نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: من هو جياني إنفانتينو الحقيقي؟ - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 08:38 مساءً
موسى علي
داخل البيت الأبيض، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قمة حماسه، حيث قال ممازحاً عن ضيفه: "إنه مثل طفل استيقظ صباح عيد الميلاد ليجد الألعاب تحت الشجرة. هذا الحماس يُعجب الناس كثيراً"، ضحك جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، وأومأ برأسه موافقاً ومبتهجاً، كما لو أنه يصدق كل ما قيل.
كان ذلك في مناسبة لإطلاق فريق العمل الخاص بكأس العالم 2026، حين وصفه ترامب بـ"صديقي الكبير" و"ملك كرة القدم".
والحقيقة أنه كذلك، فبصفته رئيساً للفيفا، الهيئة الحاكمة لكرة القدم عالمياً، يُعد إنفانتينو الشخصية الأكثر نفوذاً في اللعبة، يقترح أفكاراً جريئة تبدو أحياناً مرتجلة، مثل كأس العالم للأندية بمشاركة 32 فريقاً، وكأس عالم بـ48 منتخباً، ثم يحوّلها إلى واقع، بينما يجوب العالم على متن طائرة خاصة، يلتقي النجوم والزعماء، ويشارك مغامراته مع ثلاثة ملايين متابع على إنستغرام، ويبدو أحياناً كالصبي المتحمّس الذي وصفه ترامب.
يُعرّف نفسه على إنستغرام بشعار: "أعيش كرة القدم، أوحّد العالم من خلال كرة القدم، وأجعل اللعبة عالمية بحق"، كما يحب أن يصف الفيفا بأنها "مزوّد رسمي للسعادة البشرية"، وقد لقّبه الإعلام السويسري بـ"ملك الشمس الجديد لكرة القدم"، في إشارة إلى لويس الرابع عشر، ملك فرنسا.
اسمه منقوش مرتين على كأس العالم الجديدة للأندية، التي صممتها دار المجوهرات الفاخرة "تيفاني آند كو"، يرافقه طاقم إعلامي خاص لتوثيق كل تحركاته، ومع تزايد نفوذه وشهرته، لا يسعنا إلا أن نتذكّر ما قاله ألكسندر تشيفرين، رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم: "لا يجب لأي مسؤول في اللعبة، مهما كان حجم غروره، أن يظن أنه نجمها. نحن لسنا النجوم".
قبل عقد من الزمن، لم يكن أحد يتوقع أن يصبح رئيساً للفيفا، لكن سلسلة فضائح الفساد التي أطاحت بجوزيف بلاتر فتحت الطريق أمام إنفانتينو، الذي استغل الفرصة بمهارة وسرعة.
فهل قصة إنفانتينو هي قصة صعود ملهم من طفل مهاجر بسيط إلى قمة هرم كرة القدم؟ أم أنها حكاية بطلها شخص يسعى وراء السلطة؟
في تقريرها المطوّل، تحدثت صحيفة "ذا أتلتيك" إلى عشرات الشخصيات التي عملت في أروقة الفيفا، بعضهم وصفه بـ"العبقري"، وآخرون رأوا فيه "بدلة فارغة"، حتى من دعموه سابقاً يعترفون أنهم بالكاد يتعرفون عليه اليوم، أحد المسؤولين السابقين في يويفا قال: "لا أتعرف على إنفانتينو الذي أراه اليوم. لا أعلم هل هذا هو إنفانتينو الحقيقي، أم أن المنصب قد غيّره؟".
من "بيكولو" إلى رئيس الفيفا
وُلد جياني إنفانتينو عام 1970 في سويسرا، وكان أصغر إخوته، وأطلقوا عليه لقب "بيكولو" (الصغير)، وُلد بمشاكل صحية تطلّبت نقل دم عاجل، تبرع به شخصان من بريستول (إنجلترا) وبلغراد (يوغوسلافيا آنذاك).
نشأ في بلدة بريغ-غليس السويسرية، لكنه ترعرع على الثقافة الإيطالية، والده فينتشنزو من كالابريا، ووالدته من لومبارديا، كانت العائلة فقيرة مقارنةً بمستوى المعيشة في المنطقة، حيث كان والده يعمل على القطارات ليلاً، ويبيع الصحف والسجائر نهاراً مع والدته.
عانى من التمييز كطفل مهاجر، كما يروي ابن خاله دانييل نيلن، الذي يقول: "لم تكن المشكلة لون شعره الأحمر أو بشرته المرقطّة، بل كونه إيطاليًا".
كان ذكياً للغاية. يقول نيلن: "أول ما يفعله عند العودة من المدرسة هو فتح صحيفة "لا غازيتا ديلو سبورت"، يقرأ كل نتائج المباريات، كل شيء عن الرياضة… كرة القدم فقط".
كان من مشجعي إنتر ميلان، ويحب اللاعبين ألتوبيلي وبيكالوسي، لكن مسيرته الكروية لم تتجاوز الفريق الثالث في نادي بلدته. لكنه عوّض ذلك بشغف التنظيم، فاقترح دمج نادٍ للمهاجرين بنادي البلدة، وأقنع الإدارة بالموافقة، ومنذ صغره قال: "إذا لم أكن جيداً بما يكفي لأكون لاعباً، سأكون محامي اللاعبين".
الطريق إلى القمة
في عمر 30 عاماً، التحق بالاتحاد الأوروبي لكرة القدم كموظف قانوني، ويصفه زملاؤه السابقون بأنه كان مهذباً، كفؤاً، ومنظماً، لكنه لم يكن صاحب قرار، بل كان يعمل في ظل ميشيل بلاتيني.
عندما بدأت فضائح الفساد تهزّ أركان الفيفا، وكان بلاتيني المرشح الأقوى لخلافة بلاتر، تحرك إنفانتينو للترشح بنفسه بعد إقصاء بلاتيني بسبب فضيحة مدفوعات مشبوهة.
وبينما كان المرشحون الآخرون يتنازعون الأصوات، شقّ إنفانتينو طريقه بدهاء، واستغل دعم الاتحادات الأوروبية والعربية والآسيوية ليُنتخب رئيساً للفيفا في 2016، ثم أعيد انتخابه لاحقاً دون منافسة.
اليوم، ها هو يواجه مشروعه الأثير كأس العالم للأندية في ميامي، يواجه تحديات كبيرة: مبيعات تذاكر منخفضة، وإرهاق متزايد بين اللاعبين.
ومع ذلك، يواصل إنفانتينو العمل بحيوية صبيانية لا تفارقه، تمامًا كما قال ترامب: "إنه كطفل يرى ألعابه تحت الشجرة". سواء أحببته أم لا، تبقى الحقيقة أن جياني إنفانتينو، بالاسم والطبع، يجسد الطفولة الدائمة في عالم يزداد تعقيدًا.
شخصية حازمة
يتفق حتى أقرب المقربين من جياني إنفانتينو على أن شخصيته الحازمة والمسيطرة أثارت التوتر داخل أروقة الفيفا؛ يوصف بأنه سريع، حاسم، لا يرحم في الاجتماعات، ولا يطيق الإطالة أو التردد. ومع أن البعض رأى فيه سابقاً شخصية تحليلية وهادئة حين كان في اليويفا، إلا أن صعوده المفاجئ لرئاسة الفيفا عام 2016 بدا للبعض كخطوة محسوبة بدقة أشبه بلعبة شطرنج ذكية، رغم أن عائلته كانت تصفه حينها بالشخص الحساس والمتواضع.
منذ توليه رئاسة الفيفا عام 2016، واجه إنفانتينو سلسلة من القضايا والتحقيقات، تتعلق كتضارب المصالح وسلوك سلطوي أضعف استقلال لجان الرقابة. ورغم تصريحات الفيفا بأنها خضعت لإصلاحات عميقة وشفافة، فإن مراقبين، مثل مارك بيث وهانز إيكرت، يرون أن الإصلاح كان شكلياً، وأن إنفانتينو عزز ثقافة النفوذ لا المساءلة.
في 15 مايو الماضي، شهد مركز مؤتمرات كونميبول في أسونسيون، باراغواي، توتراً ملحوظاً قبيل انطلاق المؤتمر السنوي الـ75 للفيفا، حيث كان من المقرر أن يبدأ في الساعة 9:30 صباحاً، لكن رئيس الفيفا، جياني إنفانتينو، لم يكن موجوداً.
المندوبون الـ210 تلقوا بريداً إلكترونياً يُبلغهم بتأجيل الجلسة ثلاث ساعات بسبب "ظروف غير متوقعة"، بينما كان إنفانتينو لا يزال في طريقه على متن طائرة خاصة، حيث أمضى الأيام السابقة في اجتماعات رسمية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
عند وصوله، اعتذر إنفانتينو عن التأخير مشيراً إلى مسؤولياته كرئيس للفيفا، وعلّل التأخير بـ"مشكلة في الرحلة"، إلا أن هذا التبرير لم يُقنع الجميع، حيث انسحب 8 أعضاء من المجلس الأوروبي، بينهم رئيس اليويفا ألكسندر تشيفرين، احتجاجاً على ما اعتبروه تأجيلًا يهدف لخدمة مصالح خاصة على حساب كرة القدم.
في مشهد مثير للجدل، واجه إنفانتينو انتقادات بسبب تقاربه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خاصة بعد ظهوره في المكتب البيضاوي وهو يبتسم ويوافق على تعليقات مثيرة من ترامب حول التوتر مع كندا والمكسيك.
رغم كل الجدل حول شخصية إنفانتينيو، إلا أنه نجح الفيفا بقيادته في تحقيق طفرة مالية غير مسبوقة، مع توقعات بتحقيق إيرادات تفوق 10 مليارات دولار حتى عام 2026.
0 تعليق