نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: دواء الموت.. كيف تحوّلت الصيدليات السودانية إلى مقابر صامتة؟ - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء 18 يونيو 2025 11:33 مساءً
متابعات – تليجراف الخليج
تشهد منظومة الإمداد الدوائي في السودان حالة انهيار شبه كامل مع اتساع رقعة الحرب وتدمير المؤسسات الصحية، لتتحول تجارة الأدوية إلى سوق موازٍ تسوده الفوضى، وتُروّج فيه أدوية مهربة ومغشوشة، في مشهد يعكس مأساة إنسانية وصحية غير مسبوقة.
الإنتاج المحلي يتوقف وسلاسل التوزيع تُدمر بالكامل
بحسب ما أكده عدد من الصيادلة والخبراء الصحيين، فإن البنية التحتية لتوزيع الأدوية تعرضت لانهيارات كبيرة نتيجة للنهب والقصف الذي طال مخازن شركات الأدوية والمنظمات الدولية، بما في ذلك مخازن أدوية الأمراض المستوطنة، الأمر الذي أدى إلى تعطيل شبه تام لسلاسل الإمداد.
وأوضح الصيدلي علاء بدر لـ”الترا سودان” أن الأضرار الكارثية شملت المراكز الاستراتيجية لتخزين وتوزيع الأدوية، مما أدى إلى عجز البلاد عن توفير الأدوية المنقذة للحياة. وأشار إلى تراجع واردات السودان من الدواء من نحو 360 مليون دولار سنويًا إلى 50 مليون دولار فقط، مقابل تداول نحو 150 مليون دولار في السوق الموازي، وهو ما يؤكد هيمنة اقتصاد الظل على القطاع.
أكثر من 70% من المستشفيات خارج الخدمة
ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 70% من المستشفيات السودانية خرجت عن الخدمة، فيما توقف 41 مصنعًا دوائيًا محليًا عن العمل، ما أدى إلى فراغ كبير في السوق، استغلته شبكات التهريب والتزوير لملئه بأدوية مجهولة المصدر، تُباع بأسعار خرافية.
وقد بلغ سعر المحلول الوريدي في بعض مناطق الخرطوم أكثر من 19 ألف جنيه سوداني، مقارنة بـ3 إلى 4 آلاف فقط في مدن مثل بورتسودان، بحسب شهادات صيدلانيين يعملون في القطاع.
الأدوية تمر عبر مسارات خاضعة لأطراف النزاع
وقال الصيدلي علاء بدر إن الدواء “أصبح جزءًا من اقتصاد الحرب”، حيث يتم نقله عبر مسارات خاضعة للميليشيات وأطراف النزاع، وليس من خلال القنوات النظامية، الأمر الذي يفتح المجال واسعًا أمام الفساد وسوء الإدارة ويؤدي إلى حرمان المناطق المنكوبة من حقها في العلاج.
وأشار إلى أن الحكومة المؤقتة أعلنت تخصيص 20 مليون دولار شهريًا لتوفير الأدوية، غير أن ذلك لم يُحدث فرقًا ملموسًا بسبب التلاعب في آليات التوزيع وسيطرة مجموعات مسلحة على المعابر والمسارات الحيوية.
وفيات بسبب الأدوية المغشوشة
تقول الصيدلانية تقوى وداعة الله، التي تعمل في صيدليات المجتمع ببورتسودان، إن جذور أزمة الدواء تعود إلى عام 2016 حين تم فك ارتباط “دولار الدواء” بالسعر الرسمي، إلا أن الحرب الأخيرة أدت إلى شلل تام في الإنتاج والتوزيع، ما جعل الأدوية المغشوشة والمهربة سيدة الموقف، وتُباع عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتجارة “الشنطة”.
وأكدت أن السوق امتلأ بأدوية لا تخضع لأي رقابة صحية، ما تسبب بوقوع وفيات حقيقية، خاصة بين مرضى السكري الذين استخدموا أدوية مغشوشة أو منتهية الصلاحية.
الكوليرا تحصد مئات الأرواح وسط نقص الأدوية
نقص الأدوية الأساسية لم يؤثر فقط على الأمراض المزمنة، بل تسبب في عجز السلطات عن احتواء الأوبئة القاتلة مثل الكوليرا، التي أودت بحياة 886 شخصًا حتى أكتوبر 2024، وفقًا لبيانات منظمة اليونيسف.
وفي مايو الماضي، ضبط المجلس القومي للأدوية والسموم شحنة أدوية غير مسجلة بقيمة 20 مليون جنيه سوداني في إحدى الصيدليات بمدينة ود مدني، في واقعة اعتبرها المراقبون مؤشرًا على الفوضى العارمة التي تضرب سوق الدواء في البلاد.
تهريب الأدوية عبر معابر نائية تسيطر عليها ميليشيات
تمر كميات كبيرة من الأدوية عبر معابر نائية مثل “الدبة” في الشمال وسوق “النعام” بين شرق دارفور وغرب كردفان، والتي تخضع لسيطرة مهربين تربطهم علاقات بقوات مسلحة. وأوضح علاء بدر أن هذه الأدوية تُنقل في ظروف غير ملائمة، ما يجعلها عرضة لفقدان الفعالية أو التسبب في مضاعفات صحية خطيرة.
وفي ولاية شمال كردفان، واجه مركز علاج الكوليرا في الأبيض أزمة حادة بسبب نقص المحاليل الوريدية، وكاد أن يفقد السيطرة على الوضع الصحي لولا شحنة طارئة وصلت بدعم من قوة أمنية محلية، مما يسلط الضوء على هشاشة الاعتماد على المساعدات الفردية في إنقاذ الأرواح.
مصر والهند المصدران الرئيسيان.. والأدوية السعودية نادرة
تُعد مصر والهند المصدرين الأساسيين للأدوية التي تدخل إلى السودان برًا، لكن الأدوية القادمة من السعودية، رغم جودتها العالية، تظل نادرة الوجود بسبب ارتفاع تكلفتها وصعوبة تمريرها في ظل الحرب، بحسب ما أشارت إليه تقوى وداعة الله.
وأضافت أن الرقابة في المطارات “أفضل لكنها محدودة”، بينما تمر معظم الأدوية الرديئة عبر المعابر البرية دون أي فحص أو رقابة، ما يجعل السوق مكشوفًا أمام السموم والمنتجات الخطرة.
أزمة الدواء تتحول إلى قضية أمن قومي
وفي ختام شهادته، قال الصيدلي علاء بدر إن أزمة الدواء تجاوزت البُعد الصحي لتصبح قضية أمن قومي، حيث يموت المرضى يوميًا بسبب عدم توفر زجاجة محلول أو شريط دواء. وأكد أن استمرار الحرب، مع غياب الرقابة، يعني أن مزيدًا من الأرواح ستُزهق، ليس فقط بسبب الرصاص، بل أيضًا بسبب غياب العلاج.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق