صراعٌ مفتوح فوق أرضٍ ضيقة… - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: صراعٌ مفتوح فوق أرضٍ ضيقة… - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 06:56 مساءً

تتسارع وتيرة التصعيد بين إيران وإسرائيل ويبدو أن خطوط النار لم تعد تقتصر على ميادين الظلّ أو رسائل الردع السرية. إنّها مواجهة خرجت من الغرف المغلقة لتُمارس فوق الأرض وتحت السماء، على امتداد الجغرافيا الملتهبة، من دمشق إلى أربيل، ومن عمق إيران إلى قلب الجليل المحتل.

لقد شهدنا في الايام الأخيرة تحولات خطيرة اغتيالات نوعية ضربات جوية دقيقة تحليق مكثف للطائرات المسيّرة، وقصف متبادل في مناطق النفوذ في مشهد يؤشر إلى مرحلة جديدة من المواجهة العلنية بين طهران وتل أبيب. غير أن النيران ككل مرة، لا تتوقف عند حدود اللاعبين الكبار… بل تمتد لتحرق الهشاشة من حولهم وهنا تحديداً يظهر لبنان كأضعف الحلقات في المعادلة الإقليمية المعقّدة.

لبنان… بين الهشاشة والاشتعال لطالما شكّل لبنان ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، لكنه اليوم يقف على حافة انفجار محتمل نتيجة تعقّد المشهد الإقليمي. فحزب الله، الذراع الأقوى لإيران على الحدود الشمالية لإسرائيل يُعدّ في عين المنظور الإسرائيلي هدفًا مباشرًا يجب تحييده ضمن أي خطة لاستهداف النفوذ الإيراني. وكل تصعيد في الساحة السورية أو العراقية يقابله توتر على الحدود الجنوبية للبنان حيث يصبح الشعب اللبناني رهينة لقرارات تتخذ في طهران وتُترجم من الضاحية الجنوبية.

تُذكّرنا أحداث أبريل 2024 بالقصف المتبادل بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، في أخطر تصعيد منذ حرب تموز 2006. الرسالة كانت واضحة: الساحة اللبنانية ليست بمنأى عن ردود الفعل وكل ضربة إيرانية قد تجد ترجمتها بصواريخ تُطلق من الجنوب.

اقتصاد الحرب ونفَس الناس في زحمة التحليلات العسكرية والسياسية، يغيب الوجه الإنساني للأزمة. فالمواطن اللبناني العالق بين الأزمات الاقتصادية والانهيار النقدي يجد نفسه اليوم مرعوبًا من شبح الحرب يحسب أيامه على إيقاع نشرات الأخبار، ويراقب السماء كمن ينتظر قدَرًا معلّقًا.

انقطاع الكهرباء ارتفاع الأسعار ضعف البنى التحتية ونزيف الهجرة الجماعية ليست مجرّد نتائج طبيعية لانهيار داخلي بل أيضًا أعراض مباشرة لتوتر إقليمي يتفاقم فوق أرض هشّة لا تحتمل المزيد من الصدمات.

منذ سنوات تعتمد إسرائيل في خطابها الأمني على مقولة استهداف رأس الأخطبوط بدلًا من الاكتفاء بقطع أذرعه. في المقابل، تستثمر إيران في تثبيت نفوذها عبر وكلاء محلّيين وأذرع عسكرية في عدة ساحات: من الحوثيين في اليمن إلى الفصائل في العراق وصولًا إلى حزب الله في لبنان. وهكذا تتحوّل جغرافيا المنطقة إلى حقول تجريب للردع المتبادل: من يردّ أولًا؟ ومن يصمد في الجولة التالية؟

المنطقة على حافة انفجار إقليمي في الظاهر يبدو أن الأطراف تمارس سياسة العضّ دون القضم أي ضربات مدروسة لا تؤدي إلى حرب شاملة، لكنها تُبقي التوتر في أقصى درجاته. ومع ذلك فإن احتمال الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة يبقى مطروحًا خاصة في ظل اختلال توازنات الردع أو وقوع خطأ استراتيجي غير محسوب.

أما لبنان فسيبقى عرضة للاهتزاز طالما أن قراره الوطني مُعلّق بين مصالح الخارج وطالما أن الانقسام الداخلي يُغذّي هشاشته. هو بلد على تماس مباشر مع لعبة الأمم لكنه غائب عن طاولة القرار.

فهل سيُكتب لهذا البلد أن يصمد مرة أخرى في وجه العاصفة، أم أننا أمام لحظة فارقة ستُعيد رسم المشهد برمّته و تتغير فيكل كل الخرائط الجغرافية و الجيوسياسية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق