعفة في التصدي لظاهرة الشائعات، لا سيما عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تحظى بانتشار واسع بين فئتهم، وفي زمن تتوفر فيه أدوات البحث والتحقق بسهولة، لم يعد مقبولاً إعادة نشر أي معلومة غير موثقة أو مجهولة المصدر، لافتاً إلى أن التغاضي عن التحقق يعزز من انتشار التضليل ويُضعف مناعة المجتمع تجاه الأخبار الزائفة، وأن الرجوع إلى المصادر الرسمية للدولة هو السبيل الأمثل لضمان دقة المعلومة، والحفاظ على الوعي الجمعي.