حذر تربويون وقانونيون من الآثار السلبية للتنمر الرقمي بين طلبة المدارس، مؤكدين أنه يهدّد الصحة النفسية للمراهقين ويترك آثاراً عميقة على الضحايا، ويؤدي إلى تدهور أدائهم الأكاديمي والاجتماعي، خصوصاً عندما يتضمن تشهيراً وصوراً ورسائل مسيئة للضحايا المستهدفين.
وفي هذا السياق، كشف مركز الفجيرة للإحصاء عن إحصائية صادرة عن قسم الرعاية المجتمعية، اطلعت «الإمارات اليوم» عليها، تُظهر أن 12 فتى من المنتسبين إلى القسم متهمون بجرائم تقنية المعلومات خلال العام الماضي.
وتفصيلاً، قال خبراء تربويون وقانونيون لـ«الإمارات اليوم» إن الخلافات الإلكترونية بين طلبة المدارس تتسبب في ضغوط نفسية كبيرة على المستهدفين، وقد تؤدي إلى تدهور أدائهم الأكاديمي والاجتماعي، وسط صعوبة بالغة في إثبات التجاوزات، خصوصاً مع لجوء المعتدين إلى التخفي وراء أسماء مستعارة، أو حذف المحادثات من تطبيقات مثل «واتس أب»، ما يصعّب على الضحية حفظ حقوقه، وإثبات الضرر الواقع عليه.
فيما روت ولية أمر طالبة في الصف السابع، المواطنة (أم محمد)، قصة ابنتها التي تعرضت لمضايقات متكررة من زميلتها عبر «واتس أب» بعد عودتها من المدرسة، قائلة: «كانت ابنتي تتلقى يومياً رسائل مزعجة من صديقتها، تتضمن عتاباً وانتقادات متكررة، وعندما قررت قطع علاقتها بها، تحولت الرسائل إلى تهديدات وسباب، كانت الطالبة المعتدية تحذفها سريعاً، لكن ابنتي احتفظت بالمحادثات الأخرى كدليل».
وأضافت: «بدأت الفتاة تتهم ابنتي بأنها هي من تبادر بالإساءة، على الرغم من أن الرسائل الأولى التي تثبت العكس تم حذفها، وتطور الأمر بينهما إلى اعتداء جسدي داخل المدرسة انتهى بتوقيع تعهد بعدم تكرار الأمر، على الرغم من أن القضية بدأت من خلاف بسيط وأسباب تافهة».
كما قالت ولية أمر طالب في الصف التاسع، المواطنة (أم عبدالله)، إن ابنها تعرض لسخرية عبر مجموعة من الطلبة في فصله على تطبيق «واتس أب»، بعد سوء فهم بسيط وقع خلال إحدى الحصص الدراسية، وتبين أن أحد الطلاب عمل ملصقات ساخرة (ستيكرات) باستخدام صور ابنها، وتداولها مع زملائه، ما أثّر في حالته النفسية، خصوصاً أن ثقته بنفسه تراجعت بشكل واضح.
وأضافت: «تواصلتُ مع إدارة المدرسة فوراً، ولاقت شكوانا تجاوباً سريعاً، حيث فتحت لجنة سلوكية تحقيقاً في الواقعة، وتم اتخاذ إجراء تأديبي بحق الطالب المتسبب»، مؤكدة أن المعلمين احتووا ابنها وأخذوا بيده وشجعوه، وأوضحوا له أنه لا ينقصه شيء، وأن من يلجأ إلى التنمر الرقمي هو الذي يعاني نقصاً حقيقياً، مشيرة إلى أن دعم المدرسة لعب دوراً كبيراً في استعادة ثقة ابنها بنفسه.
شجارات خطرة
من جانبها، قالت مديرة مدرسة حكومية، عائشة الزيودي: «إن طبيعة الخلافات بين الطلبة قد تبدو بسيطة أو ناتجة عن أسباب تافهة، لكنها سرعان ما تتطور إلى شجار فعلي داخل المدرسة، أو حتى إلى إساءة رقمية عبر قنوات التواصل الاجتماعي»، موضحة: «بحكم أنني أدير شؤون الطلبة منذ أكثر من 10 سنوات، ألاحظ أن الخلافات بين الطلاب لم تعد تتوقف عند حدود المدرسة، بل تمتد إلى العالم الافتراضي».
وأكدت الزيودي أن بعض الطلاب يستخدمون منصات التعليم الإلكتروني أو البوابات الذكية خلال الحصص الدراسية عن بُعد لشتم بعض زملائهم، أو يتجاوزون أكثر بصناعة محتوى ساخر أو مسيء عبر وسائل التواصل، مشيرة إلى أن الشجارات الإلكترونية قد تكون خطرة، لكونها تُدرج ضمن العقوبات القانونية المشددة، إضافة إلى تدخل أولياء الأمور أحياناً بطريقة منحازة، خصوصاً إذا كان هناك قرابة بين الطلبة المتشاجرين.
وأوضحت الزيودي أن المدارس تعتمد على آليات تربوية لمعالجة النزاعات، وهي تشكيل لجان سلوكية برئاسة رئيس شؤون الطلبة ومرشدين أكاديميين متخصصين، ولا يقتصر دورهم على الدعم الأكاديمي، بل تعديل السلوك وتأهيل الطلبة، ودعم جودة حياتهم داخل المدرسة وخارجها.
وبيّنت أنه عند رصد أي مخالفة سلوكية، يتم تطبيق «اللائحة السلوكية»، بحيث تبدأ بتوعية الطالب المخطئ ونصحه أول مرة. وفي حال تكرار السلوك، تطبق عليه لائحة السلوك المعتمدة من وزارة التربية والتعليم، والتي تتدرج من الخصم من درجات السلوك إلى توقيع تعهّد، أو حتى النقل التأديبي لمدرسة أخرى في الحالات المتكررة.
وأشارت إلى أن بعض المخالفات قد تصل إلى الدرجة الخامسة وفق لائحة السلوك المحدثة للعام الماضي، والتي تم تشديدها لتتماشى مع قوانين الدولة الجديدة، وتشمل التنمر الإلكتروني والمشاجرات التي يتم تقييمها من قبل الإدارة، مبينة أن الطالب في هذه الحالة قد يتعرض للفصل النهائي، ورفع الموضوع إلى الشؤون القانونية في الوزارة لاتخاذ القرار الحاسم الذي قد يصل إلى تحويل قضيته إلى المؤسسات القانونية، والتي قد يصل فيها الطالب المسيء في نهاية الأمر إلى «الرعاية المجتمعية للأحداث».
وقالت: «ولي الأمر أحياناً يستهين بالمسألة، أو يتعامل بانحياز مع أبنائه دون ترسيخ القيم السليمة لديهم، وقد يتورط بعض أولياء الأمور كذلك، عبر تسجيلات صوتية أو رسائل على مجموعات (واتس أب) تُفاقم المشكلة بدلاً من حلها».
وأكدت أن المدرسة بيئة تربوية تتعامل مع طبيعة بشرية مختلفة، وخلافات قد تنشأ فجأة لأسباب بسيطة، لكنها قادرة - عبر التشريعات والتدابير التربوية - على إعادة تقويم السلوك، وحماية الطلبة من الانزلاق إلى دوامات العنف اللفظي أو النفسي، سواء داخل المدرسة أو عبر المنصات الافتراضية.
معالجة الخلافات
من جانبها، أكدت المستشارة التربوية، بدرية الظنحاني، أن معالجة الخلافات بين الطلبة، سواء داخل المدرسة أو عبر وسائل التواصل، يجب أن تبدأ من غرس القيم منذ الصغر، وتدريب الطلبة على إدارة الخلافات بشكل حضاري، بدلاً من تصعيدها عبر الإساءة اللفظية أو الرقمية.
وأضافت: «بعض الطلبة يفتقرون للمهارات الاجتماعية لحل النزاعات، ويلجأون إلى التشهير عبر وسائل التواصل بطريقة تسيء لهم وللآخرين، ما يؤدي إلى أضرار نفسية طويلة الأمد»، داعية إلى تنفيذ برامج تربوية مكثفة في المدارس، تركز على التوعية الرقمية ومخاطر التنمر الإلكتروني، وتعزيز ثقافة التسامح وقبول الآخر.
إدانة قانونية
وفي السياق ذاته، أوضح المستشار القانوني، راشد الحفيتي، أن القانون الاتحادي بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية يتعامل بصرامة مع أي شكل من أشكال الإساءة الرقمية، سواء عبر إرسال رسائل نصية تتضمن تهديدات أو شتائم، أو تركيب صور مفبركة للإساءة إلى الآخرين، أو نشر محتوى مسيء يهدف إلى التشهير أو النيل من سمعة شخص آخر.
وأكد أن الجرائم الإلكترونية لم تعد تُعامل بتهاون، خصوصاً إذا ثبت أن الجاني استخدم التقنية للإساءة المتعمدة أو للإضرار بسمعة الغير، مشيراً إلى أن قيام الطلبة بمثل هذه الأفعال - حتى وإن اعتقدوا أنها نوع من المزاح أو ردّ الفعل الطائش - قد يؤدي إلى إدانتهم بموجب القانون، وتسجيل سابقة جنائية بحقهم، ما يؤثر في مستقبلهم الأكاديمي والمهني.
توثيق الأدلة
دعا المستشار القانوني، راشد الحفيتي، الطلبة وأولياء أمورهم إلى عدم التقليل من شأن أي واقعة تنمر إلكتروني أو إساءة عبر وسائل التواصل، بل المبادرة فوراً إلى توثيق الأدلة، مثل تصوير الشاشة أو حفظ التسجيلات والمراسلات المسيئة، وتقديمها للجهات المختصة كإدارة المدرسة، أو الجهات القانونية، لضمان اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وحفظ الحقوق.
كما شدد على أهمية التوعية المسبقة، مشيراً إلى أن بعض المدارس بدأت تتعاون بشكل مباشر مع وحدات الشؤون القانونية والجهات الأمنية المختصة، بمجرد الاشتباه في وقوع مخالفات جسيمة على منصات التواصل، ما أسهم في رفع مستوى الردع بين الطلبة، وتعزيز الشعور بالأمان الرقمي داخل البيئة المدرسية.
عائشة الزيودي:
. تطبيق اللائحة السلوكية المعتمَدة من وزارة التربية والتعليم عند رصد أي مخالفة بين الطلبة.
بدرية الظنحاني:
. يجب تدريب الطلبة على إدارة الخلافات بشكل حضاري، بدلاً من تصعيدها عبر الإساءة اللفظية أو الرقمية.
. 12 فتى من المنتسبين إلى قسم الرعاية المجتمعية في الفجيرة، متهمون بجرائم تقنية المعلومات.
نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: تربويون وقانونيون يحذرون: التنمر الرقمي يُهدّد الصحة النفسية للطلبة - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025 11:37 مساءً
0 تعليق