نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: أمريكا في سوريا.. رسائل متعددة بتكتيك خفض البصمة - تليجراف الخليج اليوم الخميس 5 يونيو 2025 01:00 صباحاً
لم يكن قرار واشنطن تقليص وجودها العسكري في سوريا مفاجئاً، بالنظر إلى سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب الأكثر انشداداً للداخل الأمريكي. كما أنه يأخذ بالاعتبار التغيرات الجذرية في المنطقة، وعلى رأسها التغير في سوريا نفسها، حيث انتقلت من نظام مناهض للولايات المتحدة والغرب إلى نظام قريب منهما.
وفي الوقت نفسه يمكن القول إن إعلان المبعوث الأمريكي توماس باراك عن تقليص عدد القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا من ثمانٍ إلى واحدة، منسجم كذلك مع التحول المرتبط برؤية جديدة لدور أمريكا خارج حدودها، من دون أن يعني ذلك الانكفاء، إذ إن ترامب نفسه كثيراً ما يكرر عبارة «قيادة أمريكا للعالم».
هذا يعني أن قرار تقليص الوجود العسكري يحمل في طياته إشارات مركبة تعكس حسابات جيوسياسية دقيقة. ورغم أنه قد يُقرأ كرسالة انسحاب، فإن واشنطن، بحسب خبراء، تسعى من خلال هذه الخطوة إلى إرسال رسائل متعددة.
أقل انخراطاً
مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية (CSIS)، قدم قراءته للقرار في تقرير ورد فيه «أن القرار يعكس تحولاً نحو نمط من التدخل منخفض البصمة، عالي الدقة».
ويضيف: «الرسالة لروسيا وإيران أن الولايات المتحدة ستواصل مراقبة خطوط الإمداد وتوجيه الضربات إذا اقتضى الأمر، وإن كانت أقل انخراطاً على الأرض.
ولتركيا، فإن قاعدة التنف، جنوب شرق سوريا، ستبقى شوكة في خاصرة مشروعها في سوريا.
أما لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، فالرسالة تحذيرية: لم تعد الحماية مطلقة ولا مجانية».
وتشير مصادر أمنية إلى أن القاعدة الوحيدة التي ستبقى على الأرجح هي قاعدة التنف، نظراً لموقعها الحيوي على المثلث الحدودي مع العراق والأردن.
وتُستخدم القاعدة كمركز استخبارات متقدم لرصد التحركات الإيرانية ومراقبة طرق الإمداد.
يقول اللواء المتقاعد إليوت هاميلتون، المستشار السابق في وزارة الدفاع الأمريكية: «الحفاظ على قاعدة واحدة لا يعني الانسحاب، بل هو أشبه بإبقاء إصبع على الزناد مع سحب اليد من المقبض مؤقتاً».
القرار يتجاوز كونه إجراءً لوجستياً أو مالياً، ويعكس ميلاً إلى تخفيف الالتزامات في مناطق لم تعد ضمن قائمة الأولويات الجيوسياسية، إذ إن التحديات الداخلية والكثير من الاستحقاقات تدفع واشنطن إلى خفض بصمتها الخارجية، مع الاحتفاظ بأدوات الردع عن بُعد.
فراغ القوة
وقد يثير هذا الانسحاب الجزئي سؤالاً مفاده: من سيملأ الفراغ؟ روسيا تبدو الأكثر تأهباً لذلك، بينما تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها في الشرق السوري.
وفي المقابل، تقف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في موقف هش، إذ تخسر تدريجياً مظلة الحماية الأمريكية من دون أن تنجح في بناء تفاهمات مستقرة مع دمشق أو موسكو، وفي ظل توتر مع أنقرة.
وكما أشارت الباحثة جينيفر كافارينو من معهد كارنيغي فإن واشنطن على ما يبدو تتجه نحو تبني نمط التمركز العسكري منخفض الكلفة، والاعتماد على الضربات الدقيقة والشراكات الاستخباراتية، من دون التورط في إدارة الأرض مباشرة.
القرار الأمريكي بتقليص القواعد في سوريا لا يعني نهاية النفوذ، بل بداية إعادة رسم قواعد اللعبة.
ورغم أن التموضع الجديد قد يوفّر مرونة لواشنطن، إلا أنه يضع الحلفاء أمام معضلات أمنية وسياسية، تجعل من المرحلة المقبلة في شرق الفرات أكثر هشاشة وتعقيداً.
0 تعليق