الصناعة الأردنية خلال "رؤية التحديث" .. أين وصلنا؟ - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الصناعة الأردنية خلال "رؤية التحديث" .. أين وصلنا؟ - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025 02:35 صباحاً

تليجراف الخليج - ثلاث سنوات مضت على إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن، تلك المبادرة الوطنية التي جاءت بتوجيهات ملكية سامية لتكون خريطة طريق للنهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق تنمية مستدامة وشاملة.

واليوم، تعود الجلسات القطاعية لتطرح سؤالاً جوهريا: أين نحن من تنفيذ هذه الرؤية؟ وما الذي تحقق؟ وما الذي يحتاج إلى إعادة تقييم وتوجيه؟ وما هي الفرص القائمة بالاقتصاد الوطني والتحديات التي ما تزال تحد من قدراته على تحقيق معدلات نمو تلامس طموحات الرؤية؟
في هذا السياق، شهد القطاع الصناعي جلسة تقييم ومراجعة عقدت أمس في الديوان الملكي الهاشمي ضمن ورشات المرحلة الثانية لتنفيذ الرؤية، بحضور ممثلين عن القطاعين العام والخاص.
ويأتي انعقاد هذه الجلسة في وقت تتزايد فيه التحديات الإقليمية والضغوط العالمية، ما يفرض إعادة النظر في الأولويات، وتسريع وتيرة التنفيذ، وضمان مواءمة الخطط مع التطورات التقنية والاقتصادية المتسارعة.
وينظر إلى قطاع الصناعة باعتباره أحد الأعمدة الرئيسة في رؤية التحديث، لما يمتلكه من قدرة على تحفيز النمو الاقتصادي، وتوفير فرص عمل، وتعزيز الصادرات، وزيادة الاعتماد على الإنتاج المحلي.
لكن الحفاظ على هذا الدور المحوري يتطلب أكثر من مجرد خطط؛ إذ يستلزم تنفيذا مرنا وتقييما دقيقا يواكب التغيرات في الداخل والخارج.
ولم تكن الجلسة استعراضا لإنجازات، بل وقفة مراجعة واستشراف، تهدف إلى فهم الواقع الصناعي كما هو، والبناء على نقاط القوة، والتعامل بواقعية مع التحديات التنظيمية والهيكلية، وخاصة في ظل التغيرات الإقليمية التي أثرت على سلاسل الإمداد والأسواق التصديرية.
وتشكل مخرجات هذه الجلسة مدخلا لإعداد خريطة طريق تنفيذية جديدة أكثر توافقًا مع السياق الحالي، وأكثر قدرة على تحويل الرؤية إلى واقع ملموس.
وتأتي هذه الجلسة استكمالا لمناقشات سابقة تناولت مختلف القطاعات الاقتصادية، والتي تهدف إلى تقييم سير العمل في رؤية التحديث الاقتصادي، بعد مرور ثلاث سنوات على إطلاقها بتوجيهات ملكية.
وتنعقد الورشات في إطار حرص جلالة الملك عبدالله الثاني على متابعة تنفيذ الرؤية، وضمان تسارع النمو الاقتصادي، وتحقيق أثر ملموس في حياة المواطنين، وترسيخ التزام الحكومات المتعاقبة بتنفيذ الرؤية ضمن الإطار الزمني المقرر.
ويعد قطاع الصناعة من أبرز ركائز رؤية التحديث الاقتصادي، حيث يمثل محركاً أساسياً لتحفيز النمو الاقتصادي، وتوسيع فرص العمل، وزيادة الإنتاجية، وتعزيز الصادرات، ورفع قيمة وتنافسية المنتج الوطني في الأسواق المحلية والخارجية.
وضمن البرنامج التنفيذي للرؤية، يندرج تحت القطاع الصناعي عدد من القطاعات الفرعية ذات الأهمية الإستراتيجية، مثل الصناعات الكيماوية، والدوائية، والغذائية، والمحيكات، والهندسية.
نقاط القوة لقطاع الصناعة
يمتلك القطاع الصناعي الأردني نقاط قوة عديدة تجعله مؤهلاً للنمو والتطور، من بينها الحضور القوي في صناعات مثل الأسمدة والمحيكات والدوائية، إلى جانب استفادته من اتفاقيات التجارة الحرة التي تمنح الصادرات الأردنية ميزة تنافسية في الأسواق العالمية.
ويتميّز الأردن بموقع جغرافي إستراتيجي بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، إضافة إلى شبكة من المدن الصناعية المتقدمة، وحوافز استثمارية جاذبة، وإمكانات في مجال التكنولوجيا والاتصالات، ما يجعل القطاع الصناعي بيئة جاذبة للعمالة، خاصة الشباب.
وتسعى رؤية التحديث الاقتصادي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الطموحة في قطاع الصناعة، منها تعزيز مشاركة المرأة والشباب، وتوسيع الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات، وزيادة الصادرات الوطنية، وتوفير فرص عمل نوعية، وخفض تكاليف الإنتاج، وتوفير الغاز للمناطق الصناعية، إضافة إلى تحسين الإنتاجية ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع الاستثمارات المحلية والدولية، وتعزيز الشراكات، وتحسين البيئة التشريعية، وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين.
في هذا السياق، شهدت المرحلة الأولى من تنفيذ الرؤية إطلاق عدد من المبادرات المهمة، مثل دعم برامج ترويج المنتجات المحلية، وجذب استثمارات وصناعات جديدة، ومساعدة الصناعات الصغيرة والمتوسطة على تحسين الإنتاجية وتنافسية الكلفة، إضافة إلى تأسيس مركز مختص، وتوفير قاعدة بيانات للقطاع، وتحفيز ريادة الأعمال، ووضع خطط تفصيلية للصادرات لتنفيذ إستراتيجيات القطاع.
كما تم إطلاق أربعة برامج محورية هي: برنامج تحديث الصناعة، وبرنامج ترويج الصادرات، وبرنامج ضمان ائتمان الصادرات، وبرنامج الحوافز المبني على المخرجات.
كما تضمنت المبادرات المتخصصة للقطاعات الفرعية مبادرات نوعية، ففي قطاع الصناعات الدوائية تم العمل على تنمية البحث والتطوير لإنتاج عقاقير جديدة، ووضع سياسة ترويجية للصناعات الدوائية المحلية.
وفي قطاع الصناعات الغذائية، جرى تخصيص جزء من المحاصيل الزراعية للتصنيع الغذائي وتطوير التكامل الرأسي، إلى جانب تطوير المهارات المتخصصة في هذا المجال.
أما في صناعة المحيكات، فتم التركيز على توسيع برنامج التدريب المهني بالتعاون مع مجلس مهارات القطاع. وفي قطاع الصناعات الهندسية، أُعدت دراسات جدوى اقتصادية لاستخدام منتجات هندسية جديدة ومستقبلية واعدة.
أبرز إنجازات القطاع ضمن الرؤية
على صعيد الإنجازات، أُقرت خلال المرحلة الأولى من تنفيذ الرؤية الإستراتيجية الوطنية للتصدير للأعوام 2023-2025، وثيقة السياسة الصناعية للأعوام 2024-2028، والإستراتيجية الوطنية لقطاع الجلدية والمحيكات (2024-2026)، إلى جانب اعتماد تعليمات تتبع الغذاء لسنة 2024 بهدف تعزيز الأمن الغذائي وتكامل المنظومة الرقابية.
كما أُطلق برنامج "إعمل مشروعك" لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في القطاعات الصناعية والحرفية والزراعية والخدمية.
ووضعت رؤية التحديث الاقتصادي القطاع الصناعي على رأس أولوياتها من خلال مضاعفة حجم الإنتاج المحلي الإجمالي، بهدف توفير 260 ألف فرصة عمل بحلول عام 2033، والتركيز على القطاعات الصناعية الإستراتيجية والواعدة لتحقيق ميزة تنافسية، وزيادة مساهمة الصادرات في النمو الإجمالي داخل القطاع.
وفي ظل الظروف الإقليمية المحيطة والتحديات الاقتصادية العالمية، استطاع القطاع الصناعي في الأردن الحفاظ على استقراره وتعزيز قدرته الإنتاجية، من خلال تبني إستراتيجيات مرنة ومبتكرة، ما ساهم في تعزيز الصادرات ودعم سلاسل التوريد الوطنية، ومواصلة دوره الحيوي في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
يشار إلى أن الصادرات الصناعية الأردنية ارتفعت قيمتها من 500 مليون دينار خلال أواخر القرن الماضي إلى 8.579 مليار دينار حاليا، وأصبحت تلعب دوراً رئيساً في نمو وتطور الصناعة الوطنية.
ويضم القطاع قرابة 17 ألف منشأة صناعية وحرفية توظف قرابة 268 ألف عامل فيما ينتج 1500 سلعة ويصدر 1400 سلعة متنوعة من إجمالي 5300 سلعة منتجة ومتداولة في العالم.
وشهدت الجلسة عرضا تفصيليا لعدد من المبادرات الصناعية ذات الأولوية، التي تم تطويرها بالتعاون مع الشركاء من القطاع الخاص، وتهدف إلى تهيئة بيئة اعمال محفزة، وتحسين كفاءة الإنتاج، وتعزيز قدرات التصدير، مع التركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة العالية مثل الصناعات الدوائية، والكيماوية، والغذائية، والهندسية.
كما جرى خلال الجلسة مناقشة التحديات التي تواجه القطاع الصناعي، من ابرزها ارتفاع كلف الانتاج والطاقة، والحاجة إلى تطوير المهارات الفنية والعمالة المدربة، إضافة إلى أهمية تحديث التشريعات الصناعية وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين، بما يضمن جذب استثمارات نوعية ومستدامة.
وأكد المشاركون ضرورة تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لضمان تنفيذ فعال للمبادرات، مشددين على أهمية الاستفادة من التحولات الرقمية والتقنيات الحديثة في تطوير العمليات الصناعية، ورفع كفاءة الإنتاج، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتج الأردني على المستويين الإقليمي والعالمي.
قادري: قطاع المحيكات رافعة حقيقية للتنمية
من جهته أكد ممثل قطاع الصناعات الجلدية والمحيكات في غرفة صناعة الأردن، المهندس إيهاب قادري، أن مشاركة القطاع في ورشات تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي تأتي انطلاقاً من الإيمان العميق بدور هذا القطاع في دعم الاقتصاد الوطني، وخلق فرص عمل نوعية، وتعزيز تنافسية المنتجات الأردنية على المستويين الإقليمي والدولي.
وأشار إلى أن القطاع يشهد تطورا ملحوظا في قدراته الإنتاجية، رغم التحديات التي تواجهه، وفي مقدمتها كلف التشغيل المرتفعة.
وأوضح قادري أن قطاع الصناعات الجلدية والمحيكات يعد من أكبر المشغلين للعمالة الأردنية، وخاصة الإناث، ما يجعله رافعة حقيقية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، داعيا إلى الاستمرار في دعم برامج التدريب المهني، وتعزيز الشراكة مع القطاع التعليمي، لسد الفجوة بين احتياجات السوق ومهارات القوى العاملة.
وشدد على أهمية توجيه الاستثمارات نحو تحديث خطوط الإنتاج، وتبني التكنولوجيا الحديثة، لرفع كفاءة التصنيع وتقليل الفاقد، مشيراً إلى أن الفرصة اليوم مواتية لتعزيز صادرات القطاع من خلال فتح أسواق جديدة، وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين، بما ينسجم مع محاور رؤية التحديث الاقتصادي ويضمن استدامة النمو.
ودعا قادري إلى المضي قدماً نحو تنفيذ نموذج التجمعات العنقودية، بنوعيها الأفقي والرأسي، لما لها من دور فاعل في تعزيز التكامل الصناعي بين مختلف الجهات المنتجة، وتحفيز الابتكار، ورفع القيمة المضافة للمنتج الوطني.
وأكد ضرورة تمكين القطاع في السوق المحلي من خلال تطبيق معايير تنافسية عادلة، تضمن حماية الصناعة الوطنية من الممارسات غير المنصفة، وتوفر بيئة أعمال مستقرة تُمكّن الصناعات الجلدية والمحيكات من النمو والمنافسة داخلياً وخارجياً.
السبول: مراعاة التغيرات الإقليمية
من جانبها، أكدت أمين عام الاتحاد الأردني لمنتجي الأدوية حنان السبول، والتي كانت جزءا من فريق إعداد رؤية التحديث الاقتصادي عند إطلاقها عام 2022، أن مرور ثلاث سنوات على بدء تنفيذ الرؤية يتطلب مراجعة شاملة لمخرجات المرحلة الأولى، تمهيدا لوضع الخطة التنفيذية للمرحلة الثانية.
وأوضحت أن القطاع الدوائي تضمن في المرحلة الأولى 11 مبادرة رئيسة، تم إنجاز عدد منها، فيما يتطلب تنفيذ البقية مواكبة المتغيرات التكنولوجية واللوجستية والاقتصادية التي طرأت خلال السنوات الماضية.
وأضافت أن الأولويات الحالية للقطاع الصناعي، وخاصة الصناعات الدوائية، يجب أن تراعي التغيرات الإقليمية في سلاسل الإمداد والأسواق التصديرية، مشيرة إلى أن ما يزيد على 60 % من صادرات الأدوية الأردنية تتركز في أربع دول فقط، ما يتطلب تنويع الأسواق وتعزيز القدرة التنافسية.
كما شددت على ضرورة تسريع الإجراءات التنظيمية والإدارية المرتبطة بإدخال المنتجات إلى خطوط الإنتاج، لتكون الصناعة الدوائية الأردنية أكثر جاهزية واستجابة لمتطلبات الأسواق الخارجية والداخلية.
الشكعة: المشاريع الصغيرة ركيزة الصناعية الوطنية
أكد ممثل قطاع الصناعات الحرفية في غرفة صناعة الأردن، المهندس فواز الشكعة، أن المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر تشكل ركيزة أساسية ضمن المنظومة الصناعية الوطنية، وتمثل نقطة انطلاق محورية لتحقيق تنمية اقتصادية متوازنة، خاصة في المحافظات والمناطق النائية.
وشدد الشكعة على أن تمكين هذه المشاريع من خلال الدعم المناسب، يسهم في تعزيز قدراتها الإنتاجية، ويمكنها من توليد فرص عمل حقيقية ومستدامة، بما ينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني.
وأشار إلى أن هذه المشاريع تمتلك إمكانيات كبيرة للنمو والابتكار، وتؤدي دورا مهما في تعزيز الصادرات الوطنية، وخفض معدلات البطالة في المحافظات، لاسيما في ظل الطلب المتزايد على المنتجات المحلية ذات الهوية الوطنية المميزة.
وفي هذا السياق، دعا الشكعة إلى ضرورة تهيئة بيئة أعمال محفّزة وداعمة للمشاريع الصغيرة، عبر تسهيل إجراءات الوصول إلى التمويل، وتوفير برامج تدريبية متخصصة، وتعزيز الربط مع الأسواق المحلية والإقليمية.
كما أكد أهمية تطوير منظومة تشريعية مرنة ومحفزة تقلل من المتطلبات الإجرائية، وتوفر حوافز ضريبية وتنظيمية، بما يُسهم في دمج هذه المشاريع ضمن أولويات رؤية التحديث الاقتصادي، ويعزز دورها في تحقيق النمو الشامل وزيادة الاعتماد على المنتجات الوطنية.
وينتظر أن تسهم مخرجات هذه الجلسة في صياغة خريطة طريق عملية لتسريع تنفيذ محاور الرؤية، مع التركيز على تحسين بيئة الأعمال الصناعية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتفعيل برامج التمويل الميسر، بما يسهم في تعزيز فرص النمو والاستقرار الاقتصادي.
ويأتي عقد هذه الجلسة في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى تمكين القطاعات الإنتاجية، وفي مقدمتها الصناعة، لتكون قاطرة للنمو الاقتصادي، وأساسا لبناء اقتصاد أكثر تنوعا واستدامة، قادرا على الصمود أمام التحديات والتحولات العالمية.
وتشكل ورشات عمل المرحلة الثانية للرؤية، مراجعة مسؤولة ومستقلة لضمان التغذية الراجعة وتجويد مبادراتها وتوصياتها لمواكبة المستجدات التكنولوجية والتطورات الفنية بما يتناسب مع أفضل الممارسات الحديثة، وهي إجراء دوري لكل مرحلة.

الغد


نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.