سوريا.. الرؤية الأمريكية تسبق الأممية في الترتيبات السياسية - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: سوريا.. الرؤية الأمريكية تسبق الأممية في الترتيبات السياسية - تليجراف الخليج اليوم الاثنين 30 يونيو 2025 11:17 مساءً

عاد الملف السوري إلى صدارة المشهد الإقليمي والدولي، بعد أن ظلّ في الظل خلال الأسابيع الماضية بفعل التصعيد المتبادل بين إيران وإسرائيل، والذي استحوذ على أغلب التحركات والاهتمامات الدولية.

ومع بداية التراجع النسبي في منسوب التوتر في هذا المحور، أُعيد فتح البوابة السورية من جديد، إنما هذه المرة ضمن مقاربة أمريكية أكثر وضوحاً، تتقاطع مع تغييرات داخلية كبيرة شهدتها الساحة السورية بعد سقوط النظام السابق.

استأنف المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، نشاطه بلقاء مهم جمعه بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، في مؤشر إلى رغبة الأمم المتحدة في تجديد حضورها في الملف السياسي السوري، وإن كان هذا الحضور يأتي في ظل انكماش صلاحياته وتأثيره بالمقارنة مع الدور الأمريكي المتصاعد.

رؤية أمريكية

في السياق ذاته، أدلى المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، بتصريحات صحافية رسم من خلالها ملامح الرؤية الأمريكية الجديدة تجاه سوريا، مركّزاً على فكرة «الاندماج الداخلي» ضمن الدولة السورية الموحدة، تحت سلطة حكومة دمشق، وهو ما اعتبره مراقبون تبلوراً لمشروع سياسي يجري بناؤه تدريجياً منذ إعلان واشنطن رفع العقوبات عن سوريا عقب لقاء القمة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والشرع في الرياض.

منذ تولي توماس باراك مهمته، تحول الملف السوري على المستوى الدولي إلى ما يشبه «الملف الأمريكي الصرف»، وهو تحول عميق قياساً بما كانت عليه المعادلات خلال العقد الماضي.

فبينما كان القرار الدولي 2254 هو الإطار المرجعي المعتمد لأي تسوية سياسية، وتولت الأمم المتحدة عبر مبعوثيها الإشراف على هذه العملية، تراجعت الآن صلاحيات المبعوث الأممي لصالح رؤية أمريكية أكثر عملية، تتجاوز المحددات الأممية السابقة نحو ترتيب سياسي يعتمد على الوقائع الميدانية والتحالفات القائمة على الأرض.

باراك عبر في تصريحاته الأخيرة عن هذا التحول بوضوح حين قال إن واشنطن تتعامل مع «دولة واحدة فقط» في سوريا، وهي الحكومة السورية في دمشق.

كما أشار إلى الدور الذي لعبته قوات سوريا الديمقراطية في محاربة تنظيم داعش إلى جانب القوات الأمريكية، واصفاً ذلك بـ«الرائع» من وجهة نظر أمريكية، لكنه شدد في المقابل على أن المرحلة المقبلة تتطلب «الاندماج»، في إشارة إلى ضرورة توحيد الإدارات والمكونات السورية في إطار سلطة واحدة دون أن يحدد الصيغة، مركزية أو لا مركزية، فهي تفاصيل متروكة للتوافقات الداخلية.

تناغم

هذا التصور يأتي متناغماً مع الحراك السياسي الداخلي في سوريا، حيث تعمل حكومة الشرع على بناء هيكلية وطنية موحدة، تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية من دون المساس بوحدة الدولة.

ويبرز هنا التوجه نحو استيعاب مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا ضمن مؤسسات الدولة، مع ضمان الحقوق الثقافية والتعليمية للمكونات الكردية وغيرها، كما يتم العمل على تطوير صيغة إدارية مرنة لمحافظة السويداء، التي شهدت في السنوات الماضية نمطاً خاصاً من الحكم المحلي.

تبدو الرؤية الأمريكية في هذا السياق أقرب إلى نهج «التكامل الوظيفي» أكثر من كونها مجرد عودة إلى مركزية الدولة بصيغتها السابقة.

فبينما تؤكد واشنطن دعمها لحكومة دمشق، فإنها لا تغفل عن أهمية خلق توازنات داخلية تمنع عودة حكم اللون الواحد أو تفجر الصراعات المحلية مجدداً.

لذا، تركز الجهود الجارية على هندسة نموذج حكم مرن داخل دولة موحدة، بما يضمن التعدد السياسي والاجتماعي، ويمنح المناطق التي تمتعت بدرجة من الحكم الذاتي خلال الحرب إطاراً إدارياً ضمن الدستور السوري الجديد المرتقب.

في ضوء هذه المستجدات، يصبح اللقاء بين بيدرسون والشرع، وكذلك تصريحات باراك، جزءاً من مرحلة انتقالية جديدة، عنوانها الأساسي هو «المواءمة الواقعية» بين منطق الدولة ومنطق القوى المحلية التي نشأت خلال سنوات الحرب.

وإذا تم استثمار هذه اللحظة السياسية، فقد تعود الساحة السورية إلى مرحلة الحيوية السياسية، وتغلق الباب أمام إعادة إنتاج التوترات.