الإشكالات "عنوان" انتخابات الشمال وعكار... كيف تفسَّر نِسَب الاقتراع؟! - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: الإشكالات "عنوان" انتخابات الشمال وعكار... كيف تفسَّر نِسَب الاقتراع؟! - تليجراف الخليج ليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 05:18 صباحاً

بعكس السلاسة التي طبعت ​الانتخابات البلدية​ والاختيارية في جولتها الأولى في محافظة جبل لبنان، على الرغم من الانتهاكات والتجاوزات التي اعترتها، بدت الجولة الثانية من هذه الانتخابات في ​الشمال وعكار​ "فوضوية" إن صحّ التعبير، وهو ما تجلّى في حجم الإشكالات الأمنية التي سُجّلت على خطّها، والتي استدعت تدخّل ​الجيش والقوى الأمنية​ لفضّها وإعادة الوضع إلى طبيعته، وهو ما أدّى إلى "تعليق" العملية الانتخابية في مراحل عدّة.

صحيح أنّ الأجواء العامة لهذه الانتخابات "تفاوتت" بين المناطق في محافظتي الشمال وعكار، كما "تفاوتت" أيضًا المعارك التي شهدتها، سواء أخذت شكلاً إنمائيًا أو عائليًا أو سياسيًا، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ الهاجس الأمني هيمن عليها، حتى لو لم تخرج الأمور عن السيطرة بالمُطلَق، وسط تداول لأخبار وفيديوهات أثارت القلق، بين اعتداء على جندي، وطعن مواطن، وتهديدات متبادلة بالقتل، وكلّ ذلك لأسباب ودوافع انتخابية وسياسيّة محض.

رغم ذلك، لم تكن هذه الإشكالات الأمنية والمتفلّتة كافية لضرب ​الاستحقاق الانتخابي​ في جوهره، على الرغم من حساسيّتها وأهميتها، إذ لم تكد تقفل صناديق الاقتراع حتى أعلن رئيس الحكومة ​نواف سلام​ النجاح في تنظيمها رغم كلّ التحدّيات، مشدّدًا على أنّ وزارة الداخلية استجابت بصورة فوريّة للشكاوى التي وردتها، ومتعهّدًا بملاحقة كل المتورطين في الإشكالات والاشتباكات، وكذلك أولئك الذين تمّ توقيفهم بتهم دفع رشى انتخابية.

وبمعزل عن "مستوى" النجاح التنظيمي الذي قد تتضارب الآراء بشأنه، ثمّة نقطة أخرى أثارت الجدل لدى الكثير من المتابعين، تتمثّل في نسب الاقتراع، التي جاءت أقلّ من تلك التي سُجّلت في انتخابات العام 2016، على الرغم من أنّ الحوافز كان يفترض أن تكون أكبر، في ظلّ المتغيّرات التي طرأت على المشهد خلال السنوات التسع الفائتة، فكيف تفسَّر هذه النسب عمليًا، وكيف يمكن تقييم العملية الانتخابية بالمطلق، وماذا عن التحديات التي تفرضها؟!.

في المبدأ، يقول العارفون إنّ الحكومة تجاوزت بصورة أو بأخرى "القطوع الانتخابي" الثاني، في محافظتي الشمال وعكار، على الرغم من كلّ التحديات، ومن كلّ الثغرات، وربما المخاطر التي أحاطت به، والتي تبقى "معقولة" إلى حدّ بعيد، فضلاً عن أنّها لا تخرج عن سقف التوقعات، علمًا أنّ أقصى المتفائلين كان يتوقّع أن تعجز الحكومة عن تنظيم هذه الانتخابات، أو أن يكون التنظيم "هشًّا" إلى أقصى الحدود، في حال إنجازها أساسًا.

قد تكون الإشكالات والاشتباكات الأمنية "أخطر" ما شهدته هذه الانتخابات، ولا سيما أنّها كادت تخرج عن السيطرة في أكثر من مكان، إلى حدّ الاضطرار إلى إخلاء أحد المراكز مثلاً لاحتوائها، لكنّ العارفين يشيرون إلى أنّ الأجهزة الأمنية استطاعت أن تتصدّى لهذه الإشكالات بطريقة أو بأخرى، ما حال دون تفاقمها، ما كان يمكن أن يؤدي إلى "الإطاحة" بالاستحقاق الانتخابي برمّته، خصوصًا في ضوء الاحتقان السياسي والطائفي.

وفي السياق نفسه، يسجّل للحكومة تحقيق ما يمكن اعتباره "إنجازًا أمنيًا"، من خلال توقيف عدد من المشتبه بهم بدفع رشى انتخابية، بعدما تمّ التداول بفيديوهات توثّق حصول مثل هذه العمليات، علمًا أنّ هذه الظاهرة لا تُعَدّ طارئة ولا مستجدّة على المشهد الانتخابيّ، لكنّه قوبل بحزم سياسي وأمني قلّ نظيره، وهو ما استتبعه رئيس الحكومة بالتأكيد على ملاحقة الموقوفين قانونيًا، وهو ما يفترض أن يشكّل رسالة واضحة الدلالات لجميع المعنيّين.

وبعيدًا عن الهواجس الأمنية، يمكن القول إنّ الانتهاكات والتجاوزات التي سُجّلت في انتخابات الشمال وعكار أتت مشابهة لتلك التي سُجّلت في انتخابات جبل لبنان، ولو أنّ المأمول كان أن تأخذ وزارة الداخلية العبرة، فتتفادى إعادتها، ويندرج ضمن ذلك مثلاً استمرار الارتباك والضعف لدى هيئات أقلام الاقتراع، وكذلك تكرار بعض المشكلات التنظيمية، سواء على المستوى اللوجستي، أو على مستوى طريقة تثبيت المعازل.

وكما في الجولة الأولى من الانتخابات، بقي "خرق" الصمت الانتخابي وسرية الاقتراع في صدارة هذه الانتهاكات، وقد تكون الصورة التي نشرتها الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات لاقتراع النائب طوني فرنجية خير دليل على ذلك، وقد جمعت الخرقين على طريقة "عصفورين بحجر"، فالمعزل كان مثبّتًا بطريقة مكشوفة، سمح بتصويره بكلّ بساطة، وهو لم يجد حرجًا في التقاط صورة له، وهو يكشف خياره الانتخابي على العلن.

لكن، أبعد من كلّ هذه المشاكل الأمنية واللوجستية، والثغرات الإدارية ربما، ثمّة علامات استفهام تُطرَح في السياسة، حول نسب الاقتراع مثلاً، التي رأى كثيرون أنّ "تدنّيها" يعطي رسالة سلبيّة، ويدحض بالتالي كلّ حديث عن "نجاح تنظيمي"، وعن "عرس انتخابي"، وإنما يعكس "قلّة اكتراث" الناس باستحقاق كان يفترض أن يشكّل أولوية أولوياته، بالنظر إلى الدور المفترض للمجالس البلدية في تحسين الواقع الحالي، وتطويره على أكثر من مستوى.

هنا، تتفاوت وجهات النظر، فهناك من يرى مثلاً أنّ نسب الاقتراع قريبة من تلك التي سُجّلت في العام 2016، وبالتالي فهي ليست منخفضة إلى الحدّ الذي يمكن معه الحديث عن "مقاطعة"، أو حتى عن "تصويت سلبي"، علمًا أنّ عوامل كثيرة تلعب دورًا في هذا التراجع، من بينها حالة الضبابية التي أحاطت بالانتخابات، واعتقاد كثيرين، خصوصًا من المغتربين، أنها ستؤجَّل، ما حال دون عودتهم إلى الوطن مثلاً، من أجل المشاركة في التصويت.

في المقابل، يعتقد البعض أنّ نسبة الاقتراع يفترض أن تقرع "جرس الإنذار" بما تحمله من رسالة سلبيّة، خصوصًا أنّ هذه الانتخابات كان يفترض أن تحمل معها "نَفَسًا جديدًا"، وهي التي تأتي بعد تسع سنوات على آخر انتخابات، وبعد أحداث "دراماتيكية"، أبرزها الانهيار المالي والاقتصادي، من دون أن ينعكس ذلك زيادة في نسبة الاقتراع، لإيصال مجالس بلدية تعكس فعلاً حقيقة التمثيل الشعبي، ما قد يفسَّر أيضًا رفضًا لـ"تسييس" المعركة.

في النهاية، يمكن القول إنّ "القطوع الانتخابي الثاني" مرّ بصورة أو بأخرى، لكنه يرسم بين طيّاته المزيد من التحدّيات، سواء على مستوى الجولتين المقبلتين، في بيروت والبقاع، وفي الجنوب، أو على مستوى "ما بعد" الانتخابات، وفيما يتعلق ببدء التحضيرات للانتخابات النيابية المنتظرة في العام المقبل، انتخابات تدرك القوى السياسية أنّ ظروفها لا تشبه ظروف الانتخابات البلدية، لكنها تتعامل مع الأخيرة بوصفها "بروفا" يمكن البناء عليها!.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق