نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: أثار نقاشا ساخنا.. قانون التأمين الإجباري الأساسي عن المرض إجابيات كبيرة ومخاوف أكبر - تليجراف الخليج اليوم الجمعة 11 يوليو 2025 08:07 مساءً
لا يختلف اثنان على أن مشروع القانون رقم 54.23 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، والذي صادق عليه مجلس المستشارين، يمثل واحدا من أهم التحولات التشريعية التي عرفها المغرب خلال العشرية الأخيرة، حيث لا يدخل المشروع في إطار استكمال ورش الحماية الاجتماعية فقط، بل يلامس عمق إشكالية الحكامة في تدبير ملفات مرتبطة بصحة المغاربة، ويعيد تنظيم معمار التغطية الصحية وفق رؤية موحدة، أكثر وضوحا وصرامة، أقل بيروقراطية وأكثر مردودية.
وتفتح مقتضيات القانون الإطار رقم 09.21 الباب أمام هيكلة جديدة، قوامها نقل تدبير أنظمة التأمين الإجباري الأساسي إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في خطوة وصفها العديد من المهتمين بأنها "جراحة دقيقة" تستهدف استئصال الترهل المؤسساتي الذي ميز المنظومة القديمة، حيث كانت التعاضديات والصناديق المتعددة تتقاطع وتتعارض أحيانا، وتضيع بينها مصالح المواطن البسيط، كما أن المشكل لم يكن فقط في تعدد المتدخلين، بل في غياب مرجعية موحدة ومسؤولية مركزية يمكن مساءلتها بوضوح.
ويتمثل أحد أبرز المستجدات التي جاء بها المشروع في حذف النظام الخاص بالتأمين الصحي للطلبة، وهو قرار أثار الكثير من النقاش، لكنه في جوهره محاولة لإدماج هذه الفئة في نظام أكثر صلابة واستقرارا، مع تمديد سن الاستفادة إلى 30 سنة عوض 26، حفاظا على استمرارية الحقوق وتماشيا مع واقع الشباب المغربي الممتد في الدراسة والتكوين، كما تم بالمقابل، توضيح شروط الولوج إلى نظام "أمو تضامن" الخاص بالأشخاص غير القادرين على أداء واجبات الاشتراك، وهي خطوة حاسمة لفك الغموض الذي كان يكتنف هذا الجانب الاجتماعي من التغطية.
ولم يكن الانتقال تقنيا فقط، بل حمل معه توترا تشريعيا معقولا، عبر تفاعل مستشاري الأمة مع نص المشروع، حيث جرى اقتراح عشرات التعديلات، وتم قبول عدد منها، وهو ما يؤكد أن النص لم يكن منزلا من فوق، بل نتاج تفاوض وحوار بين مختلف المكونات، ما جعل التصويت عليه يعكس توافقا كبيرا، لكنه في الوقت نفسه يضع الجميع أمام مسؤولية كبرى في ما يخص التنزيل الواقعي لهذا الورش الضخم.
ولم يتم إغفال الحديث عن التعاضديات في هذا الإصلاح، بل جرى تأطير المرحلة الانتقالية التي ستعرفها لضمان استمرارية الخدمات، في أفق بناء نموذج تكميلي مندمج، ما يجعل التحدي هنا صعبا، باعتبار أن إعادة هيكلة بنيات قائمة منذ عقود، بمصالحها وعقلياتها، يحتاج إلى أكثر من نص قانوني، وإلى إرادة حقيقية، وقيادة تنفيذية لا تساوم في المصلحة العامة.
ومن النقاط الجديدة التي لا تقل أهمية، تمكين الهيئة المدبرة من المساهمة في تمويل برامج الوقاية الصحية والتوعية، وهي نقطة كانت دائما توضع على هامش الأولويات، رغم أن الطب الوقائي يظل أرخص وأذكى من الطب العلاجي، وهو تحول يعكس فهما متقدما لدور الحماية الاجتماعية، ليس فقط كدرع ضد المرض، بل كرافعة للسلوك الصحي السليم.
وفي تصريح خاص به جريدة "تليجراف الخليج المغربية"، أوضح أحد المختصين في السياسات الاجتماعية؛ أن “المشروع ليس مجرد تعديل تقني، بل تصحيح مسار، حيث ينتقل المغاربة لأول مرة، من منطق التعدد العبثي في تدبير التغطية إلى منطق المسؤولية الواحدة والموحدة”، مضيفا “إذا نجحنا في تنزيل هذا النص على أرض الواقع كما هو مرسوم، فإننا نكون قد خطونا خطوة عملاقة نحو دولة الرعاية التي يحلم بها المغاربة”.
وشدد المتحدث على أن “أخطر ما يمكن أن يواجه هذا المشروع اليوم، ليس المعارضة من الداخل أو الخارج، بل الإفراغ من المضمون خلال التطبيق، فإذا لم ترفق هذه الإصلاحات بإجراءات إدارية مصاحبة، وضمانات حكامة صارمة، وتواصل واضح مع المواطن، فإن المشروع قد يتحول إلى مجرد عنوان جميل في وثائق رسمية، دون أثر فعلي في مراكز العلاج وصناديق الاسترجاع ومكاتب التسجيل”، قبل أن يختم قائلا: “لكن، ورغم كل شيء، يمكن القول إن لحظة التصويت على هذا القانون هي لحظة فارقة في مسار الصحة بالمغرب، تحتاج فقط أن تستكمل بما يليق بها من جدية في التنفيذ”.