نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: في الذكرى 74 لاغتيال الملك عبدالله #عاجل - تليجراف الخليج اليوم الاثنين الموافق 21 يوليو 2025 06:50 صباحاً
كتب د. فيصل الغويين -استند الأمير/ الملك عبد الله في كل الأدوار السياسيةوالعسكرية التي لعبها قبل وبعد خروجه من الحجاز، إلىمبدأ الواقعية والاعتدال والمرونة، ويعتبر من أبرز قادةالمدرسة السياسية المشرقية التي رفعت شعار "خذ وطالب”،التي فرضتها موازين القوى المختلة لصالح الدولالاستعمارية، حيث اتجهت القيادات الوطنية المحلية فيعموم المشرق العربي، إلى النضال السياسي لتحقيقاستقلالها، بعد فشل العمل المسلح.
كان مشروع سوريا الكبرى حلما راود الأمير فيصل بن الحسين، الذي رأى أنه لا يمكن دمج الحجاز وسورية في حكومة واحدة، إلا أنه بعد دخوله دمشق، وإعلان قيام الحكومة العربية هناك، اضطر أن يقبل بحكم جزء من سورية الكبرى. وبعد خروجه من دمشق بدأت مرحلة جديدة من التعاطي مع المشروع مع الأمير عبد الله بن الحسين، الذي أعاد طرحه وتبنيه بعد تنصيبه أميرا على شرقي الأردن.
لم يخف عبد الله بن الحسين طموحه السياسي، ولم ير في حكم شرقي الأردن سوى مرحلة مؤقتة على طريق الوحدة السورية الكبرى، وعد وحدة أقطار بلاد الشام خطوة مهمة نحو الوحدة العربية. ولما اتهمه أعداء الوحدة السورية بالطمع الشخصي، نفى عن نفسه هذه التهمة، وأعلن استعداده للقبول برأي سكان الأقاليم الشامية في نظام الحكم الذي يختارونه، سواء أكان ملكيا أم جمهوريا.
ركز الموقف السياسي الأردني الذي مثله الأمير عبد الله على ضرورة رفض جميع الاتفاقات والمشاريع الغربية التي كرست التجزئة، وخاصة التي قسمت بلاد الشام إلى وحدات سياسية متعدةة، وقد عبر عن ذلك بقوله:” سوريا في اعتقادي هي سورية الصحيحة - سوريا الكبرى- ديار الشام المعروفة بالتاريخ وليست سوريا التي يتعارف عليها اليوم بمثل ما خطط الاستعمار، وجعلها هذا الجزء من سوريا الشمالية فقط”.
واجه المشروع معارضة صهيونية وعربية وغربية، متعددة الدوافع، وبالرغم من إدراكه صعوبة الوصول إلى هذه الأهداف، فقد سعى إلى تحقيقها مستعينا بالزمن والصبر، فهو يرى أنه :” إذا كان هناك هدف لا يمكن تحقيقه اليوم أو حتى غدا، فإنه لا يوجد سبب للتخلي عنه، وأن الزمن قادر على تغيير الأوضاع”.
الجامعة العربية
وقف الأمير عبد الله ضد مشروع الجامعة العربية، وشككفي جدواها، وكان يطمح إلى شكل وحدوي يستند أساساإلى وحدة سورية الكبرى، ثم قبل بها كأمر واقع يستهدفتنسيق العمل العربي المشترك. يقول في هذا الصدد:”الجامعة العربية جراب أدخل فيه سبعة رؤوس: اليمن والعراق وسوريا ولبنان وشرقي الأردن ومصر والسعودية بصورة عجيبة جدا... وفي هذا يتجلى للأمة العربية التسابق العجيب بين دولها السبع، تسابق مقيد ومطلق، إما قيد احتلال، وإما قيد عهد، وإما قيد جهالة.. وظن الغريب الراضي عن هذه الجامعة أنها ستكون خير أداة لدوام الانتدابات، ودوام الأحكام العهدية، وإني تارك لغيري تفسير الظنون”.
لم يفقد الأمير أمله في قيام الوحدة السورية، بعد قيام الجامعة العربية، وسعى إلى ذلك من خلال مجلس الجامعة، لكنه واجه معارضة عربية سعودية مصرية بالأساس، ولذلك رأى في الجامعة آنذاك عائقا لمشروعاته الوحدوية. وكانت تجربته معها مريرة في الحرب العربية اليهودية (1948 - 1949)، وفي موقفها المعارض من الوحدة الأردنية - الفلسطينية عام 1950.
الاغتيال
كان عبد الله متقدما على معاصريه العرب في إدراكه لطبيعة الحركة الصهيونية، ولما تحظى به من مساندة عالمية. ورأىفي الوجود الصهيوني في فلسطين، سرطان ينمو بسرعة مذهلة، ولا بد من احتوائه، وإيمانا منه بأن وحدة فلسطين والأردن هي الأساس، رأى الأمير نهاية الثلاثينيات، أنه لا بد من قيام مملكة موحدة تضم فلسطين والأردن، على أن يتمتع اليهود بإدارة مختارة في المناطق اليهودية التي تحددها لجنة مشتركة من الانجليز والعرب واليهود. ويمثل اليهود في برلمان المملكة الموحدة ومجلس وزرائها بنسبة عددهم، وتنحصر الهجرة اليهودية إلى هذه المنطقة، وتحظر الهجرة إلى المنطقة العربية إلا بموافقة العرب، غير أن اليهود رفضوا هذا العرض كما رفضه العرب.
أيد الأمير عبد الله قرار التقسيم لسنة 1947، فهو في نظره يوسع ملكه، ويفتح الباب لوحدة الأقطار السورية. كما كان يدرك عجز العرب عن الوقوف في وجه تنفيذ هذا القرار،ولذلك عقد آمالا كبيرة على اتصالاته بالوكالة اليهودية للوصول إلى تسوية لقضية فلسطين، وعقدت عدة اجتماعات بين مسؤولين أردنيين وإسرائيليين في المدة الواقعة بين تشرين الثاني 1949 وآذار 1950، دون الوصول إلى نتائج ملموسة.
كشفت الصحف الأمريكية النقاب عن هذه المفاوضات السرية، وتناولتها الصحف المصرية، ولم يكن المناخ السياسي العربي مهيئا لهذه الاتصالات. كما لم يكن الجانب الإسرائيلي مستعدا لتقديم أي تنازلات لتسوية القضية الفسطينية. وقد أسهمت هذه المفاوضات في حبك التآمر على حياته.
امتلك الأمير عبد الله تصورا شاملا لقضية فلسطين، كان الحل السياسي أحد مراحله، غير أن فهمه للواقع الدولي ووللإمكانيات العربية جعله يؤمن بالحل المرحلي، مع إيمانه المطلق بأن المستقبل لأمته، وهو ما تجلى في بيانه إلى الشعب اليهودي عندما قال :” وإلى الهاغانا .. أو ما إلى ذلك من أسماء، أوجه القول بأن الشوط طويل، وأن العرب كثر، وأنكم تماديتم كثيرا”.
اغتيال رياض الصلح في عمان
وفي 13 تموز وقبل أسبوع على اغتيال الملك عبد الله، قامرياض الصلح رئيس وزراء لبنان آنذاك بزيارة إلى عمان، تلبية لدعوة من الملك عبدالله، وقد فسرت الزيارة على أنها محاولة من الصلح للتقرب إلى الملك عبدالله، والتوسط بينه وبين عبد الإله في موضوع اتحاد الأردن والعراق، أو لاتخاذ خطوة إيجابية تجمع بين الأردن ولبنان. وبعد ثلاثة أيام أغتيل الصلح في عمان، إثناء مغادرته إلى لبنان. وقد أكد الملك عبد الله أن الذين قتلوا رياض لا يريدون لمشاريع الوحدة أن تنجح. ولم يمهل القدر الملك ليوضح ما هية المشاريع التي يقصدها، وما الذي اتفق عليه مع الصلح.
اغتيال الملك عبد الله في القدس
قبيل حادثة الاغتيال يذكر ناصر الدين النشاشيبي، أن الملكعبد الله حدّثه عن تحذير وصله من السفارة الأمريكية منمؤامرة معدة لاغتياله، ومكان تنفيذها القدس أو عمان، وأنالمخابرات الأمريكية نصحت بعدم سفره الى القدس، وقالالملك للرسول الأمريكي: "وهل تريدون أن أقطع علاقتي معشعبي، وأن أحبس نفسي في القصر؟ إنني ملك مسلماؤمن بأن لكل أجل كتاب، وأنه، لن يصيبنا إلا ما كتب اللهلنا، وأن القدس هي البلد الأمين بالنسبة لي وأهلهاأهلي..”.
قرر الملك عبد الله الذهاب للصلاة في المسجد الأقصى، وماأن وطئت قدم الملك عبد الله بوابة المسجد الأقصى، حتىوقف أحد المصلين من خلف الباب من داخل المسجد، وأطلقالنار من مسدسه على رأس الملك عبد الله. أما القاتل ويدعىمصطفى شكري العشو فقتل فوراً على يد الضابط الخاصللملك عبد الله محمد السعدي.
وجه الاتهام الى عبد الله التل، وموسى الأيوبي، وموسىالحسيني، وعبد عكو، وزكريا عكو، وعبد القادر السدميروولده، والأب عياد، وداود الحسيني، ومحمد عكو، وتوفيقصالح الحسيني، وبعد مرافعات ومداولات استمرت أربعةأسابيع قررت المحكمة تبرئة كل من : داود الحسيني، والأبعياد، ومحمود عكو والد عبد عكو، وأدانت الباقين وحكمتبإعدامهم، وقد نفذ الحكم فيهم باستثناء عبد الله التل،وموسى الأيوبي اللذين كانا فارين.
من قتل الملك عبدالله؟
تعددت الاجتهادات في قضية اغتيال الملك عبد الله، وقد تبينأثناء المحاكمة أن خيوط العملية حيكت في القاهرة عندماكان عبد الله التل لاجئاً سياسياً يعمل ضمن جماعة أمينالحسيني الموجود في القاهرة. وكانت الهيئة العربية العلياالتي يرأسها الحسيني تعارض ضم الضفة الغربية الىالأردن، وتسعى الى تأسيس حكومة مستقلة على ما تبقىمن الأراضي الفلسطينية بعد قيام دولة الكيان الصهيونيعلى اثر حرب 1948، لكن ذلك السعي رفض من قبل الملكعبد الله الأمر الذي أدى الى تشكيل معارضة قوية ضد الملكحظيت بدعم من مصر وسوريا والسعودية.
وهناك من ذهب الى إلقاء التهمة على بريطانيا، وذلكبالاستناد الى واقعة سياسية وهي ثبوت التهمة على موسىالحسيني الذي كان على علاقة وثيقة ب (كلوب) و(لاش بك) قائد الفرقة الأردنية في فلسطين، وكانت هذه العلاقة تتخذطابع التكتم والسرية، وكان موسى الحسيني بعيداً فكراًوسياسة عن الحاج أمين الحسيني؛ لذلك فان الانجليزاستعملوه ليسهل ربط الجريمة بالحاج أمين، وعبد الله التل.
ويرى وليد صلاح الذي تولى التحقيق في الجريمة: "إنالحقيقة التي لا شك فيها ولا ريب انه لا يد للأجانب أوالصهاينة في مقتل الملك عبد الله، وإنما هي مؤامرة عربية".
وفي مقدمة كتابه "من قتل الملك عبد الله"؟ يؤكد ناصر الدينالنشاشيبي أنه بحث لأسابيع وشهور طويلة في وثائق وزارةالخارجية البريطانية، وأنه وصل الى استنتاج مفاده أن الملكعبد الله هو أحد ضحايا الاستعمار البريطاني، وأنمشاريعه الوحدوية كانت مشاريع وطنية صادقة، وكانتسبب الخلاف والتصادم المستمر بينه وبين الانجليز، وأنالرجل كان وفياً لعروبته وإسلامه، وأن الانجليز تآمروا علىطموحاته التي كانت أكثر بكثير من إمكانياته، وأنهم أفسدواخططه، وفعلوا كل شيء لتشويه صورته حتى في أذهانمواطنيه وأبناء شعبه.
ويؤكد النشاشيبي أنه كان في وزارة الخارجية البريطانيةملفان يتعلق أحدهما بموسى الحسيني والآخر بعبد اللهالتل، وكان من المفروض أن يسمح بالاطلاع عليها بعد مرورثلاثين سنة على الحادثة ، ولما ذهب النشاشيبي بقصدالاطلاع عليها فوجئ بأن أمرا قد صدر من الخارجيةالبريطانية بإبقاء الملفين مغلقين لمدة 75 سنة أخرى، بحيث لا يتم الإفراج عنه قبل عام 2055م. ومعنى ذلك أن بريطانيا لا تريد لأحد أن يعرف اسم الجهة التي كانت تخطط لاغتيال الملك، ويرجح تورط بريطانيا في العملية.
أما علي أبو نوار فيقول:" التقيت بعبد الله التل سنة 1957 في القاهرة عندما لجأت إليها، وتباحثت معه في التهمة التيوجهت إليه، وأقسم لي انه بريء ولا علاقة له باغتيال الملكعبد الله"
ويقول الملك حسين معلقاً على هذه المسالة:" فكرت دوماً بأنّمصر كان لها نصيب من المسؤولية في الاغتيال، إلا أنّجدي كان له فيها كثير من الأعداء، ولقد كانت مؤامرة ترميالى تفكيك أجزاء الأردن".
أعلن توفيق ابو الهدى الذي شكل الحكومة بعد وفاة الملك عبد الله، أسس السياسة الأردنية الجديدة، التي تقوم على عدم انضمام الأردن إلى أي بلد عربي، وأن أي اتحاد بين بلدين عربيين، يجب أن يتم بموافقة البلدان العربية. وبذلك طويت صفحة سوريا الكبرى التي كانت الحلم الأول للملك المؤسس.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.