نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: فتح المجال الجوي.. إستعادة سيادة الدولة السودانية - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025 01:24 صباحاً
بقلم – إبراهيم عدلان
في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد، تزداد الحاجة الملحة للتخطيط الفوري والمدروس لإعادة فتح المجال الجوي السوداني، كجزء حيوي من استعادة سيادة الدولة، وإنعاش الاقتصاد، وتسهيل حركة النقل الإنساني والتجاري. إن فتح المجال الجوي ليس مجرد إجراء تقني، بل عملية معقدة تتطلب جاهزية فنية، وبنية تحتية سليمة، وكوادر بشرية مؤهلة، إضافة إلى إجراءات تنسيق إقليمي ودولي دقيقة.
هذا المقال يستعرض أبرز المتطلبات، التحديات، والفرص المتعلقة بفتح الأجواء السودانية، مع التأكيد على أهمية التحرك الاستباقي – لا الانتظار حتى نهاية الحرب – لضمان الجاهزية بمجرد توفر الحد الأدنى من الاستقرار
أولاً: ضرورة الإسراع في تأهيل أجهزة الملاحة الجوية
من دون بنية تحتية فاعلة لأنظمة الملاحة الجوية، مثل أجهزة VOR، DME، ILS، الرادارات الثانوية والبديلة (ADS-B)، لا يمكن تحقيق عمليات طيران آمنة ومنضبطة. لذلك، من الضروري الإسراع في تقييم الأعطال والأضرار التي لحقت بهذه الأنظمة، والشروع في إصلاحها أو استبدالها فورًا. التأخير في هذه الخطوة سيترتب عليه:
- استمرار فقدان السيطرة على المجال الجوي.
- عدم قدرة السودان على استيعاب رحلات عبور تجارية أو إنسانية.
- تأخر استعادة الإيرادات السيادية الناتجة عن خدمات الملاحة الجوية.
ثانيًا: أهمية تأهيل الكادر الفني والبشري
حتى مع اكتمال البنية التحتية، فإن غياب الكوادر المؤهلة يعني العجز عن تشغيلها. كثير من المراقبين الجويين، مهندسي الرادارات، والفنيين تعرضوا للنزوح أو الانقطاع القسري. عليه، يجب البدء فورًا بـ:
- تنظيم برامج تدريب طارئة ومكثفة داخل وخارج السودان.
- إعادة ترخيص واعتماد الكفاءات السابقة بعد تقييم مستوياتهم.
- الاستفادة من الدعم الفني الدولي في برامج التأهيل السريع (ICAO، IATA، COSCAP/AFI).
ثالثًا: أهمية تركيب رادارات أولية لتعزيز السيطرة والسيادة
الرادارات الأولية (Primary Surveillance Radars) تمثل عنصرًا أساسيًا في فرض السيطرة الجوية. على عكس الرادارات الثانوية التي تعتمد على استجابة الطائرة، فإن الرادار الأولي يتيح كشف الأجسام الطائرة دون الاعتماد على تعاونها، ما يجعله ضروريًا لـ:
- فريق التحرير الطائرات غير المعلنة أو العدائية.
- تأمين المجال الجوي في الحالات الطارئة والاضطرابات.
- تعزيز قدرات الدفاع الجوي الوطني والتكامل مع الجهات العسكرية.
- تركيب رادارات أولية في مواقع استراتيجية مثل الخرطوم، الأبيض، بورتسودان، دنقلا، ونيالا، يجب أن يكون من أولويات المرحلة القادمة.
رابعًا: ضرورة توقيع اتفاقات مسبقة مع الشركات المصنعة
من الخطأ الاستراتيجي الانتظار إلى ما بعد الحرب لبدء التفاوض مع الشركات المصنعة لمعدات الملاحة والرادارات. معظم هذه الشركات تعمل وفق سلاسل تصنيع وجداول زمنية طويلة، وأي تأخير في الاتفاق يعني:
- فقدان أولوية السودان في التوريد.
- دخول البلاد في تنافس مع دول أخرى على نفس الموارد.
- تعطل خطة فتح الأجواء لعدة أشهر بعد استقرار الوضع الأمني.
لذلك، من الحكمة توقيع مذكرات تفاهم (MoUs) أو خطابات نوايا (LoIs) مع الشركات المتخصصة من الآن، لتأمين الإنتاج المسبق، وتحديد المواصفات المطلوبة، وتحضير البنى الفنية اللازمة للتركيب.
خامسًا: تقييم تجربة الفتح الجزئي شرقي البلاد
الفتح الجزئي الذي تم في الأجواء الشرقية (حول مطار بورتسودان) يمثل تجربة ميدانية مفيدة، لكنها تحتاج إلى تقييم مؤسسي معمق يشمل:
- فحص مدى كفاءة الخدمات المقدمة للملاحة الجوية والاتصالات.
- مراجعة مدى تكامل هذا الجزء مع مراكز المراقبة في الدول المجاورة.
تحليل الإيجابيات (مثل استئناف بعض الرحلات والعبور) مقابل السلبيات (مثل العجز عن مراقبة الطائرات العابرة بدقة كاملة).
وبناءً على هذا التقييم، يجب إعادة النظر في تصميم المجال الجوي السوداني نفسه، فالهيكل الحالي الذي يقسم الأجواء إلى شمال وجنوب لم يعد مناسبًا. من الأجدى اعتماد هيكل ثنائي الارتفاع على النحو التالي:
- Upper Airspace (FL245 فما فوق): للملاحة الجوية العابرة والمسافات الطويلة.
- Lower Airspace (FL245 فما دون): للرحلات الداخلية والرحلات منخفضة الارتفاع.
هذا التصميم أكثر مرونة، ويطابق التوجهات الحديثة في إدارة المجال الجوي، ويسهل التحكم بالتدفق الجوي (Air Traffic Flow Management) في حالات الطوارئ.
سادسًا: الفتح التدريجي للمجال الجوي في إطار خطة وطنية متكاملة
من غير الواقعي توقع فتح المجال الجوي بشكل كامل ومباشر، لذا يجب أن تتم العملية بشكل تدريجي ومنضبط، بدءًا بالممرات الجوية الإنسانية، ثم التجارية، مع التوسع وفق تقييمات السلامة الجارية. ومن المهم هنا:
- إصدار NOTAMs دقيقة.
- تحديث البيانات الملاحية في منشورات الطيران.
- التنسيق مع الدول المجاورة ومراكز المراقبة الإقليمية.
خاتمة: فرصة لاستعادة السيادة وترميم الثقة الدولية
إن إعادة فتح المجال الجوي ليست فقط ضرورة تشغيلية، بل هي أيضًا رمز لعودة الدولة السودانية إلى الساحة الدولية. ولكي تتم هذه الخطوة بفعالية، يجب أن تنطلق الآن عمليات التحضير الفني، والتخطيط المؤسسي، والتفاوض اللوجستي دون انتظار.
الجاهزية لا تُبنى بعد انتهاء الحرب، بل تُبنى خلال فترات الترقب، لأن من لا يستعد في الوقت الصعب، لن يكون مستعدًا في الوقت المناسب.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق