تقرير: نتائج مشروع "مراكش الحاضرة المتجددة" غير متناسبة مع ميزانيته التي تفوق 630 مليار - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: تقرير: نتائج مشروع "مراكش الحاضرة المتجددة" غير متناسبة مع ميزانيته التي تفوق 630 مليار - تليجراف الخليج اليوم السبت 26 يوليو 2025 04:19 مساءً

خلص تقرير حقوقي بخصوص مشروع "مراكش الحاضرة المتجددة" الذي أعلن عنه سنة 2014 بميزانية تفوق حينها 6.3 مليار درهم، وعلى امتداد أكثر من عشر سنوات، إلى أنه دون نتائج متناسبة مع الأثر المالي والمؤسساتي المعلن.. بل خلص ذات التقرير إلى أن المشروع تحول من برنامج تنموي إلى واجهة سياسية انتخابية تخدم فقط "الماركوتينغ" السياسي، وأن غياب المحاسبة أدى إلى إهدار الزمن التنموي وتفويت فرص حقيقية على المدينة، كما أن ضعف التنسيق وتضارب التقارير ضلل الرأي العام وكرس غياب الشفافية، كما أن تقارير الإنجاز الرسمية لا تعكس الواقع، بل تخدم أجندات مؤسساتية اعتبرها التقرير مغلقة…

التقرير، والذي أصدرته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع المنارة مراكش بداية الأسبوع الجاري، وتوصلت "تليجراف الخليج" بنسخة منه، ليس الهدف منه - يؤكد أصحابه - التقييم التقني للمشروع، بل فضح اختلالاته البنيوية، وكشف تناقضاته مع المنظومة القانونية والمرجعيات الحقوقية الدولية، وتسليط الضوء على تمظهرات الفساد المؤسسي وتبديد المال العام، وانتهاك الحق في المشاركة، في السكن، في الصحة، في التعليم، في البيئة، وفي العدالة المجالية.

وبخصوص الملامح التقنية للمشروع ومحاوره المالية الدقيقة، فقد رُصِد له أزيد من 6.3 مليار درهم (630 مليار سنتيما) دون نشر التقارير المالية التفصيلية، بحيث أُعلن عن بناء 40 مؤسسة تعليمية، فيما المنجز فعليًا حسب التقرير 12 فقط (المتوقفة أو غير المنجزة: 28)، أما المؤسسات الصحية فالمعلن عنها مستشفيان ومركزان صحيان، أما المنجز فحسب التقرير صفر مؤسسة، فيما تم بالمقابل إغلاق مستشفى سعادة ويقي مستشفى القرب بالمحاميد غير مجهز. مشاريع الترميم شملت السور التاريخي، المدارس القرآنية، ساحة جامع الفنا، رياضات تقليدية، لكنها تعرضت للانهيار أو التشويه، يقول التقرير، أما مشروع الحافلات الكهربائية فتوقف بعد أشهر من التشغيل رغم تخصيص ميزانية له تفوق 100 مليون درهم.. التقرير تحدث عن تفويت أرض تابعة للمحطة الطرقية العزوزية لصالح شركة خاصة، وتفويت رياض تاريخي قرب قصر الباهية لإحدى المؤسسات السياحية، وكذا تفويت أراض لشركات عقارية متعددة…

المشروع، وحسب التقرير، دائمًا توزع على خمس محاور رئيسية: أولاً تثمين الموروث الثقافي بميزانية 1 مليار درهم، ويشمل ترميم الأسوار التاريخية، إحداث متاحف، تأهيل الزوايا والمدارس العتيقة. ثانيًا تحسين التنقل الحضري بميزانية 1.2 مليار درهم ويشمل تهيئة الطرق، ترحيل المحطة الطرقية، تنظيم السير والجولان، إدخال الحافلات الكهربائية. ثالثًا الاندماج الحضري بميزانية 2.25 مليار درهم وتشمل تأهيل الأحياء الهامشية، بناء مؤسسات تعليمية وصحية، فضاءات رياضية. رابعًا ترسيخ الحكامة الجيدة بميزانية 600 مليون درهم يشمل رقمنة الإدارة، عقلنة تدبير الممتلكات الجماعية، وتعزيز الشفافية. وخامسًا المحافظة على البيئة بميزانية 1.26 مليار درهم ويشمل التطهير السائل، تأهيل المطرح العمومي، توسيع المساحات الخضراء. وبخصوص نسب الإنجاز الرسمية وتناقضاتها فقد عرف برنامج "مراكش حاضرة متجددة" تفاوتًا كبيرًا في التصريحات المتعلقة بنسب الإنجاز (98٪ في الممرين السياحي والروحي، في المقابل يؤكد التقرير أن وزيرة إعداد التراب الوطني ورئيسة المجلس الجماعي صرحت بأن الإنجاز تجاوز 67٪ في ظرف عامين فقط، مع تعبئة مالية تفوق 15 مليار درهم، وهي قيمة تفوق بكثير الغلاف المالي الأصلي). أرقام - يواصل أصحاب التقرير - تتناقض بشكل صارخ مع الواقع الميداني، حيث لا تزال العديد من المشاريع متوقفة، والمرافق مغلقة، والأوراش لم تنطلق أساسًا. فالمسرح الملكي على سبيل المثال لم يشهد سوى ترميمات سطحية منذ انطلاق أشغاله في الثمانينيات، ومدينة الفنون الشعبية ظلت في حالة ركود، وغابة الشباب لم تستكمل، وساحة مولاي الحسن ظلت مهملة دون تجهيز.

من جهة ثانية، كشفت تقارير المفتشية العامة للمالية، وحسب التقرير، عن تضخيم واضح في نسب الإنجاز، ورفع معطيات مغلوطة إلى الجهات المركزية. التحقيقات أظهرت كذلك أن بعض المشاريع لم تتعد 50٪ رغم الإعلان الرسمي عن نسب تقارب 90٪.

التناقضات الرقمية تعكس غياب تقييم موضوعي ومستقل، إلى جانب تعدد المتدخلين وتضارب المصالح، ما أدى إلى توظيف الأرقام بشكل دعائي يخدم أهدافًا سياسوية أكثر من كونه تعبيرًا عن الواقع التنموي. وتعتبر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن نسبة إنجاز البرنامج أدنى من ذلك بكثير، خاصة إذا تم اعتماد مؤشرات دقيقة كالزمن، حيث كان من المفترض إنهاء البرنامج نهاية سنة 2017. وبناء عليه، فإن استمراره إلى اليوم مهما بلغت نسب الإنجاز الرسمية لا يمكن اعتباره سوى فشل تنموي، وهدر للزمن والمال العامين، ومؤشرًا على غياب النجاعة وسوء التسيير في ظل غياب المحاسبة والمراقبة القبلية والبعدية، يقول التقرير. كما يطرح البرنامج تساؤلات حول الشفافية، خاصة بعد واقعة تفويت بقعة أرضية في منطقة سيدي يوسف بن علي مخصصة لبناء ثانوية تأهيلية لأحد المنتخبين، قبل أن يتم استرجاعها عقب احتجاجات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، دون أن تتم محاسبة الجهات التي قامت بالتفويت. في حين أن اقتطاع نصف شارع الحسن الثاني وطريق الصويرة لفائدة الحافلات الكهربائية التي أطلقت بمناسبة مؤتمر "كوب 22"، ثم توقفت وعادت بشكل محدود، يعكس خللًا في التخطيط والمحاسبة.

التقرير أشار كذلك إلى أن أحد أكبر مزاعم مشروع "مراكش الحاضرة المتجددة" كان حماية التراث وتأهيل المعالم التاريخية، خاصة السور القديم للمدينة، الساحات والمباني ذات الرمزية الثقافية. لكن الملاحظات الميدانية والمعلومات التقنية التي رصدتها الجمعية تكشف عن خروقات جسيمة في التصاميم، المواد المستعملة، ومعايير التنفيذ. إذ تم استعمال الخرسانة المسلحة في ترميم أجزاء من السور التاريخي، خصوصًا في باب دكالة وباب الخميس، وهي مادة غير متجانسة مع البنية الأصلية للسور التي تعتمد على الطين والجير والحجر التقليدي. ما أدى - حسب أصحاب التقرير - إلى ظهور تصدعات وانهيارات بعد أول ارتجاج أرضي، فالترميمات تهاوت وبقاء الأصل الممتد عبر التاريخ هو دليل قاطع على ضعف الترميم وافتقاده للكفاءة (وسيادة ثقافة "البريكولاج") وعدم ملاءمته لخصائص البناء العتيق. هذا التناقض لا يمس فقط الجانب التقني، بل يعد انتهاكًا صريحًا لاتفاقية اليونسكو لحماية التراث، التي تلزم الدول باحترام المواد الأصلية والمعايير المعتمدة في الحفاظ على المعالم المصنفة تراثًا عالميًا. كما لم يتم، يضيف التقرير، إشراك المعهد الوطني لعلوم التراث ولا خبراء في التاريخ المعماري خلال إعداد التصاميم، وتم تفويت الصفقات إلى مكاتب دراسات غير متخصصة، والتي أنجزت دراسات دون أي خلفية علمية موثقة في مجال التراث. الجمعية وثقت أيضًا عدم احترام المسافات القانونية للبناء قرب السور، حيث ظهرت بنايات حديثة تلاصقه في أحياء سيدي أيوب والقصبة، بل تم تسجيل عمليات بناء فوق السور نفسه في بعض النقاط دون تدخل من السلطات الترابية. كما أن بعض المدارس القرآنية المرممة، مثل مدرسة ابن يوسف، تعرضت لتغيير في هندستها الداخلية، دون احترام الطابع المعماري الأصلي. كما أُدرجت رياضات تقليدية في البرنامج لتحويلها إلى فضاءات سياحية، لكنها انتهت كمطاعم أو مقاهي خاصة، مما يخل بالوظيفة الثقافية الأصلية للمرفق، ويكرس تحويل التراث العام إلى خدمة الربح الخاص.

الترميم في هذا المشروع، حسب التقرير، لم يكن أداة لحماية التاريخ، بل وسيلة لتجميل الواجهة وفتح المجال أمام المضاربات العقارية، في غياب الرؤية التوثيقية، واحترام المرجعية المعمارية، والالتزام بأخلاقيات الصيانة الحضرية. والجمعية تعتبر أن هذا الجزء من المشروع يشكل اغتيالًا منهجيًا لذاكرة المدينة، وتفكيكًا للمعنى الرمزي لأماكن كانت شاهدة على التاريخ المشترك للمدينة.

وفي ضوء ما رصدته الجمعية صاحبة التقرير من خروقات بنيوية في المشروع، وما نتج عنه من تراجع وتدهور في الخدمات العمومية، وانتهاك لحقوق الساكنة، وتبديد للمال العام، فإنها وضعت جملة من المطالب الحقوقية والمؤسساتية التي تشكل أساس أي إصلاح حقيقي وتصحح مسار المشروع وفقًا للمرجعيات الوطنية والدولية، من بينها:

المطالب القضائية والرقابية:

فتح تحقيق قضائي شامل ومستقل في كل مراحل المشروع، يشمل المحاور العمرانية، المالية، التقنية، البيئية، والمرافق الاجتماعية.

إخضاع المشروع لتدقيق مالي من طرف المجلس الأعلى للحسابات، ونشر تقرير مفصل حول النفقات، نسب الإنجاز، ومعايير الصرف.

المطالب التشريعية والمؤسساتية:

تعديل القانون التنظيمي للجماعات الترابية بما يلزم المؤسسات العمومية بإخضاع المشاريع الترابية الكبرى لنقاش داخل المجالس المنتخبة.

تقوية آليات الرقابة المدنية عبر فتح منصات تفاعلية لعرض تفاصيل المشاريع على العموم وتفعيل آلية التشاور الشعبي.

إلزامية إدراج مشاريع الدولة ضمن المساطر الرقابية المعلنة، وعدم إعفائها من المحاسبة أو النقاش المؤسساتي.

المطالب الحقوقية والمجالية:

إيقاف كل أشكال التفويت العقاري خارج القانون، واسترجاع العقارات المخصصة للمرافق العمومية التي تم تحويلها إلى مشاريع خاصة.

إعادة تأهيل المنازل المنهارة داخل المدينة العتيقة، وإطلاق برنامج استعجالي لإيواء الضحايا في ظروف تحفظ كرامتهم.

مراجعة كل المشاريع البيئية المغلقة، وإعادة فتح الحدائق، وتشغيل المرافق الخضراء، وإنشاء مرفق بيئي مستقل لمراقبة جودة الهواء والتوازن الإيكولوجي.

إعادة تشغيل مستشفى سعادة للأمراض العقلية، وإعادة الجراحة العامة إلى مستشفى بن تاشفين.

استكمال بناء المؤسسات التعليمية المبرمجة، وتجهيزها بما يضمن الحق في تعليم جيد ومتوازن لكافة الأطفال دون استثناء.

إصلاح منظومة النقل الحضري، وإعادة تشغيل الحافلات الكهربائية وفق دفتر تحملات واضح وشفاف، وإنشاء ممرات خاصة للتنقل الآمن.

مطالب تتعلق بالحق في المعلومة والمساءلة والإدارات المعنية:

نشر كل الوثائق المتعلقة بالمشروع، بما في ذلك الصفقات، العقود، نسب الإنجاز، والتقارير التقنية.

فتح حوار مؤسساتي مع الجمعيات والهيئات الرقابية حول مستقبل المشاريع الكبرى بالمدينة، واعتماد آلية مساءلة دائمة لكل من يدبر المال العام.

مطالب تتعلق بحقوق الهجرة واللجوء:

ورغم حضور فئة المهاجرين من جنوب الصحراء في المدينة، أو فئات أخرى من المهاجرين، سواء في إطار الهجرة القسرية أو الإقامة المؤقتة أو شبه الدائمة، فإن مشروع "مراكش الحاضرة المتجددة" - يواصل التقرير - أغفل إدماج هذه الفئات في تصوراته الاجتماعية، الثقافية، والإنسانية. وفي هذا الإطار، يؤكد على النقاط التالية:

غياب أية مرافق أو برامج موجهة خصيصًا لدعم إدماج المهاجرين من جنوب الصحراء، سواء من حيث الخدمات الصحية، التعليمية، الثقافية، أو الإدارية، بما يتناسب مع المقاربة الحقوقية الدولية المعتمدة في هذا المجال.

استبعاد هذه الفئة من الحق في الاستفادة من بعض الخدمات الأساسية رغم تواجدها الفعلي بالمدينة، مما يكرس مظاهر الإقصاء والتمييز غير المعلن.

ضرورة اعتماد مقاربة إنسانية حقوقية من طرف الدولة، تأخذ بعين الاعتبار الفئات غير المصنفة رسميًا ضمن السكان القارين، وخصوصًا في ما يتعلق بالحق في الكرامة الإنسانية والأمان الاجتماعي.

ويطالب فرع الجمعية الدولة بما يلي:

إدراج بعد الهجرة واللجوء في التخطيط الحضري والاجتماعي للمشاريع المماثلة، بما يعكس المرجعيات الدولية.

إحداث فضاءات استقبال ودعم قانوني وإنساني للمهاجرين، بشراكة مع الجمعيات الحقوقية والإنسانية.

تقوية شبكة الخدمات الاجتماعية والصحية بما يضمن استفادة الجميع دون تمييز أو إقصاء.