نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: حفيدتي الأولى - تليجراف الخليج اليوم السبت الموافق 26 يوليو 2025 01:24 مساءً
بالأمس فقط، كنتُ طفلًا أركض في شوارع وادي الأكراد والحارة، ألعب بلا همّ، أضحك من قلبي مع أولاد الجيران، لا أفكر في الغد، ولا أحمل بيدي سوى قطعة كُنافة بدون جبنة، أمام محل الحارس بشارع الحمام... وبعض الأحلام الصغيرة.
مرت الأيام كما تمر نسمة خفيفة، لا نشعر بها حتى تختفي. واليوم... أنا جد!
نعم، لقد أصبحتُ جدًّا، وهذه الجملة وحدها كفيلة بأن تجعلني أبتسم وأتأمل.
حفيدتي الأولى، "ماسة"، جاءت كهدية من ربّ العالمين، وكأن الحياة قررت أن تعيد لي طفولتي على هيئة ضحكة منها، على شكل خطواتها الأولى.
وكأن الحياة أعادت ترتيب نبضها، فجاءت "ماسة" تحمل ملامح الطفولة التي فقدتها، وصوت البراءة الذي غاب في زحام الأيام. نظرتها الصغيرة تكفي لتذيب تعب السنين، وابتسامتها تُشعل في داخلي شعورًا لا يشبه إلا البداية... بداية حياةٍ جديدة.
حين تركض نحوي "ماسة"، بكل براءتها، وتحتضنني بقوة، أشعر أن الدنيا كلها تحتضنني، وأن عمري كله يُعاد كتابته.
تلك اللحظة التي تضمني فيها بشوقٍ لا يشيخ، تشبه الهدوء بعد العاصفة، الدفء بعد البرد، والفرح الخالص الذي لا يُكتب ولا يُوصف.
صدقوني إن قلت: لا تريد ترك حضني... وأنا كذلك، لا أريد أن أتركها.
هي ليست حفيدتي فقط، بل هي نبضٌ جديد لحياتي.
تأملتُ في عمري، فوجدته غمضة عين، سنوات مرّت كأنها دقائق.
أتذكّر صوت أمي توقظنا للمدرسة، والكتب المدرسية، وأوراق الامتحانات، أول نجاح، أول إكمال، أول "هوشة"، أول وظيفة، أول حب، يوم خطبتي، يوم زفافي... يوم وُلدت ابنتي الأولى، البكر دينا، ثم ابنتي الثانية كيان، أم حفيدتي "ماسة".
أحداث كثيرة مرّت بمراحل حياتي: بين الأهل والأحبة، في الأفراح والأتراح، بالتعب والراحة، في الصيف والشتاء، في الفقر والجوع، ومع كل من نحب من الجيران والأقارب.
نقاشات عمي إبراهيم ،
"مرافقة أبي أيام الحراث ومواسم حصيدة القمح لموارس أم زيتونة وبطنا، وبيادر طبلوج والمغاريب وزغيب."
وضحكة عمّتي أمينة، وطيبة عمّي مبارك، وأحداث أخرى كثيرة.
كل تلك اللحظات تتزاحم في ذهني وأنا أرى حفيدتي "ماسة" تبتسم لي.
وكأن كل ذلك الماضي لم يكن إلا طريقًا يقودني إلى هذه اللحظة بالذات: لحظة وجودها في حياتي.
أنا الآن تجاوزتُ الخمسين. قد يراه البعض عددًا كبيرًا، لكنه في عيني لحظة واحدة ممتدة، رحلة من الطفولة حتى الطفولة مجددًا، لكن هذه المرة... مع حفيدتي.
"ماسة" أعادت لي شبابي، أعادت لي بهجة الأيام الأولى.
صرت أعدّ الأيام التي سأقضيها معها، أفتّش في ذاكرتي عن حكايات أحكيها لها، وأصنع في خيالي عوالم تشبه طفولتها، مليئة باللعب والضحك والدفء.
قمة سعادتي عندما أشاهد "ماسة" تلوّح بالعلم الأردني على أنغام أغنية عمر العبداللات "علا علم بلادي"، وأيضًا وهي تقلد المشية العسكرية على أنغام أغنية الطابور.
وكيف لا تفعل ذلك، والأب في الجيش العربي، والأم في الأمن العام؟
أقولها من قلبي: أنا جدّ سعيد... وجدّ ممتن... وجدّ فخور.
لأن "ماسة"، حفيدتي الأولى، جعلتني أعيش الحياة من جديد، بحبٍ جديد، وعينٍ جديدة، وقلبٍ لا يشيخ.
وهذا الشيب الذي يكسو رأسي، وهذا الوقار الذي تراكم على ملامحي، لا أراهما نهاية... بل بداية أخرى.
بداية مليئة بالحكمة، بالنضج، وبأملٍ متجدّد.
فكل شعرة بيضاء تحمل قصة، وكل تجعيدة تخفي ضحكة أو دمعة، أما "ماسة"، فهي النور الذي يجعلني أرى هذا العمر تاجًا، لا عبئًا.
ومادام في القلب نبض، وفي اليدين حنان، فالعمر وإن طال... لا يزال جميلًا.يا ترى، كم بقي من العمر لنعيش مع "ماسة" هذه اللحظات الثمينة؟ وهل ستتذكر "ماسة" بهذه الأحداث كما أتذكر أنا الآن؟
لا أخفي عليكم، مشاعري في هذه اللحظة جياشة، ودمعتي نزلت بلا سابق إنذار، من فرط الحب والامتنان والحنين.
فالحياة تحمل في طياتها الكثير، لكن حضور "ماسة" جعل كل شيء أجمل، وأعطى للزمن معنى جديدًا يستحق أن يُحكى ويُتذكر.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.