حين يبتلع الصمت صوت الحياة - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: حين يبتلع الصمت صوت الحياة - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء الموافق 20 مايو 2025 01:49 مساءً

 في عمق الصحراء، حيث الغياب أقسى من الغربة، وقف رجلٌ يشبه الشجر اليابس، لا ظل له إلا أملٌ يتكئ على الانتظار. هناك، عند بركة ماءٍ لم تعد تغري أحداً بالحياة، جلس والد هيثم، صامتًا كصبر الأنبياء، مُنهكًا كأن الأيام استنزفت ما تبقى منه.

هيثم... ذاك الفتى الذي خرج ذات صباح ولم يعد. لم يكن يسعى إلى مغامرة، بل إلى نجدة. ناقةٌ علقت في السيل، وها هو بقلبه النقي يمدّ يده لها، فإذا بالماء يبتلع صوته، وخطاه، وابتسامته التي لم تكتمل.

مرت الأيام، ولم يظهر هيثم. ستة عشر يومًا والسماء تمطر أسئلة، والأرض تبتلع الأجوبة. في كل زاوية من تلك البقعة المنسية، تفتش العيون عن أثر، وتُشنّ حملات بحث لا تهدأ، لكن الأب... الأب ظلّ وحيدًا في حربه مع الغياب.

لم يكن يحتاج إلى كثير من الكلمات، قالها مرة:

"أريده، ولو جثة، لأمنحه حقه الأخير في الوداع."

أي جملة هذه؟ كم وجعًا يكمن بين حروفها؟ أي أبٍ هذا الذي يُكلم الريح، ويراقب البركة وكأنها بوابة بين عالمين، أحدهما حيث الحياة، والآخر حيث هيثم؟

عشرات الغطاسين، آليات جاءت من البحر الميت، أناس طيّبون، ومشاعر صادقة... لكن شيئًا من ذلك لم يكن كافيًا ليوقف نزيف القلب. فكيف تواسي أبًا يرى البركة تسلب منه كل لحظةٍ من حياته؟ كيف تخفف عن أمٍ تنتظر على العتبة، تحمل فنجان القهوة البارد، كأنها تحفظ رائحته في الهواء؟

هيثم لم يكن فقط فتى من الحسا، لقد أصبح وجهًا من وجوه الشجاعة. طفلٌ غاب، لكنه علّم الكبار أن الفداء لا يُقاس بالعمر، بل بنُبل القلب.

وفي المساء، حين تهدأ الأصوات، لا يبقى سوى الأب والبركة. يجلس كما الأمواج، لا يرتفع ولا ينكسر، فقط... ينتظر.

يخاطب الغياب، يتوسل للقدر، ويبكي بصمت الرجال.

ربما يعود هيثم، أو لا...

لكنّه، بلا شك، ترك اسمه محفورًا في صخرة الزمن، وكتب بغيابه قصةً لا تُنسى... عن الوفاء، عن الأبوة، وعن وجعٍ يشبه الخلود.


نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق