مع تطورات جديدة بحيرة قارون.. واقع مؤلم وحلم قومي بقيادة الإرادة السياسية، نقدم لكم كل ما تحتاجون إلى معرفته بشكل شامل ودقيق عن هذه التطورات ليوم الأربعاء 4 يونيو 2025 09:46 مساءً
في قلب الصحراء الغربية، حيث تلامس رمال الفيوم مياه التاريخ، تنبض بحيرة قارون كجوهرة عتيقة في تاج الطبيعة المصرية. هذه البحيرة، التي طالما تغنّى بها الجغرافيون والمؤرخون، أصبحت اليوم في قلب معركة حيوية تتعلق بأحد أخطر وأهم الملفات القومية: الأمن الغذائي.
تتجه الدولة المصرية، بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وعلى رأسه الثروة السمكية، كجزء من استراتيجية شاملة للأمن القومي. لم يعد الهدف مجرد سد الفجوة الغذائية، بل التحول إلى دولة منتجة ومُصدّرة، قادرة على تلبية احتياجات الداخل والانفتاح على أسواق خارجية واعدة. وفي هذا الإطار، تبرز بحيرة قارون كأحد الأركان المحورية لهذه الرؤية الطموحة، لكنها في المقابل، تواجه تحديات جسيمة تهدد قدرتها على النهوض بهذا الدور الوطني.
لقد تعرضت البحيرة في العقود الأخيرة لعدة مشكلات متراكمة، كان أبرزها التلوث الناتج عن الصرف الصناعي والزراعي، الأمر الذي أدى إلى تدهور نوعية المياه وزيادة ملوحتها إلى مستويات غير مسبوقة، ما تسبب في نفوق جماعي للأسماك وتراجع التنوع البيولوجي بشكل ملحوظ. كما ساهم ضعف البنية التحتية حول البحيرة في تفاقم هذه المشكلات، مما انعكس سلبًا على الإنتاج السمكي ومعيشة آلاف الأسر التي تعتمد على البحيرة كمصدر رئيسي للدخل.
ومن وجهة نظري الشخصية، أرى أن مشكلة بحيرة قارون ليست بيئية فقط، بل هي في جوهرها انعكاس لنمط من التعامل مع الموارد الطبيعية يفتقد أحيانًا إلى الاستدامة والتخطيط طويل المدى. ما يحدث في بحيرة قارون يتجاوز مجرد تلوث مائي، بل يُجسد إهمالًا تاريخيًا لتكامل السياسات البيئية مع السياسات التنموية، ولذلك فإن أي حل ناجح يجب أن يكون متعدد الأبعاد ويأخذ في اعتباره الإنسان والبيئة والاقتصاد معًا.
رغم قتامة المشهد، إلا أن الأمل لم يُنتزع بعد. بل على العكس، فقد بدأت الدولة بالفعل في اتخاذ خطوات جادة لإعادة تأهيل البحيرة ودمجها في منظومة البحيرات الكبرى الجاري تطويرها على مستوى الجمهورية. الرؤية ترتكز على أساس علمي وبيئي، يشمل تنقية المياه، ومنع الصرف غير المعالج، وتحسين نوعية الحياة البيولوجية في البحيرة، بالتوازي مع إدخال تقنيات متقدمة في الاستزراع السمكي تعتمد على التكثيف والإنتاج المستدام.
إنني أؤمن أن بحيرة قارون يمكن أن تصبح نموذجًا مصريًا ناجحًا في استعادة الموارد المتدهورة وتحويلها إلى مصادر للثروة القومية، إذا تم دعمها بمشروعات حقيقية ومتابعة دورية، وتفعيل الرقابة على المصانع والمزارع التي تصرف مخلفاتها في المياه دون معالجة. كما أن إشراك المجتمع المحلي في خطط التطوير سيكون مفتاح النجاح؛ لأن سكان المنطقة ليسوا عبئًا بل شركاء حقيقيون في عملية التنمية.
ضمن هذه الجهود، يبرز دور البحث العلمي والتكنولوجيا، حيث تعمل الجامعات والمراكز البحثية بالتنسيق مع الجهات التنفيذية على إيجاد حلول مبتكرة لمشكلة ملوحة المياه، واقتراح أنواع من الأسماك المتكيفة مع الظروف البيئية المستجدة. هذا التوجه لا يقتصر على الإنتاج فقط، بل يشمل منظومة متكاملة من التعبئة، والتغليف، والنقل، والتسويق، وصولًا إلى فتح آفاق التصدير.
إن أي نجاح في مشروع تنموي بحجم إعادة تأهيل بحيرة قارون يجب أن يكون له بعد قومي استراتيجي. فالهدف لا يقتصر على تحسين إنتاجية البحيرة، بل يتسع ليشمل الإسهام في أمن غذائي مستدام، وتقليل الفجوة الاستيرادية، ودعم الاقتصاد الوطني في وقت باتت فيه الموارد الطبيعية عنصرًا حاسمًا في معادلة البقاء والنمو للدول.
في خطابه الأخير حول الأمن الغذائي، أشار الرئيس السيسي إلى أن مصر لا ينبغي أن تكتفي باستيراد الأسماك، بل يجب أن تُصبح دولة مصدّرة، مستندة إلى بحيراتها الطبيعية وقدراتها البشرية. بحيرة قارون، في هذا السياق، ليست مجرد مساحة مائية، بل رمز لإرادة دولة قررت أن تبني أمنها الغذائي بنفسها، على أسس علمية وتنموية صلبة.
ختامًا، أرى أن إنقاذ بحيرة قارون ليس فقط واجبًا بيئيًا أو اقتصاديًا، بل واجب وطني وأخلاقي تجاه الأجيال القادمة. فكل موجة ترتطم بشاطئها، تحمل رسالة واضحة: أن المياه قد تكون ملوثة اليوم، لكنها تحمل في أعماقها وعدًا بمستقبل أكثر صفاءً وازدهارًا، فقط إذا أحسنا استثمارها وأخلصنا النية نحو وطن يستحق الأفضل دائمًا.
للحصول على تفاصيل إضافية حول بحيرة قارون.. واقع مؤلم وحلم قومي بقيادة الإرادة السياسية - تليجراف الخليج وغيره من الأخبار، تابعونا أولًا بأول.
0 تعليق