الإنسان العربي المتشظي بين اسرائيل وإيران - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الإنسان العربي المتشظي بين اسرائيل وإيران - تليجراف الخليج اليوم الأحد 6 يوليو 2025 02:32 مساءً

في ليلٍ بلا نجوم، كانت الأرض تتنهّد تحت وطأة صراع لا يُرى، وتوتر محتد غير معلن، لكنه يُستشعر من خلال التحركات المشبوهة لأطياف تزرع الرعب. وتريد أن تنقض على الفريسة في أي لحظة.. كوكبان يدوران في سماء الشرق، أحدهما يشتعل بالوعد والوعيد، والآخر يتغذى على التشظي و الاحتراق. إيران المدافعة عن حقها في الوجود، وإسرائيل المنقضة على هذا الحق في هذا الوجود ، لتنسفه من الوجود !!!!

  لكنّ الحكاية ليست عن الأسماء، بل عن المرآة التي تنكسر في عيون من يحدقون فيها طويلًا.

 

الإنسان العربي الذي يشبه "حنظلة" ناجي العلي، لم يكن طرفًا في المعركة، لكنه كان دائمًا في المنتصف. قلبه معلق بخيوط غير مرئية: حنينٌ إلى القدس، خوف على أرواح ستزهق كل دقيقة على أرض فلسطين الصامدة، وغضب من كل شيءٍ لا يُقال. إنسانٌ تائه بين أسطورة المقاومة وجبروت الأنطمة الاوليغارشية، بين صورة الطفل الممزق أشلاء متناثرة عل أرض غزة الجريحة، وخارطة المصالح المرسومة على مكاتب زجاجية في عواصم غربية امبريالية تدافع عن حق إسرائيل في الوجود.. مدعومة من أنظمة عربية باعت الغالي والرخيص..

 

في هذا المشهد، لا توجد حرب تقليدية. إنها حرب الرموز، حيث تصبح الكلمة قنبلة، والصورة دبابة، والانفعال وطنًا وهميًا. لكن الإعلام ، وما أدراك ما الإعلام ؟؟ هذا الساحر الجديد، يعيد تشكيل الحقائق، فيحوّل الدم إلى رأي، والدمعة إلى موقف سياسي.

 

الأنظمة تُحسن الرقص على خيوط الدبلوماسية، تحسب خطواتها بلغة الأسواق والتحالفات. أما الوجدان العربي، فهو طفل يصرخ في حجرة مظلمة، يبحث عن يد تمسح على رأسه، عن يقينٍ واحدٍ لا يتغيّر مع نشرة الأخبار.

 

في الخفاء، يدور صراع آخر، أعمق من القذائف: صراع داخل الروح العربية نفسها. هل ننتمي إلى أمّة تُحاصرها الخرافة وتوقظها العاطفة؟ أم إلى وطن يبحث عن نفسه بين الوثائق الرسمية ونشرات الثامنة مساءً؟ كل إنسان عربي هو حقل ألغام صغير: ذاكرته مفخخة، تاريخه متصدع، وولاؤه موزع بين أحلام ميتافيزيقية ، وواقع مر صاخب ملتهب...

 

 الإنسان العربي، من خلال هذه الحرب المشتعلة ، ومن فرط التمزق، صار يرى في كل ضوءٍ خيانة، وفي كل موقفٍ مؤامرة.

 

تتكرّر الأسئلة القديمة: من نحن؟ من معنا؟ من ضدنا؟ لكنّ الجواب ليس هناك، في بيانات الخارجية ولا في قصائد الحماسة، بل في ذلك الصمت العميق الذي يسكن الحناجر حين تخلو من الشعارات. وحده الصمت يعرف أن الحرب لا تقع فقط على الأرض، بل تقع أيضًا في الرؤوس فتهشم الثابت والمتحول.  

 

ربما آن الأوان لنعترف: لسنا بحاجة إلى مزيد من الاصطفاف، بل إلى وقفة أمام المرآة – تلك التي لا تعكس ملامحنا، بل تفضح التشققات خلف وجوهنا.

 

لكن ما بين القلب والخريطة، مسافة لا تُقاس بالكيلومترات بل بالحيرة. فالقلب يحنّ إلى أمّة لا تعترف بها الخرائط، والخريطة ترسم حدودًا لا يسكنها أحد سوى الخوف.

 

الإنسان العربي اليوم لا يعرف هل يمشي على أرض، أم فوق هشيم الذكريات المحفورة في الوجدان... تتنازعه الأصوات: صوت الدم، صوت النفط، صوت المراسل الحربي، وصوت في داخله يهمس: منذ متى كففنا عن الحلم واليقظة الزائفة؟

 

تُغلق الحدود، وتُفتح الشاشات، فنُقاتل بصور مشفرة أو شفافة ، وأوسمة إلكترونية، نُعلن الحرب في تعليق، ونُقيم السلام في قصة غامضة.. أصبحنا مقاتلين افتراضيين في حروب رمزية، لا نُمسك سلاحًا، لكن نحمل آلاف الجراح في أذهاننا.

 

وحين تنتهي الصراعات، مؤقتًا، ونخلد إلى نوم متقطع، نصحو ونحن لا نعرف إن كنا ما زلنا عربًا… أم فقط ظلالًا لهويات فقدت أصحابها في زحمة التحالفات.

 

كل شيء في الشرق قابل للاشتعال: الذاكرة، الشوارع، الكتب، وحتى الحب. وحده الصمت العربي المتواطئ، ينجو كل مرة، ليعود إلينا على هيئة اعتراف مؤجل.