نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: اكتشافات أثرية غير مسبوقة بالمغرب - تليجراف الخليج اليوم السبت 26 يوليو 2025 08:14 مساءً
في اكتشاف أثري غير مسبوق، أعلن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث (INSAP) عن نتائج حملتي تنقيب واسعتين شهدتهما مدينة سجلماسة التاريخية خلال عامي 2024 و2025، وأسفرت عن معطيات وكنوز أثرية تعيد رسم صورة المدينة التي لعبت دورًا محوريًا في تاريخ المغرب وإفريقيا على امتداد أكثر من عشرة قرون.
الأبحاث التي أشرف عليها بداية الأستاذ لحسن تاوشيخت ولاحقًا الأستاذة أسماء القاسمي، جرت تحت قيادة فريق مغربي بالكامل، واعتُبرت الأوسع من نوعها منذ انطلاق أعمال التنقيب في الموقع ذاته خلال سبعينيات القرن الماضي، لتكشف النقاب عن جوانب عمرانية واقتصادية ودينية ظلت طيّ الكتمان لسنوات طويلة.
ومن بين أبرز ما جادت به أرض سجلماسة، اكتشاف أسس مجمّع ديني ضخم يضم مسجدًا يعود إلى عهد بني مدرار في أواخر القرن الثامن الميلادي، وتجاوزت مساحته 2600 متر مربع، ويتسع لنحو 2600 مصلٍّ، ما يجعله أقدم مسجد مؤرخ يتم اكتشافه في المغرب حتى الآن. وقد عرف هذا المسجد مراحل من الترميم والتوسعة خلال الفترات المرابطية والموحدية والمرينية، وصولًا إلى العهد العلوي.
الكنوز الفنية لم تغب عن الحفريات، حيث تم العثور على لقى جصية نادرة تميزت بزخارف نباتية وهندسية تعود للفترة المدرارية، وتُعد من أقدم الشواهد الفنية الإسلامية المعروفة بالمغرب. أما المدرسة العلوية، فكشفت عن مئات القطع الخشبية المزخرفة والمذهبة، والتي تعكس مستوى راقٍ من الصنعة الفنية في القرن الثامن عشر الميلادي.
وفي مفاجأة من العيار الثقيل، وضع الباحثون أيديهم على قالب خزفي يحتوي على آثار من الذهب، كان يُستخدم في صك الدينار الذهبي، وهو أول دليل مادي من نوعه على وجود دار سك النقود في سجلماسة، والثاني فقط على مستوى القارة الإفريقية بعد موقع تادمكة في مالي، في تأكيد إضافي على الأهمية الاقتصادية الهائلة للمدينة في القرون الوسطى.
الحفريات أماطت اللثام أيضًا عن حي سكني علوي متكامل، يتألف من 12 منزلًا بُنيت وفق تصميم موحد. وسمحت تحاليل أثرية دقيقة لبقايا نباتات وتمر وُجدت داخل غرف التخزين، بإعادة بناء صورة دقيقة عن نمط العيش والنظام الغذائي في هذه البيئة الصحراوية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وبمجموع مساحة تُقارب 9000 متر مربع، شملت الاكتشافات أجزاءً من النواة الحضرية للمدينة، من مبانٍ دينية وسكنية، إلى ورشات فنية وفضاءات جنائزية، في ما يشبه إعادة تركيب شاملة للمشهد العمراني لسجلماسة وتطورها عبر العصور.
المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث شدد على أن ما تم الكشف عنه يمثل نقطة تحول محورية في فهم تاريخ سجلماسة، المدينة التي كانت على مدى قرون نقطة التقاء بين المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وواحدة من درر تجارة الذهب والعلم والتبادل الثقافي. وأوضح المعهد أن تحاليل علمية مخبرية تجرى حاليًا على لقى أثرية أخرى، على أن يتم الكشف عن نتائجها لاحقًا، في ما قد يشكل فصلًا جديدًا في قصة مدينة كانت شاهدة على مراحل مفصلية من التاريخ المغربي والإفريقي.