كيف غيّرت أفلام هيتشكوك مفهوم السينما؟ - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: كيف غيّرت أفلام هيتشكوك مفهوم السينما؟ - تليجراف الخليج اليوم الجمعة 13 يونيو 2025 08:00 مساءً

لطالما كانت السينما وسيلة فنية تتيح للمبدع أن يعبر عن أفكاره ومشاعره، ولكن عندما نتحدث عن ألفريد هيتشكوك، فإننا نواجه ظاهرة استثنائية استطاعت أن تعيد تعريف مفهوم السينما وتغير أساليبها بشكل جذري.

كان هيتشكوك بمثابة نقطة تحول حاسمة في تاريخ الفن السينمائي، حيث أضاف إلى صناعة الأفلام أبعاداً جديدة، جعلت المشاهد يعيش تجربة نفسية عميقة، لم تكن معروفة من قبل.

أول ما أحدثه هيتشكوك هو مفهوم الإثارة والتوتر. لم يكن يكتفي بتقديم مشاهد درامية أو مرعبة بشكل مباشر، بل كان يبني جداراً من التوتر التدريجي، يُحكم فيه على الجمهور أن يعيش حالة من القلق والترقب المستمر، وكأنه جزء من الحدث نفسه.

كانت قدرته الفريدة على استغلال النفس البشرية، من خلال بناء مشاهد تزداد شدتها تدريجياً، تشبه إلى حد كبير فنون الصيد النفسي، حيث يزرع في عقل المشاهد هواجس وخيالات تتصاعد، حتى تصل إلى ذروتها، ثم تتركه في حالة من الارتياح المؤقت، وكأنه خرج من اختبار قاسٍ ومرهق.

لكن هل كانت أفلام هيتشكوك مجرد أدوات في إثارة الرعب والتشويق، أم كانت تتضمن أيضاً تحليلاً نفسياً دقيقاً لطبائع الإنسان؟ من خلال بعض من أشهر أفلامه، مثل سايكو، والنافذة الخلفية، والطيور، يظهر بشكل واضح أنه كان يضع في قلب عمله فلسفة عميقة، تتعلق بالطبيعة البشرية، بتركيبتها المعقدة من الرعب، والقلق، والشك، والخوف من المجهول، فهذه الأفلام ليست فقط قصصاً مرعبة، بل استكشافات نفسية تطرح أسئلة وجودية عميقة حول السلطة، والسيطرة، والهوية.

والمطلع على أفلام هيتشكوك يجد نفسه أمام فن لا يقتصر على تقديم لحظة صادمة، بل يتعداه إلى بناء شبكة من التوتر المتصاعد، يُحكم فيها على المشاهد أن يخبئ أنفاسه، وهو يترقب اللحظة التي قد تنفجر فيها الأحداث، فهو يملك قدرة فريدة على التلاعب بالعقل الباطن، ليخلق حالة من الانسجام بين الخوف الحقيقي والخوف المفترض، بحيث يشعر الجمهور أنه جزء لا يتجزأ من القصة، وكأنه يعيش على حافة الهاوية، غير مدرك أن الخطر الحقيقي يكمن في داخل عقولهم.

طيور الموت

وفي مشهد من فيلمه «الطيور»، يبرز مدى عبقريته في بناء التوتر، حين تتصاعد أعداد الغربان بشكل مريب، وتبدأ هجماتها الغريبة، بينما تظل الكاميرا تلتقط وجه «ميلاني» وهي تدخن بهدوء، غير مدركة أن الموت يقترب من أعلى رأسها، وأن الخطر يتربص من فوقها.

كل لقطة كانت بمثابة خطوة نحو الجحيم، وكل تفصيل صغير كان يزرع فينا شعوراً بالرهبة، كأننا نعيش في عالم يسيطر عليه الشر غير المرئي، ويختبئ خلف ستار من الصمت.

أما هو، فكان يصف نفسه كأنه سائق قطار الملاهي، الذي يحدد بدقة متى يضغط على زر الإثارة، وكيف يوازن بين جعل الرحلة مثيرة بما يكفي لإثارة الصراخ، وألا يذهب إلى حد يُشعر الجمهور بالاختناق، حتى يظلوا يضحكون ويتذكرون التجربة كرحلة ممتعة، وليس ككابوس مرعب.

يقول: «أنا من يحدد كم يمكن أن نُشعر الجمهور بالانحدار، ثم نوقفه فجأة، ليخرجوا من السينما وهم يضحكون من شدة الإثارة، وكأنهم خرجوا من مغامرة لا تُنسى».

وفي حياته المهنية، أدرك هيتشكوك أن سر إثارة الجمهور يكمن في القدرة على بناء التوتر بشكل تدريجي، بحيث يشعر المشاهد أنه يمتلك مفتاح النهاية، ثم يعيد توجيه ذلك التوتر ليصنع من المشهد لعبة عقول، يسيطر فيها على أعصاب الجماهير، ويجعلهم يعيشون حالة من الترقب المستمر، وكأنهم على وشك الانهيار.

قصص مرعبة

ومن جانب آخر، يمكن القول إن أفلام هيتشكوك لم تكن مجرد سرد لقصص مرعبة، بل كانت دروساً في فن الإبداع، حيث أحدثت نقلة نوعية في مفهوم صناعة السينما، وجعلت من الفيلم فناً نفسياً عميقاً، يختبر حدود الإنسان، ويكشف عن دهاليز النفس البشرية المظلمة.

لقد استطاع أن يغير نظرتنا إلى السينما، ويثبت أن الرعب ليس فقط في المشهد المرعب، بل في الطريقة التي يُبنى بها، وفي كيف يمكن للفن أن يسيطر على عقولنا، ويأخذنا في رحلة من التوتر والدهشة، تترك أثراً عميقاً لا يزول.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق