نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الملك امام البرلمان الاوروبي: هذا عام القرارات المحورية.. والوحشية التي تشهدها غزة يجب أن تثير قلقنا جميعا #عاجل - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء الموافق 17 يونيو 2025 02:40 مساءً
ألقى الملك عبدﷲ الثاني، اليوم الثلاثاء، خطابا أمام البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية.
ولفت جلالته إلى أنه مع توسيع إسرائيل هجومها ليشمل إيران، أصبح من غير الممكن معرفة أين ستنتهي حدود هذه المعركة، الأمر الذي يهدد الشعوب في كل مكان.
وأكد الملك أن ما يحدث في غزة يتنافى مع القانون الدولي والمعايير الأخلاقية وقيمنا المشتركة، لا سيما مع استمرار الانتهاكات في الضفة الغربية، والوضع الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم.
وشدد جلالته على أن الفلسطينيين، مثلهم كمثل جميع الشعوب، يستحقون الحصول على حقهم في الحرية والسيادة، وإقامة دولتهم المستقلة.
وقال الملك إن العالم يعيش موجة تلو الأخرى من الاضطرابات دون توقف، فلا عجب أننا نشعر بأن عالمنا قد ساده الانفلات، وكأنه قد فقد بوصلته الأخلاقية.
وبين جلالته أن هذه المنعطفات التاريخية هي فعليا اللحظات الحرجة التي تتطلب منا أن نتشبث بقيمنا ولا نتخلى عنها.
ولفت الملك إلى أن الأمن الحقيقي لا يكمن في قوة الجيوش، بل في قوة القيم المشتركة، وأن السلام الذي تفرضه القوة أو الخوف لن يدوم أبدا.
وتطرق جلالته في خطابه إلى تأسيس الاتحاد الأوروبي، عندما ساهمت خيارات أوروبا في تشكيل عالم أكثر استقرارا، مبنيا على المبادئ السامية.
وأشار الملك إلى أن إيمان الأردن الراسخ بالقيم المشتركة بين الأديان السماوية الثلاث "متجذر في تاريخنا وتراثنا، وهو ما يدفع مبادئنا الوطنية المبنية على التسامح والاحترام المتبادل".
وتابع جلالته "هذه القيم تقع في صلب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتي تعهدنا بحماية هويتها التاريخية متعددة الأديان من أي اعتداء".
وتاليا النص الكامل للخطاب:
"بسم ﷲ الرحمن الرحيم
السيدة رئيسة البرلمان الأوروبي،
السادة أعضاء البرلمان،
أصحاب السعادة،
أشكركم جميعا. يشرفني أن أتحدث أمام البرلمان الأوروبي مرة أخرى.
أصدقائي،
قبل خمس سنوات، تحدثت من هذا المنبر عن الحاجة الملحة لإيجاد حلول سياسية للصراعات، واستعادة الثقة في العدالة العالمية، ومساعدة الشعوب كافة، وخاصة الشباب، على إيجاد الأمل والفرص.
ومنذ ذلك الحين، مر مجتمعنا الدولي بالعديد من الاضطرابات السياسية والتكنولوجية والاقتصادية؛ من جائحة فيروس كورونا، وتهديدات أمنية جديدة، وتسارع تكنولوجي غير مسبوق، إلى المعلومات المضللة التي تفشت بشكل مفرط، وحرب شديدة في أوكرانيا، وحرب قاسية على غزة، وأخيرا الهجمات الإسرائيلية على إيران، والتي تهدد بتصعيد خطير في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
نحن نعيش موجة تلو الأخرى من الاضطرابات دون توقف، فلا عجب أننا نشعر بأن عالمنا قد ساده الانفلات، وكأنه قد فقد بوصلته الأخلاقية، فالقواعد تتفكك والحقيقة تتبدل كل ساعة، والكراهية والانقسام يزدهران، والاعتدال والقيم العالمية تتراجع أمام التطرف الأيديولوجي.
في خضم هذه الفوضى، يهددنا خطر نسيان هويتنا وقضايانا التي ندافع عنها، ولكن هذه المنعطفات التاريخية هي فعليا اللحظات الحرجة التي تتطلب منا أن نتشبث بقيمنا ولا نتخلى عنها، فعندما يفقد العالم قيمه الأخلاقية، نفقد حينها قدرتنا على التمييز بين الحق والباطل، وبين ما هو عادل وما هو قاسٍ، الأمر الذي يولّد الصراع.
يعلّمنا التاريخ أن الحروب نادرا ما تكون فقط حول بسط السيطرة على الأراضي، بل هي معارك حول وجهات النظر العالمية، والأفكار والقيم التي ستشكل مستقبلنا.
أوروبا تدرك ذلك جيدا، فبعد الحرب العالمية الثانية، اختارت أوروبا إعادة البناء، ليس فقط لمدنها بل للركائز التي تأسست عليها، إذ صممت شعوب أوروبا على ترك الماضي وراءها، وبناء عصر جديد من السلام. اختاروا الكرامة الإنسانية عوضا عن الهيمنة، والقيم عوضا عن الانتقام، والقانون عوضا عن القوة، والتعاون عوضا عن الصراع.
لقد استنتجت أوروبا في أعقاب الحرب أن الأمن الحقيقي لا يكمن في قوة الجيوش، بل في قوة القيم المشتركة، وأن السلام الذي تفرضه القوة أو الخوف لن يدوم أبدا.
كما اخترتم أن تدركوا أن ما يجمعكم أعظم بكثير مما يفرّق بينكم، واليوم، يجب أن يدرك مجتمعنا العالمي أهمية ذلك.
نحن نعلم أن النزاعات والخلافات هي واقع إنساني، وأن التحديات التي نواجهها ستزداد تعقيدا، وأن الاضطرابات هي السمة الحاضرة في عصرنا، ولكن ما هو أهم من ذلك كله، هو كيفية تعاملنا مع هذه الخلافات، والقيم التي نرسخها لأنفسنا وشعوبنا.
على مر التاريخ العربي والأوروبي، كانت قيم الاحترام والمسؤولية والنوايا الحسنة تقود التعاون الذي أثمر عن نتائج لمنفعة الطرفين، وبإمكان هذه القيم أن ترشدنا في الاستجابة لتحديات هذا العصر.
لقد سعيت من هذا المنبر، ومن العديد من المنابر الأخرى على مر العقدين الماضيين، إلى تسليط الضوء على القيم التي تجمعنا، فالعديد من هذه القيم متجذرة في أدياننا: الإسلام والمسيحية واليهودية، كقيم الرحمة والعدل والمساواة، والتعاليم الأخلاقية التي توارثناها عبر الأجيال، مثل احترام الجار، وحماية الأطفال والأبرياء، ومساعدة الفقراء والمصابين، وحماية أرضنا، وغيرها من القيم.
إن إيمان الأردن الراسخ بهذه القيم المشتركة متجذر في تاريخنا وتراثنا، وهو ما يدفع مبادئنا الوطنية المبنية على التسامح والاحترام المتبادل. نحن نفخر بكوننا موطنا لموقع عُمّاد السيد المسيح عليه السلام (المغطس)، وبلدنا المسلم هو موطن لمجتمع مسيحي تاريخي، وجميع مواطنينا يتشاركون في بناء وطننا.
وهذه القيم تقع في صلب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتي تعهدنا بحماية هويتها التاريخية متعددة الأديان من أي اعتداء. ويعود تاريخ هذا الالتزام إلى وعد لأهل القدس منذ قرون عديدة، فقد أمرت العهدة العمرية المسلمين باحترام كنائس مدينة القدس وحمايتها، وعدم إيذاء أي كاهن ولا قتل طفل أو امرأة أو شيخ، وبعد مرور ألف عام، جعلت اتفاقيات جنيف هذه المبادئ نهجا عالميا، إلا أن الأحداث الأخيرة قد وضعت هذه القيم والمبادئ في موضع الشك، وعلينا أن نعمل جاهدين لنضمن صمودها على مر الزمن والأزمات.
أصدقائي،
أعربت في خطابي هنا قبل خمس سنوات، عن قناعتي التامة بأن أمامنا دوما الإمكانية لأن نختار الطريق الأمثل لنكون أفضل وأكثر وحدة. وقبل ثمانين عاما، قمتم باختيار ذاك الطريق الأمثل لأوروبا، ولفترة طويلة من الزمن، ساهمت خياراتكم في تشكيل عالم أكثر استقرارا، مبنيا على المبادئ السامية.
واليوم يتجه هذا العالم نحو انحدار أخلاقي، إذ تنكشف أمامنا نسخة مخزية من إنسانيتنا، وتتفكك قيمنا العالمية بوتيرة مروعة وعواقب وخيمة. يتمثل هذا الانحدار بأوضح أشكاله في غزة، التي خذلها العالم، وأضاع الفرصة تلو الأخرى في اختيار الطريق الأمثل للتعامل معها.
فلنعد بالذاكرة إلى عام 2023، أثارت أولى الهجمات والغارات الإسرائيلية على مستشفى في غزة آنذاك صدمة وغضبا عالميا. ومنذ ذلك الحين، وثّقت منظمة الصحة العالمية ما يقارب 700 هجوم على مرافق الرعاية الصحية في غزة. كيف يعقل لما كان يعتبر فعلا وحشيا قبل 20 شهرا فقط، أن يصبح الآن أمرا شائعا لدرجة أنه بالكاد يذكر؟
كيف يعقل لإنسانيتنا أن تسمح بأن يصبح ما لا يمكن تصوره أمرا اعتياديا؟ أن تسمح باستخدام المجاعة كسلاح ضد الأطفال؟ أو أن تسمح باستهداف العاملين في القطاع الصحي والصحفيين والمدنيين الذين يبحثون عن الملجأ في المخيمات؟
إن مرور20 شهرا على هذه الوحشية يجب أن يثير قلقنا جميعا، لكن ليس بوسعنا أن نتعجب من ذلك، لأنه عندما يفشل مجتمعنا العالمي في سد الفجوة بين القول والفعل، وعندما لا تُمارس القيم السامية، فإنها تصبح ادعاءات فارغة ومستهلكة.
والآن نحن على مفترق طرق آخر حاسم في تاريخنا؛ مفترق طرق يتطلب الاختيار بين السلطة والمبدأ، بين حكم القانون أو حكم القوة، بين التراجع أو التجديد. لأن كل هذا على المحك بالنسبة للجميع.
والأمر لا ينطبق على غزة فحسب، فهذه ليست مجرد لحظة سياسية أخرى لتسجيل المواقف؛ بل إنه صراع حول هويتنا كمجتمع عالمي في الحاضر والمستقبل.
من المرجح أن يكون هذا العام هو عام القرارات المحورية لعالمنا بأسره، وسيكون لقيادة أوروبا دور حيوي في اختيار الطريق الصحيح، ويمكنكم الاعتماد على الأردن كشريك قوي لكم.
هنالك مجالان أساسيان للعمل: الأول هو دعم التنمية، لأن ازدهار الشرق الأوسط يوفر فرصا تعود علينا جميعا بالمنفعة، ولكن كما رأينا مرارا وتكرارا، فإن العكس أيضا صحيح، فعندما ينعدم الأمل، تمتد تداعيات ذلك لتتعدى حدود الدول.
أما بالنسبة لمجال العمل الثاني، فعلينا اتخاذ إجراءات حاسمة ومنسقة لضمان الأمن العالمي. ولن يكون أمننا المشترك مضمونا حتى يتصرف مجتمعنا العالمي، ليس فقط لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ولكن أيضا لإنهاء أطول بؤرة اشتباك في العالم وأكثرها تدميرا، ألا وهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر منذ ثمانية عقود.
والفلسطينيون، مثلهم كمثل جميع الشعوب، يستحقون الحق في الحرية والسيادة، ونعم.. إقامة دولتهم المستقلة.
إن ما يحدث في غزة اليوم يتنافى مع القانون الدولي والمعايير الأخلاقية وقيمنا المشتركة، ونحن نشهد الانتهاكات تلو الأخرى في الضفة الغربية، والوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم.
إذا فشل مجتمعنا العالمي في التصرف بشكل حاسم، فإننا نصبح متواطئين في إعادة تعريف معنى أن تكون إنسانا؛ لأنه إذا ما استمرت الجرافات الإسرائيلية في هدم منازل الفلسطينيين وبساتين الزيتون والبنية التحتية بشكل غير قانوني، فإنها ستهدم أيضا الحدود الأخلاقية. والآن مع توسيع إسرائيل هجومها ليشمل إيران، لا يمكن معرفة أين ستنتهي حدود هذه المعركة. وهذا، أصدقائي، يهدد الشعوب في كل مكان.
وفي نهاية المطاف، يجب أن ينتهي هذا الصراع، والحل الوحيد الذي يمكننا تطبيقه هو الحل القائم على السلام العادل والقانون الدولي والاعتراف المتبادل.
أصدقائي،
إن الطريق الذي نسلكه للارتقاء بأنفسنا لا يمكن أن يكون ممهدا بالتقدم التكنولوجي أو الإنجازات العلمية أو الانتصارات السياسية وحدها، بل إنه يصنع بالخيارات التي نتخذها كل يوم كأفراد وقادة.
لقد سلكنا طريق السلام من قبل، ويمكننا أن نسلكه مجددا، إذا تحلينا بالشجاعة اللازمة لاختيار هذا الطريق وقوة الإرادة لنسلكه معا.
شكرًا لكم".
وضم الوفد الأردني المرافق لجلالة الملك، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، ومدير مكتب جلالة الملك، المهندس علاء البطاينة، وسفير الأردن لدى بلجيكا ورئيس بعثة المملكة لدى الاتحاد الأوروبي يوسف البطاينة.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق