نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: سوريا تستباح، والعرب تحت اللحاف - تليجراف الخليج اليوم الجمعة الموافق 18 يوليو 2025 12:49 مساءً
منذ أن سقط ذلك النظام الدموي الذي حول سوريا إلى مقبرة جماعية، وأغرقها في أنهار من الدم والدمار، بدأت البلاد تخطو نحو مفترق جديد، مفترق لا مكان فيه للطغيان ولا للخضوع، سوريا اليوم ليست تلك التي عرفها العالم تحت نير الاستبداد، بل هي وطن يفتح عينيه من ركام الخراب، يستجمع إرادته المنهكة، ويعيد تشكيل ملامحه على يد قيادة شرعية وطنية عاقدة العزم على لملمة الجراح، ورأب التصدعات، وتوحيد السوريين على مشروع دولة تحفظ الكرامة والسيادة، لا تتسولها من الخارج ولا تبيعها في بازار المصالح الدولية.
في هذا التوقيت المفصلي، وبينما تتطلع الشعوب العربية إلى استعادة سوريا لعافيتها ودورها ومكانتها، يطل الكيان الصهيوني برأسه القبيح ليذكرنا بأنه لم يغادر حالة الحرب يوما، وأن عينه كانت وستبقى على دمشق كما كانت على بيروت وغزة وبغداد، فما إن ظهرت معالم تحرك سوري داخلي لاستعادة السيادة ووحدة القرار، حتى بدأ العدو الصهيوني بسلسلة اعتداءات وقحة على الأرض السورية، مستهدفا العاصمة دمشق والسويداء ودرعا وحلب ودير الزور، تحت ذريعة، حماية الأقليات وبالأخص "الدروز"
هذا الكيان، الذي لا يعرف الرحمة ولا القانون ولا الأخلاق، بات يتدخل في الشأن السوري بشكل فج، يقصف متى يشاء ويدعي حماية من يشاء، متذرعا تارة بملاحقة قوى حليفة لإيران، وتارة بحماية الدروز، وتارة بتأمين حدوده، وكأن سوريا ليست دولة، وكأن السوريين لا يملكون حق تقرير مصيرهم، وكأن الدم السوري مستباح من دون مساءلة
إن ما يقوم به الكيان ليس سوى محاولة خبيثة لزرع الفتنة بين أبناء الشعب السوري، واستغلال لحظة الضعف لبناء نفوذ سياسي وعسكري داخل الأرض السورية، تحت عناوين إنسانية كاذبة، والكارثة أن بعض الأصوات الخائنة أو الجاهلة داخل سوريا أو خارجها تبرر أو تبارك هذا التدخل، بل وتناشد الكيان علنا بالتدخل لنصرتها ضد خصومها السياسيين أو الطائفيين، وكأن الاحتلال صار حليفا، والمعتدي صار حاميا، والخائن صار مناضلا
والأشد إيلاما أن النظام العربي ما يزال صامتا كأن الأمر لا يعنيه، وكأن سوريا ليست دولة عربية مؤسسة في جامعة الدول العربية، وكأن دمشق لم تكن يوما قلب العروبة النابض، وكأن استباحة سمائها وأرضها ليست تمهيدا لاستباحة كل عاصمة عربية أخرى
من غير المقبول ولا المفهوم هذا الصمت العربي أمام استباحة الكيان الصهيوني للأرض السورية ومن غير المعقول أن نظل نتابع بصمت القصف الذي يطال مناطق واسعة منها، في الوقت الذي يحاصر فيه شعب غزة ويباد أمام أنظار العالم، بلا موقف عربي حازم، ولا إرادة جماعية تجبر هذا الكيان على التوقف عند حده
المطلوب اليوم من النظام العربي، بكل ما يملكه من أدوات، أن يقف وقفة رجل واحد مع سوريا وشعبها ووحدتها، وأن يرفض صراحة هذا الانتهاك الصهيوني المستمر، وأن يسخر علاقاته الدولية وقدراته السياسية والاقتصادية والإعلامية والدبلوماسية لوقف غطرسة هذا الكيان الذي يتصرف وكأن العالم العربي كله قد انكسر وخنع واستسلم
المطلوب اليوم أن تقال الكلمات بأعلى صوت، ومن دون تزييف أو مجاملة، كل من يسعى لتفتيت سوريا أو تمزيقها، بالفعل أو القول، ومن سانده ولو بكلمة، فهو عدو مجرم، وكل من استعان بالعدو الصهيوني على بلده وشعبه، فهو عدو مجرم، وكل من فرح في قلبه أو عبر برضاه عن قصف دمشق والسويداء وحوران، فهو عدو مجرم، وكل من رفع العلم الصهيوني على أرض سورية، أو رضي بذلك، أو برره، فهو عدو مجرم، وكل من ناشد نتنياهو أو أي مسؤول صهيوني كي يتدخل لحمايته من أبناء وطنه، هو عدو مجرم، وعدو لكل سوري، ولكل عربي، ولكل حر في الأرض
سوريا، رغم جراحها، لم تسقط، وشعبها، رغم مأساته، لم ينكسر، لكنها اليوم بحاجة إلى موقف عربي صادق، لا مجرد مؤتمرات جوفاء ولا بيانات باهتة، بحاجة إلى من يقف إلى جانبها سياسيا وأمنيا وإنسانيا، ومن يرفع صوته بوجه الصهيوني الوقح قائلا له كفى
إن لم نستفق اليوم على حقيقة ما يحدث، فإن العدوان الصهيوني سيتحول إلى حالة دائمة، وسوريا ستستنزف إلى أن تنهك تماما، ليفرض عليها حل مفصل على مقاس تل أبيب، لا على مقاس الشعب السوري، وهذا لن يكون خطرا على سوريا وحدها، بل على كل الأمة، من محيطها إلى خليجها، فالخنجر الذي يغرس في خاصرة دمشق، لن يتردد في التوجه إلى بيروت وعمان والقاهرة والرياض وتونس وكل عاصمة عربية لا تزال تتنفس
وإن لم يكن هذا كافيا لتحريك ضمير النظام العربي، فليتأمل في صمتنا القاتل تجاه غزة، التي تباد والعالم يشاهد، ونحن لا نملك غير التنديد الفارغ، أو حتى نمتنع عنه، إن لم ندافع عن سوريا وغزة معا، فإننا نخسر ما تبقى من كرامة، ونخسر أوطاننا كلها، ولن تنفعنا بعدها كلمات التاريخ ولا سطور المجد القديمة
فليكتب اليوم، سوريا باقية، والكيان إلى زوال ومن يهادنه، أو يتواطأ معه، أو يصمت عنه، فهو شريك في الجريمة، وإن لبس ألف قناع من الوطنية
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.