روسيات يعانين مشاعر مختلطة في انتظار أزواجهن المحاربين بأوكرانيا - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

صورة المرأة المتفانية التي تنتظر زوجها في الحرب راسخة في الثقافة الروسية، وتضفي عليها لمسة رومانسية، بدءاً من أغاني الحقبة السوفييتية مثل (كاتيوشا)، وصولاً إلى أفلام الحرب التي تصور معاناة زوجات الجنود وصبرهن.

بينما كانت النساء في الحروب الماضية ينتظرن الرسائل المكتوبة بفارغ الصبر، يجرين اليوم مكالمات الفيديو ويتبادلن رسائل «واتس أب» مع أزواجهن المقاتلين في أوكرانيا.

ويفعل البعض ذلك بفخر، فيما البعض الآخر بخوف، وكثيرات منهن بمشاعر مختلطة يصعب عليهن التعبير عنها.

اليوم تعزز وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المحلية هذه الرواية عن الزوجات اللاتي ينتظرن عودة أحبائهن إلى ديارهم، والتي تشجع النساء على دعم أزواجهن دون تردد، لكن وراء هذه الصور المصقولة تكمن حقيقة معقدة.

تجارب

تحدثت ثلاث نساء لصحيفة «موسكو تايمز» عن تجاربهن كزوجات لجنود متعاقدين يخدمون في أوكرانيا، وكل واحدة منهن تدير مدونة على منصة «إنستغرام»، حيث تشارك أفكارها ومشاعرها مع آلاف المتابعين.

وتعكس وجهات نظرهن المتنوعة مجتمعاً يمجد الحرب ويخشاها في آنٍ معاً، إذ يشكل الانتظار مصدر فخر ومعاناة شخصية في الوقت نفسه، وتحدثن بشرط عدم الكشف عن هويتهن خوفاً على سلامتهن.

صوت واثق

في تومسك، تلعب (آنا - 27 عاماً)، دور زوجة ضابط بالتزام لا يتزعزع، ويخدم زوجها في أوكرانيا منذ سبعة أشهر، وعلى عكس الكثيرين، تتجنب (آنا) قراءة الأخبار.

وتقول: «لست بحاجة لمعرفة ما يحدث.. زوجي يخبرني بكل ما أحتاج معرفته»، وتضيف بصوت ثابت وواثق: «أنتظر مكالماته، وهذا يكفي».

بعد فترة وجيزة من ذهابه إلى ساحة المعركة، أطلقت (آنا) مدونة على «إنستغرام» لمشاركة قصص الصمود والفخر الوطني، وفي منشوراتها تكتب عن افتقادها لزوجها، لكن أيضاً عن الفخر الذي تشعر به لمعرفتها أنه «يدافع عن روسيا»، وعندما سئلت عمن يدافع عنه تحديداً، أجابت من دون تردد: «الروس في أوكرانيا».

وتقول: «كل ليلة، أشعل شمعة وأدعو له»، متابعة: «أؤمن من كل قلبي أن ما يفعله هو الصواب.. هذا الانتظار هو خط المواجهة الأول بالنسبة لي، واجبه هناك، وواجبي هنا».

وترى (آنا) انتظارها واجباً، تماماً كما ترى خدمة زوجها، وهي لا تعمل فدخل زوجها يكفيها، وبالنسبة لها أن تكون زوجة عسكري ليس مجرد دور.. بل هوية.

تتحدث (آنا) بإعجاب عن روسيا، واصفة إياها بـ«أفضل دولة في العالم»، وبالنسبة لها لا مجال للشك، بل الإيمان فقط.

نبرة استسلام

بالنسبة لـ(يوليا - 24 عاماً)، المقيمة في سانت بطرسبرغ، فإن التجربة مختلفة، حيث لم ترغب أبداً في أن يوقع زوجها عقداً مع الجيش.

وتقول بنبرة استسلام: «طلبت منه ألا يفعل ذلك، لكنه لم يستمع، أراد سداد قرضنا العقاري بشكل أسرع».

وقبل التحاقه بالجيش، عمل زوج (ليوليا) فنياً كهربائياً براتب 735 دولاراً شهرياً، وحصل على مكافأة قدرها 22 ألف دولار مقابل توقيعه العقد.

وتدير (يوليا) مدونة تحاول فيها الحفاظ على نبرة إيجابية، فتطلق النكات عن كونها «زوجة عسكري» وتنشر صوراً ساخرة، لكن خلف شخصيتها الافتراضية، تعاني (يوليا) «العبء العاطفي» الذي يفرضه عليها وضعها.

وتعترف قائلة: «أمزح بشأن الأمر عبر الإنترنت، لكنني أبكي في الليل، وأشعر بالرعب كلما رن الهاتف، وأخشى أن أتلقى مكالمة تخبرني بأنه قتل أو أصيب».

وتتذكر آخر محادثة لهما قبل رحيله: «أمسك وجهي بيديه وقال: هذا من أجلنا، من أجل مستقبلنا، لكن أي مستقبل سنحظى به إن لم يعد؟ أشعر أحياناً وكأنني أتدرب كيف أكون أرملة».

وتعترف (يوليا) بأنها تحاول فهم ما يدفع الرجال إلى الحرب، وتقول: «بالنسبة لهم، ربما يتعلق الأمر بالشرف، وربما يتعلق الأمر بطابع ذكوري عميق.. لا أدري، أحاول أن أكون داعمة، لكن الأمر صعب».

رغم مخاوفها، تشعر (يوليا) بأنها عالقة في دوامة الانتظار، فالحرب أمر لا يمكنها الفرار منه، مهما حاولت الحفاظ على «وهم الحياة الطبيعية».

معاناة شخصية

لم ترغب (ماريا - 31 عاماً) يوماً في أن يذهب زوجها إلى الحرب، وزواجهما، الذي بني يوماً على قيم مشتركة، اهتز من جذوره عندما غيّر موقفه من الصراع، وتقول بصوت مشوب بالمرارة: «كنا ضدها منذ البداية، حتى إننا فكرنا في الهجرة، لكن مع مرور الوقت غيّر موقفه».

وعندما وقّع زوجها عقداً عسكرياً شعرت (ماريا) بالدمار.

وتضيف: «انخرطنا في شجار حاد، وتوسلت إليه ألا يذهب، لكنه لم ينصت، والآن يسألني الناس في العمل: لماذا تركته يذهب؟ كما لو كان لدي خيار».

وبعد رحيله، أصيبت (ماريا) بالاكتئاب، وفي ذلك تقول: «أصبت بانهيار عصبي كامل، وأتناول الآن مضادات الاكتئاب».

قبل الحرب كان الزوجان يخططان لتكوين أسرة كبيرة، والآن تشعر بالارتياح لأنهما لم يفعلا، وتقول: «لا أستطيع تخيل تربية طفل في هذا الوضع، إنه لأمر مرعب». وأكثر ما يؤرق (ماريا) ليس الانتظار فحسب، بل ما يليه، وبصفتها طبيبة نفسية، تدرك الأثر العميق للحرب على النفس البشرية. عن «موسكو تايمز»


رموز للقوة والوطنية

لا تتشكل تجارب كل امرأة من زوجات الجنود الروس في أوكرانيا، فقط من خلال علاقاتهن الشخصية، بل أيضاً من خلال السرديات الأوسع التي تبنى حولهن، وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً حاسماً في الحفاظ على صورة الزوجة العسكرية المخلصة.

وتحتفي قنوات «تليغرام» المؤيدة للكرملين، ومؤثرو «إنستغرام»، بأولئك النساء، ويصورونهن كرموز للقوة والوطنية.

وبالمثل، تشجع المبادرات المدعومة من الحكومة، النساء على الثبات في دعمهن من خلال تنظيم فعاليات، بل وتوزيع أوسمة على زوجات العسكريين «المثاليات».

والتوقع واضح: عليهن الانتظار، وعليهن القيام بذلك بفخر، لكن خلف هذه الواجهة يعاني الكثيرون، وغالباً ما تترك الحوافز الاقتصادية، التي تدفع الرجال إلى التجنيد، عائلاتهم في حالة من الاضطراب العاطفي.

إن تمجيد الانتظار لا يترك مجالا للشك أو الخوف أو الحزن، وبالنسبة لزوجات يعارضن الحرب علناً، قد تكون العزلة لا تطاق.


حالة من الذعر

«ماريا » تعاني العزلة بسبب غياب زوجها. رويترز

تقول ماريا، زوجة أحد الجنود الروس في أوكرانيا: «أعرف ما يمكن أن يفعله القتال بالإنسان»، مضيفة: «الرجل الذي يعود - إن عاد - لن يكون الشخص نفسه الذي رحل، وأخشى العيش مع غريب يحمل وجه زوجي».

وتصف ماريا حالة زوجها أثناء مكالمة فيديو حديثة تركتها في حالة من الذعر: «كانت عيناه مختلفتين وغائرتين، كان يخبرني عن يومه كما لو كان يقرأ نشرة جوية، عندها أدركت أنني أفقده بالفعل، شيئاً فشيئاً».

وتسعى ماريا جاهدة لإلهاء نفسها، متجنبة الأخبار من زوجها كلما أمكن، ولم تعد تؤمن بقصة الحب التي ظنت يوماً أنهما كانا يتشاركانها.


عواقب نفسية

زوجات الجنود يحاولن التغلب على مشاعرهن. رويترز

أوضحت طبيبة نفسية مقيمة في موسكو، متخصصة في الصدمات النفسية، طلبت عدم الكشف عن هويتها لحساسية الموضوع: «هؤلاء النساء (زوجات الجنود الروس في أوكرانيا) يعانين من حزن متوقع، حزن على شخص لايزال على قيد الحياة، ويُملي عليهن المجتمع التحلي بالقوة، لكن إنكار هذه المشاعر قد يؤدي إلى عواقب نفسية وخيمة»، في حين أن الانتظار كان دائماً جزءاً من الحرب، إلا أنه في روسيا الحديثة يتم صقل الانتظار وتسويقه على أنه أمر يدعو إلى الفخر، لكن تحت السطح غالباً ما يكون الواقع مليئاً بالشك والخوف والفقد.

بينما تُشعل (آنا) شمعتها الليلية، وتُبدع (يوليا) منشوراً فكاهياً آخر، وتُحدق (ماريا) في وجه زوجها الذي يزداد غرابة عبر مكالمات الفيديو، وجميعهن مشاركات في ثقافة الانتظار هذه، تدفع كل منهن ثمن حرب لم تخترها لكنها مع ذلك قلبت حياتهن رأساً على عقب.

. وجهة نظر زوجات العسكريين المتنوعة تعكس مجتمعاً «يمجد» الحرب ويخشاها في آنٍ معاً.

. إحدى الزوجات: أشعر بأنني عالقة في دوامة الانتظار، فالحرب أمر لا يمكن الفرار منه.

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: روسيات يعانين مشاعر مختلطة في انتظار أزواجهن المحاربين بأوكرانيا - تليجراف الخليج اليوم الخميس 8 مايو 2025 03:31 صباحاً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق