تأملات في حالات العنف داخل المؤسسات التعليمية - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: تأملات في حالات العنف داخل المؤسسات التعليمية - تليجراف الخليج اليوم الاثنين 12 مايو 2025 03:29 مساءً

لا حديث هذه الأيام يعلو على حديث الإعتداءات التي طالت و تطول رجال و نساء التعليم من أساتذة و إدارة تربوية ، و لا يكاد يمر يوم دون سماع حادثة تهجم على أحد الأطر العاملة بالمؤسسات التعليمية من كل الأطياف " تلاميذ، آباء، أمهات ...." و كأن فضاء المدارس أصبح حلبة للمصارعة و ترندا جديدا لمن أراد الشهرة و لو كانت عكسية، و شعارهم أو الذي يشجعهم على ذلك هو معرفتهم المسبقة بأن " حرمة المدرسة في المغرب مستباحة". لنصل في النهاية إلى مشهد مقتل الأستاذة " رحمها الله" على يد طالب من طلابها. لم ينته الأمر عند هذه الحالة فقط لأن الحالات لازالت مستمرة لحد هذه اللحظة .

     آخر ما أتحفتنا به الصفحات الفيسبوكية هو صور فيديو الاحتفال بعودة التلميذ الذي تهجم على أستاذه بشيشاوة لتكون القشة التي قسمت ظهر المدرسة المغربية في قيمها الأخلاقية ، و بالنسبة للتلاميذ كانت " الكرزة فوق قطعة الحلوى" .

     ألهذا الحد وصلت دناءة البعض؟ الأستاذ -حرصا على مصلحة التلميذ- تنازل عن حقه في المتابعة ليكون جزاؤه على تسامحه الضرب في قيمته الإعتبارية. مهما حاولنا إخفاء الحقيقة المرة في هذه اللقطة التي أسالت مدادا كثيرا دون مراعاة لحالة الأستاذ النفسية ، الحقيقة دون مواربة أو تجميل الرسالة التي أوصلها التلاميذ لكل الناس عبر صفحات الفضاء الأزرق واضحة المعاني وتقول : لقد انتصرنا عليكم.

  ما الذي أوصلنا لهذه الحالة من التردي الأخلاقي؟ الأسباب كثيرة و متشعبة و لا يمكن إجمالها في مقال بسيط ، فمن تخلي الأسرة عن مسؤوليتها في تربية أبناءها و تغول وسائل التواصل الاجتماعي ، انفراط عقد التعاقد المجتمعي الذي كان قديما بين الأسرة و المدرسة و اعتبارهما مكملين لبعضهما و ليستا عنصري تصارع كما يحدث الآن، و تغير القيم المجتمعية على الصعيد العالمي و ليس فقط المحلي، و انتشار الترندات الغريبة و التحديات المجنونة، وحب الشهرة و الخيلاء المزعومين.......و غيرها من الأسباب ، إلا أنه من المؤكد أن الأمر الجلل في كل هذا هو نسيان هذه القاعدة التربوية البسيطة: " من أمن العقاب ، أساء الأدب".

   لن أتكلم عن مذكرة الوزير "بلمختار" التي يحلو للبعض تسميتها ب"مذكرة البستنة"، لأن الواضح أن سلبياتها أكبر من إيجابياتها، و لن أتجادل مع أي كان في كون أن العقاب البدني مرفوض رفضا قاطعا و لا يمكن تبريره تحت أي مسمى ، لكن لكل ذنب مرتَكَب ، يجب أن تقابله عقوبة مناسبة. و في مجتمع لم يقض على الأمية بصفة نهائية و يعتقد بل يؤمن أن خدمة الصالح العام كعقوبة تأديبية هي فرصة للهروب من القسم و الإبتعاد عن القيام بالواجبات المدرسية لا غير ، تعتبر العقوبات التربوية البديلة مضيعة للوقت و وسيلة بلهاء للقضاء على العنف الممارس داخل المؤسسات التعليمي كما لا ننسى أن الخدمة التي سيقوم بها قد لا تكون متوفرة أصلا في مؤسساتنا التعليمية التي فضاءاتها الإسمنتية أكبر من فضاءاتها الخضراء.

    لذا ما الحل للقضاء أو على الأقل التقليل من هذه الظواهر المشينة في مجتمعنا؟

  الحلول كثيرة و متعددة ، لكن الإرادة السياسية غير متوفرة لكننا سنطرح بعض الحلول عسى أن تجد آذانا صاغية

أولا: لا للتنازل عن متابعة كل معتد على حرمة المؤسسات التعليمية و الأطر العاملة داخلها، و على الوزارة أن تتخل طرفا في الموضوع و إن تنازل الطرف المعتدى عليه ، لان الأمر يمس هنا القيمة الإعتبارية للوزارة و ليس فقط العاملين داخلها.

و لنا في واقعة الإعتداء على القائد و العقاب الذي طال الفتاة و أسرتها عبرة و غيرها أمثلة عديدة كان أبطالها رجال الداخلية و السلطة، لم يتم التساهل مع المعتدين ،فكانت النتيجة أن حوادث الإعتداء على رموز السلطة صارت قليلة، و ستزداد قلة مع بداية تطبيق الفصل 507 الجنائي. لأن " بنادم كاموني" .

ثانيا: تفعيل حقيقي ل" القانون الداخلي للمؤسسة" . الجميع في قطاع التعليم يعلم أن هناك عملية بسيطة لا تحتاج إلا لتفعيل حقيقي و إعطاء حرية أكبر للمؤسسات التعليمية في اتخاذ القرارات التأديبية ،و تتمثل في " القانون الداخلي للمؤسسة". والكل يعلم أنه في كل مؤسسة تعليمية يوجد قانون داخلي يصادق عليه مجلس التدبير ، لكن لا يتم العمل به في غالبية المؤسسات لأنه يحتاج لتدابير قانونية معقدة، لذا يبقى هذا القانون الداخلي فقط شكليا دون سلطة فعلية.

  هذا القانون يجب أن يكون مكتوبا في مداخل كل المدارس ، يقرؤه و يعرفه جميع المرتفقين، يحدد بوضوح حقوق وواجبات كل فئة، و يلتزم المتعلمون بالمصادقة عليه من طرف أولياء أمورهم، وتحدد فيه العقوبات المنتظرة في حالة خرق إحدى بنودها ، حتى لا تكون الأمور متروكة للمزاجية و الأهواء. لا تحتاج فيه إلى كثرة المتدخلين لأن الأمور محسومة منذ البداية. و هنا لن نقتصر على العقوبات فقط ، بل حتى المكافآت و الجوائز في حالة الانخراط الفعال و النشيط في أنشطة المؤسسة و المساهمة في إشعاعها من خلال خلق منافسة شريفة بين التلاميذ هدفها رفع سقف راية التحدي في العلم أو الرياضة أو الفن أو الأدب..... بدل المنافسة في تحديات تصل بصاحبها إلى السجن مرات و إلى الموت في أحين أخرى.

  ثالثا: عبارة" مصلحة التلميذ فوق كل اعتبار" يجب أن تمحى من القاموس، لأن مصلحة الوطن هي التي فوق كل اعتبار، صحيح أننا لن نترك أي طفل وراءنا ، لكن لن نترك إلا من لديه فعلا الرغبة في التأهيل ، أما من يبحث عن المشاكل أو يشوش على بقية التلاميذ فمكانه ليس المدرسة ، فلن نضيع حقوق قسم كامل إرضاء لتلميذ لا يستحق . التعليم حق لكل مواطن "مدى الحياة" لكن في المقابل الاحترام للمؤسسة التي ستوفر لك هذا الحق واجب مقدس.

   رابعا: معاقبة المواقع الإلكترونية و الصحافة الصفراء التي تستغل سذاجة بعض التلاميذ و تنشر تصريحاتهم على واقع التواصل الاجتماعي و التي تضرب في جميع القيم الأخلاقية من خلال التشجيع على الغش ، و القول بأن لا فائدة من الشواهد المدرسية و الجامعية لأن المصير المحتوم هو البطالة و تشجيع بعض الأمهات على الخوض في أعراض الأساتذة الذين أصبحوا متهمين إلى أن تثبت براءتهم ، لأن الوضع فعلا أصبح لا يطاق.

   لن أطيل في مقالي هذا ، لأن الحلول متعددة و يجب أن تنخرط فيه كل عناصر المجتمع ، يد واحدة في ميدان التربية لن تصفق ، فهل لدينا فعلا الرغبة في مد يد العون و المساعدة في حل هذا الإشكال أم أن الأيادي ستشارك فقط في خنق المدرسة و الإسراع في الإعلان عن وفاتها؟

 

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق