نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: غويانا.. من أفقر دولة إلى الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم - تليجراف الخليج اليوم الأحد 18 مايو 2025 06:10 مساءً
إعداد - موسى علي
تشهد غويانا تلك الدولة الصغيرة المحصورة بين البرازيل وفنزويلا وسورينام، تحولاً اقتصادياً غير متوقع أذهل حتى أكثر المشككين، فبعد أن كانت تُعد من أكثر الاقتصادات ضعفاً في القارة، أصبحت اليوم من بين أسرع الاقتصادات نمواً في العالم.
قبل عشر سنوات فقط، كانت غويانا بلداً يُهاجر منه السكان بحثاً عن فرص أفضل في دول الجوار، أما اليوم، فقد بدأ هذا المسار يتغير، حيث يعود المهندسون والفنيون والشباب المهرة للاستفادة من الطفرة التي تشهدها البلاد في قطاع النفط.
وبحسب صندوق النقد الدولي، شهدت غويانا نمواً اقتصادياً مذهلاً بمتوسط سنوي بلغ 47% منذ عام 2022، وفي عام 2024 وحده حقق اقتصادها قفزة بنسبة 58%، مدفوعاً بشكل رئيسي بالزيادة الكبيرة في إنتاج النفط، الذي بلغ حالياً 650 ألف برميل يومياً، بعد أن كان معدوماً تماماً في عام 2019.
ناتج غير مسبوق
ربما تكون الأرقام والعناوين مثيرة، لكنها قد تعطي انطباعاً مضللاً ما لم توضع في سياقها الصحيح، فمن المتوقع أن تتجاوز غويانا الولايات المتحدة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي المعدل وفقاً لتعادل القوة الشرائية، وهو مقياس يأخذ في الاعتبار القدرة الشرائية الفعلية للمواطن، وقد يُقدَّر هذا الرقم بنحو 90 ألف دولار للفرد خلال هذا العام، ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن نمط حياة المواطنين قد أصبح مماثلاً لنمط الحياة في الولايات المتحدة.
لا يبقى جزء كبير من عائدات النفط داخل غويانا، إذ يُعاد ضخ معظمها إما كمكاسب للمساهمين في الشركات متعددة الجنسيات أو يُعاد استثماره في القطاع النفطي نفسه.
ومع ذلك، اتخذت الحكومة خطوة استراتيجية بإنشاء صندوق للثروة السيادية تجاوزت قيمته بالفعل 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وتدرك حكومة غويانا تماماً أن النفط وسيلة للنهوض، لكنه لا يُعد ضمانة للمستقبل.
ولهذا السبب، وجهت الحكومة جزءاً من عائدات النفط نحو تطوير قطاعات أساسية كالصحة والتعليم والبنية التحتية، مستهدفة استثمارات طويلة الأجل ومستدامة، وقد حظيت هذه السياسات بإشادة مباشرة من صندوق النقد الدولي، الذي أثنى على التزام غويانا بالانضباط المالي وتفادي تراكم الديون، وهو أمر نادر الحدوث في الدول التي تمر بفترات ازدهار مفاجئة.
الاقتصاد غير النفطي
لم يعد النمو في غويانا مقتصراً على قطاع النفط وحده، فمن المتوقع أن يسجل الاقتصاد غير النفطي نمواً بنسبة 13% خلال عام 2025، مع توقعات باستمراره في النمو بمعدل سنوي يبلغ نحو 6.75% حتى عام 2030.
وفي قارة غالباً ما لم تنعكس فيها الثروات الطبيعية على رفاهية الشعوب، تسير غويانا في مسار مختلف، حيث تركز على الشفافية، والتنويع الاقتصادي، والاستثمار المدروس، وقد أشاد صندوق النقد الدولي بالجهود المبذولة في تعزيز الحوكمة، ومكافحة الفساد، وتطبيق استراتيجية اقتصادية متوازنة تجمع بين الطموح والاستقرار.
وقال كينجي أوكامورا، نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي: "تستعد غويانا لجني ثمار ثروتها النفطية بفضل إدارتها الفعالة والإصلاحات الهيكلية المدروسة بعناية".
تحديات اجتماعية وعمالية
رغم الأداء الاقتصادي القوي والأرقام المثيرة للإعجاب على المستوى الكلي، إلا أن غويانا لا تزال تواجه عدداً من التحديات المهمة، فقد أدى النمو السريع إلى نقص في العمالة الماهرة، مما دفع العديد من الشركات إلى التوجه نحو الأسواق الخارجية للبحث عن الكفاءات.
وتوضح تيفاني بالجوبين، وهي مدربة غوص في العاصمة جورج تاون: "الطلب على الأيدي العاملة مرتفع جداً، لكن هناك قصور في برامج التدريب المحلي، الكثير من الشركات تفضل توظيف الغيانيين، لكنها غالباً ما تعجز عن العثور على الأشخاص الذين يمتلكون المهارات المطلوبة".
وعلى الرغم من أن معدل التضخم لا يزال منخفضاً نسبياً عند 2.9%، إلا أن الاعتماد الكبير على النفط كمصدر رئيسي للنمو يطرح مخاطر محتملة، لا سيما إذا شهدت أسعار النفط تقلبات حادة أو تأثرت الأسواق بأزمات جيوسياسية.4o
تجربة تدرّس
ما تشهده غويانا اليوم يلفت أنظار المجتمع الدولي، من صندوق النقد الدولي إلى شركات الاستشارات والجامعات، حيث تُدرَس تجربتها كنموذج واعد لكيفية تحويل الثروات الطبيعية إلى تنمية مستدامة، ويشبه مسارها، إلى حد ما، تجربة النرويج، التي نجحت في تسخير عائدات النفط لتمويل نظام رعاية اجتماعية قوي وضمان ادخار مستقبلي للأجيال القادمة.
ويبقى السؤال المحوري الآن: هل ستتمكن غويانا من الحفاظ على التوازن بين النمو السريع والاستقرار طويل الأمد؟، فإذا استطاعت تحقيق ذلك، فإنها لن تكون فقط أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، بل ستُسجل أيضاً كواحدة من الدول القليلة التي أحسنت استغلال فرصة تاريخية نادرة بأقصى قدر من الحكمة والفعالية.
0 تعليق