إيران... استعداد لحرب جديدة وانتظار لمفاوضات مؤجلة - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: إيران... استعداد لحرب جديدة وانتظار لمفاوضات مؤجلة - تليجراف الخليج اليوم الخميس 3 يوليو 2025 09:05 مساءً

شهد العالم في الثالث عشر من يونيو (حزيران) الحالي، وحتى الخامس عشر منه، تحولاً استراتيجياً في المعادلات الإقليمية والعالمية.

هذا التحول من الصعب حصره في البعد الأمني والعسكري الذي شهده مسار المعركة التي بدأتها تل أبيب ضدّ النظام الإيراني، بل من المفترض أن يُنظر غليه باعتباره نقطة تحول جوهرية ومفصلية في التاريخ المعاصر لإيران والنظام العالمي.

إيران تعتبر أنها الطرف المنتصر في هذه المعركة، على الرغم من حجم الخسائر التي لحقت بها، سواء في صفوف قياداتها العسكرية العليا وعلمائها النوويين، أو في التدمير الذي اصاب العديد من مراكزها العسكرية والأمنية والنووية، بالإضافة إلى الضربات التي لحقت بسلاحها الصاروخي الذي يشكل العمود الفقري لنظامها الدفاعي. هذا الشعور بالنصر أو التأكيد عليه ناتج عن اعتقاد لدى طهران بأنها استطاعت أن تفرض على الجانب الإسرائيلي الضغط على الإدارة الأميركية من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وأن الموقف الإسرائيلي لا يعبّر فقط عن هزيمته الميدانية، بل هزيمة لمشروع يحاول فرض نفسه على المعادلات الإقليمية مدعوماً من المجتمع الغربي.

القيادة الإيرانية، وعلى الرغم من شعور الانتصار الذي تتحدث عنه، إلا أنها لا تنفي تعرضها لمفاجأة استراتيجية غير متوقعة، إلى درجة أنها جاءت على عكس كل التقديرات التي كانت تعتقدها، بخاصة في ظل المسار الدبلوماسي الذي سبق أن بدأته في التفاوض غير المباشر مع الولايات المتحدة، والجهود التي كانت الدبلوماسية أو الخارجية الإيرانية تبذلها في الحوار مع العواصم الغربية، والرسائل المتبادلة والتنسيق الذي اتخذ مساراً متسارعاً مع دول الجوار، خصوصاً العواصم الخليجية.

تتعامل إيران حالياً مع وقف الحرب، بمثابة وقف لإطلاق نار غير رسمي، لذلك من الطبيعي أن تلجأ كل القيادات العسكرية الجديدة للحديث عن تقديراتها بإمكانية حصول هجوم إسرائيلي جديد، وأنها تحافظ على كامل استعداداتها وجاهزيتها للرد السريع على أي اعتداء.

حالة الاستنفار العسكري التي يعيشها النظام والمؤسسة العسكرية، لا تقتصر على إمكانية حصول مواجهة جديدة مع تل أبيب، بل تأخذ بعداً أكثر تعقيداً، وتقديرات جدية بمشاركة أميركية مباشرة وواسعة، ما يضع النظام أمام تحدّ وجودي حقيقي، قد تطيح بما تبقى لديه من قدرات سياسية وأمنية وعسكرية على أقل تقدير، أو بالنظام برمته في أسوأ تقدير.

وإلى جانب الاستعدادات العسكرية والأمنية وحالة التوتر التي يعيشها النظام، فإن البعد السياسي، أيضاً، يعيش حالة من الاستنفار، ومحاولة تلمّس أبعاد وآفاق المرحلة الجديدة وكيفية التعامل مع المستجدات الناتجة عن هذه المعركة، وآلية توظيفها من أجل قطع الطريق على أي تداعيات سلبية وضغوط دولية وأميركية قد يواجهها النظام لفرض تسوية قاسية عليه.

من هنا يمكن القول إن المرحلة الجديدة في إيران، خصوصاً على المستوى السياسي وكيفية التعامل مع دعوات العودة إلى طاولة التفاوض والحوار، ستكون مرحلة كثيرة التعقيد ومليئة بالقرارات الصعبة والقاسية، وهي بانتظار القرار الذي سيتخذه الجانب السياسي للنظام، وكيف سيتعامل مع التغييرات التي شهدتها إيران والمنطقة وطبيعة العلاقات المختلفة التي نتجت عن الهجوم الإسرائيلي، لأن منظومة السلطة في إيران ستكون أمام تحدي الانتقال إلى نوع ومستوى مختلفين من القرارات والسياسات الجديدة، لأن السياسات القديمة لم تعد تلبي حاجات الوضع الحالي وآلية التعامل مع المستجدات التي نتجت عنه.

القيادة الإيرانية ترى أنها استطاعت الخروج من "نفق العلمية الإسرائيلية المظلم"، وأنها تعرّضت لمفاجأة استراتيجية من النوع الثقيل، بخاصة أنها أسقطت من حساباتها إمكانية التعرض لمثل هذا الجهوم الواسع والمركب، الذي كاد يطيح بكل مفاصل النظام ويمهد الطريق أمام الإطاحة به، وأن أقصى التقديرات لدى القيادة العسكرية، المبنية على مقدار من الثقة الزائدة بعدم تعرض النظام لأي هجوم كبير وشامل، كانت هذه التقديرات تعتقد بإمكانية التعرض لهجوم يشبه ما قامت به تل أبيب في شهر أبريل (نيسان) 2024 عندما دمرت بعض المواقع الصاروخية على أطراف مدينة أصفهان.

هذه الثقة الإيرانية المعتمدة على القدرات العسكرية، امتدت آثارها السلبية على الجهد الدبلوماسي للحكومة الإيرانية، التي ذهبت إلى طاولة التفاوض مدعومة بغطاء من منظومة القرار، لذلك كان وقع المفاجأة الاستراتيجية عليها أكثر تأثيراً، وبشكل لم تكن تتوقعه و أو تتفادى آثاره وانعكاساته السلبية، لأن ما تواجهه بعد هذه الحرب، ليس حدثاً لم تتوقعه مسبقاً، بل تحول يفرض عليها إعادة بناء كل معطياتها الأساسية والاستراتيجية من جديد، وترميم ما تعرّضت له من ضربة قاسية وعميقة.

المسار السياسي الذي يبدو أن القيادة الإيرانية تسعى لاعتماده في المرحلة الجديدة، يأخذ بالاعتبار عينه الحفاظ على المسار الدبلوماسي والتفاوضي، من خلال التأكيد على مسألتين: الأولى أن طهران على استعداد للعودة إلى طاولة التفاوض بناء على شروطها وضمانات دولية وأميركية بعدم عودة واشنطن إلى الانقلاب على المفاوضات، وأن أي تسوية جديدة لا بدّ من أن تضمن لإيران حقها في امتلاك دورة تخصيب يورانيوم على أراضيها في إطار القوانين الدولية، أما المسألة الثانية، فتبرز من خلال الابتعاد عن سياسة التحدي المباشر مع واشنطن في ما يتعلق بنتائج الهجوم الذي قامت به الأخيرة على منشأة فوردو تحديداً، وما يصرّ عليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن الهجوم أدى إلى تدميرها بالكامل وأنهى البرنامج النووي الإيراني. وقد برزت معالم هذا المسار، من خلال اعتراف بعض المسؤولين الإيرانيين، في مقدّمهم وزير الخارجية عباس عراقجي، والمتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني، بتعرض هذه المنشأة والبرنامج النووي لخسائر قاسية ومدمرة من دون تحديد حجمها أو مكانها، ما قد يشكل مدخلاً لتدوير الزوايا في المواقف يمهّد الطريق للعودة إلى طاولة التفاوض المؤجلة حالياً لحين بلورة هذه المواقف، وإنهاء حالة التوتر التي قد تؤدي، في حال استمرار تصاعدها، إلى مواجهة جديدة.

*أندبندنت عربية