العبودية الحديثة في صعيد مصر .. واقع صادم... - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: العبودية الحديثة في صعيد مصر .. واقع صادم... - تليجراف الخليج اليوم الاثنين 2 يونيو 2025 02:54 صباحاً

العبودية لا تزال حية في صعيد مصر .. رغم إلغاء العبودية رسميًا في مصر منذ عهد الخديوي إسماعيل، إلا أن بعض العائلات الكبرى في صعيد مصر ما زالت تمارس شكلًا من أشكال العبودية الحديثة، في إطار تقاليد موروثة تسير بهدوء وخفاء، بعيدًا عن أعين القانون.

واقع صادم وغير مُعترف به رسميًا من قبل الدولة المصرية، ولكنه قائم بصور متعددة، تتقاطع مع مفاهيم اجتماعية بالية ترى في "العبد" خادمًا موروثًا، لا يستحق التحرر لأنه هو من اختار هذه الحياة بمحض إرادته، بحسب السرد المتداول داخل تلك المجتمعات.

العبودية بالوراثة: اتفاق غير مكتوب

العبيد في بعض قرى ومراكز الصعيد لا يُنظر إليهم كضحايا، بل كأفراد اختاروا استمرار الخدمة لعائلات أسيادهم، متبعين نمط حياة موروث من الآباء والأجداد. أحدهم يقول: "أنا عندي 42 سنة وسيدي عنده 29، بخدمه لأن ده اللي اتربيت عليه، أبويا خدم أبوه وجدي خدم جده"، الخدمة هنا لا تتعلق بأجر أو عقد عمل، بل بعلاقة قائمة على الولاء المطلق، يتوارثها الأبناء كما يتوارثون لون البشرة أو الاسم العائلي، حين تسألهم عن السبب، يقولون: "احنا اتولدنا كده وهنكمل كده".

من العبيد إلى “العبيد الجدد”

ورغم انتهاء تجارة الرق رسميًا، فإن ممارسات أشكال العبودية لم تنتهِ فعليًا. في تقرير "مؤشر العبودية العالمي 2023"، يتبين أن هناك خمسين مليون شخص يعيشون كعبيد حول العالم، من بينهم نحو 518 ألف شخص في مصر وحدها، معظمهم في محافظات الصعيد، هؤلاء لا يُباعون ويُشترون كما في الماضي، لكنهم يعيشون تحت وطأة أنظمة سيطرة غير مباشرة، أشد تعقيدًا من الأغلال.

العبودية “بموافقة” الطرفين

أحد الجوانب المثيرة للجدل أن العبد لا يُجبر على الخدمة في الظاهر، بل يقول إنه اختارها. سيده لا يدفع له أجرًا، لكنه يوفر له المسكن، الطعام، والملبس، بل ويتكفل بكافة تكاليف زواجه وتعليم أولاده، وإن قرر العبد الزواج، فإن شريكة حياته غالبًا ما تكون من ذات الطبقة – أي عبدة – وتخدم زوجة السيد، الطفل الناتج عن هذا الزواج، يُتوقع منه بدوره أن يخدم نسل السيد في المستقبل. علاقة عبودية ذات طابع “عائلي”، لكنها غير إنسانية بأي حال.

قوانين اجتماعية صارمة تمنع التمرد

العبد في هذه المجتمعات لا يتمرد على سيده، لأنه إن فعل، فمصيره سيكون النبذ والطرد من القرية بأكملها، لا يملك بيتًا أو أرضًا أو دخلًا، وإذا طُرد يفقد كل شيء. لذلك، يبقى في خدمة سيده، حيث يجد الأمان، وإن كان مقيدًا. البعض يقول إن سيده قد يكون رحيمًا، لكن العلاقة غير متكافئة من الأصل، بل تُمثّل نموذجًا للعلاقات الطبقية المغلقة، القائمة على التراتبية القسرية.

بين كرامة العبد و"هيبة" السيد

أحد الملامح اللافتة في هذه الظاهرة أن كرامة العبد تُعد من كرامة سيده، حسب التقاليد المتوارثة. فإن أهانت عائلة أخرى عبدًا تابعًا لإحدى العائلات الكبرى، تُعدّ الإهانة موجهة للعائلة نفسها، ما قد يتسبب في اشتعال خلافات قبلية قد تتطور إلى نزاعات عنيفة. في المقابل، العبد نفسه مستعد أن يموت دفاعًا عن سيده، لأنه يرى فيه مصدر رزقه وحياته.

العبودية الحديثة: بين الجهل والفقر والقبول

معظم من يصنفون كعبيد في هذه المناطق يتميزون ببشرة سمراء، وأصولهم ترجع إلى مناطق الحبشة، وجنوب السودان، وأواسط أفريقيا، وفقًا للعديد من الدراسات التاريخية، مناطق مثل أسيوط وسوهاج كانت مراكز لتجارة العبيد، ومن هنا استمر التوارث الطبقي، خاصة في ظل تفشي الجهل والفقر، وعدم وجود وعي مجتمعي أو قانوني كافٍ للتصدي لهذه الظاهرة.

ماذا لو أراد العبد التحرر؟

في حالات نادرة، يُقرر بعض العبيد ترك هذه الحياة والانفصال عن أسيادهم. بعضهم اتجه إلى التعليم، وساعدهم أسيادهم على ذلك. لكن الغالبية لم تفعل، إما لأنهم لم يجدوا بديلًا مناسبًا، أو لأن التقاليد كانت أقوى من رغبتهم، العبد الذي يتمرد لا يواجه فقط سيده، بل يواجه مجتمعًا بأكمله لا يعترف بحريته، بل قد يراه خائنًا لما اعتاد عليه.

ماذا يمكن أن نفعل؟

طرحت إحدى أستاذات علم النفس بجامعة مصرية سؤالًا جوهريًا: كيف نساعد هؤلاء؟ وأجابت بأنه من الصعب تقديم حلول مباشرة في ظل غياب الاعتراف الرسمي بالمشكلة، ورفض المجتمع الاعتراف بأن هذه الممارسات عبودية، المطلوب، من وجهة نظرها، هو تدخل تدريجي قائم على التعليم، ونشر الوعي، وتفعيل القوانين المعطلة، مع فتح تحقيقات جدية في ممارسات التوريث الاجتماعي لهذه العلاقات.

عبودية بلا أغلال لكنها قائمة

العبودية في صعيد مصر لا تحمل نفس الملامح التاريخية القديمة، لكنها لا تزال قائمة. إنها عبودية بمسميات حديثة: خدمة، ولاء، عرف، موروث، لكنها في النهاية انتهاك صريح للكرامة والإنسانية، ورغم أن العبد لا يُباع في سوق، إلا أنه يعيش حبيس نظام اجتماعي يحرمه من تقرير مصيره، ويضع حريته رهن إرادة من وُلد ليكون سيده.

العبودية في مصر، صعيد مصر، عبودية حديثة، عبيد الصعيد، مؤشر العبودية العالمي، تجارة العبيد في أسيوط، العبودية الوراثية، عبيد القرن الحادي والعشرين، مظاهر العبودية في المجتمع المصري، العبودية في سوهاج، حقوق الإنسان في مصر، العبودية الاجتماعية، العبودية في العالم العربي، الخدمة بدون أجر، العبودية في القانون المصري، الخدم في الصعيد، استعباد حديث

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق