أواني الموت - تليجراف الخليج

كتبت سلام العكور - 

رفعت أصابع يدها الصغيرة وهي تحاول عبثا ابعاد الثقل الذي يعتلي جسدها الغض الطري الذي أفقده الجوع ما تبقى من قوة ، حاولت جاهدة سحب يدها الثانية لكن الأرض احتضنتها بقسوة . تساءلت الصغيرة بذعروعيناها تائهتان بين الأجساد المتناثرة هنا وهناك : أين آنيتي ، أين آنيتي ؟؟ هل أخذها أحد يا ترى ؟ علي أن أفي بوعدي وأطعم أخي الصغير .

هذه الصغيرة تظن انها قادرة على تجاوز الحشود الكبيرة من الجائعين وهي لم تتجاوز بعد عامها العاشر،وهم يرفعون أوانيهم الى الهواء بانتظار معجزة ، وقوافل الطعام تقف بعيدة بعيدة ،يفصل بينهم الموت في ابشع صوره ، يسيرون نحو اقدارهم بوجوه متعبة واجساد هزيلة واقدام حافية ، يحملون وعودا لاطفالهم ، لزوجاتهم ، لأمهاتهم بالطعام الذي بات حلما ثقيلا كالجبال .

وهي لا تزال غير قادرة على رفع هذا الجسد ، جسد بلا ملامح ، بلا صوت ، بلا حياة.

بدأ الألم يتمكن منها ، جسدها يرتعش ،عيناها تنظر الى الباحثين عن الطعام الذين يخاطرون بحياتهم وسط أصوات الرصاص لملء الاواني الفارغة منذ عدة أيام .

آخر ما سمعت كان صوت أنين أخيها الصغير ، الذي أكل الجوع جسده ، كان يودعها لكنها استبقته بوعدها ليوم آخر ." سأحضر لك الطعام ، ارجوك ابقى معي " .

هي لا تريد ان تخسره بعد ان فقدت والديها تحت انقاض بيتهم في شمال غزة ، ونزحت معه الى مخيم الجوع ممسكة يده ، حلمه الكبير ، وأمله الهش بالنجاة .

هكذا يدفن الأطفال تحت الركام ، جائعين ، عطشين ، موجوعين ، دون صوت ، هكذا يباد الشعب المحاصر .

معركة قاربت على إتمام عامها الثاني ، استشهد فيها 0000 اغلبهم من النساء والأطفال .

قتل ، جوع ، دمار ممنهج تقوم به قوات الاحتلال ، انهيار كامل للخدمات الأساسية ، شلل في المنظومة الصحية، توقف كامل لضح المياه ، نقص في الوقود ، منطقة تلو منطقة تمحى عن وجه الأرض بأدوات أمريكية .

حرب استنزاف ، يظهر فيها الاحتلال اكثر انكشافا امام مقاومة مشروعة ، جهود دبلوماسية في قاعات فارهة بلا جدوى ، مفاوضات بائسة ، خرق واضح للقانون الدولي ، أيد ممدودة على استحياء .

ولا تزال أصابع الطفلة المتماسكة رغم الألم بارزة من تحت الركام ، تبحث عن اناء ظل فارغا، ووعد لم يتحقق .