شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: "سيناريوهات" الحرب على إيران... هل أصبح "إسقاط النظام" عنوانها؟! - تليجراف الخليج ليوم الخميس 19 يونيو 2025 05:06 صباحاً
منذ فجر الجمعة الماضي، تعيش المنطقة بأسرها استنفارًا واسعًا، وسط ترقّب لمآلات المواجهة غير المسبوقة بين إسرائيل وإيران، في أعقاب الضربة المباغتة التي شنّتها الأولى على الثانية، بما لا يشبه أيّ ضربة سابقة في تاريخ الصراع الطويل بينهما، والتي كانت مجرّد "جولة افتتاحية" لحربٍ أخرى أضيفت إلى سجلّ حروب "طوفان الأقصى"، لا يُخشى أن تكون طويلة فحسب، بل أن تتحوّل إلى حرب إقليمية شاملة، كثر الحديث عنها في السنوات السابقة.
وبالفعل، ازداد "الغليان" على مدى الأيام اللاحقة، حيث بدا واضحًا أنّ المسافة بين طهران وتل أبيب لم تعد عائقًا، فالضربات الإسرائيلية على طهران وضواحيها تكاد لا تتوقف على مدار الساعة، كما حال القصف الإسرائيلي لقطاع غزة مثلاً، وفي المقابل، تحوّلت تل أبيب نفسها إلى ساحة حرب، لم تشهد مثلها على مستوى معظم الجبهات التي فُتِحت في الأشهر الماضية، مع الضربات الصاروخية التي طالتها في العمق، وما أحدثته من دمار واسع فيها.
وبالتوازي مع "الغليان"، يبدو أنّ الحرب أخذت أيضًا منحى تصاعديًا، على الرغم من التحرّكات الدبلوماسية التي رُصِدت في محاولة لوضع حدّ لها، ولعلّ ذلك تجلّى على المستوى العسكري مثلاً، باستهداف مبنى التلفزيون الإيراني، مع ما ينطوي عليه من رمزية بوصفه منشأة مدنية لا عسكرية، ولكن أيضًا على المستوى السياسي، في ضوء الموقف الأميركي، الذي ترقّى من مجرّد "أخذ العلم" بالهجمات، إلى "تبنّي" النظريات الإسرائيلية، وصولاً إلى التلميح "الجدّي" لاحتمال الانخراط المباشر في الحرب، على أكثر من مستوى.
ولعلّ تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في هذا الصدد تبدو مثيرة للجدل، فهو الذي أراد في اليوم الأول الإبقاء على "فرصة" المفاوضات النووية مع إيران، بات اليوم يطلب "الاستسلام غير المشروط" من جانب طهران، فيما يعلن الإسرائيلي أنّ "إسقاط النظام" نتيجة طبيعية لهذه الحرب، ويلوّح باغتيال المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، فأيّ أفق لهذه المواجهة "المجنونة"، إن صحّ التعبير، وما هي السيناريوهات المحتملة لها؟!.
في المبدأ، يؤكد العارفون أنّ الثابت حتى الآن في المواجهة القائمة بين إسرائيل وإيران، هو أنّها لا تشبه أيّ مواجهة سابقة، وبالتالي أنّ العودة إلى الوراء لم تعد مطروحة، خصوصًا بعد تجاوز كلّ "الخطوط الحمراء" في هذه الحرب، ليس فقط على مستوى الهجوم الإسرائيلي الأول، والاغتيالات التي طالت كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين دفعة واحدة، ولكن أيضًا ما أعقبها من هجمات، طالت مواقع سكنية ومنشآت مدنية، كما عند استهداف التلفزيون الإيراني.
وإذا كانت الهجمات الإيرانية في المقابل تندرج في خانة "الدفاع عن النفس" في مواجهة العدوان، استنادًا إلى مبدأ أنّ "الحرب فُرِضت" على طهران، ولم تكن هي التي بادرت إليها، فإنّ العارفين يشيرون إلى أنّها وصلت إلى مكان لا عودة فيه إلى الوراء أيضًا، حتى لو كانت إيران تبدي "انفتاحها" على العودة إلى المفاوضات، وذلك باعتبار أنّ أحداث الأيام الأخيرة نسفت كلّ ما تمّ التوصّل إليه من تفاهمات في وقت سابق، على مستوى النووي أو غيره.
ولعلّ نقطة التحوّل الأساسية على هذا الصعيد تكمن في الموقف الأميركي، الذي بدا "متضعضعًا"، وهو ينتقل من ضفّة إلى أخرى، فالرئيس دونالد ترامب نفى في اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي "تورّط" الولايات المتحدة، بل حاول الإيحاء بأنّه قد لا يكون موافقًا عليه بالمُطلَق، وأبدى تمسّكًا بجولة المفاوضات التي كانت مفترضة يوم الأحد، حتى إنّه تحدّث عن "فرصة" لتحقيق تقدّم على خطّ هذه المفاوضات بعد الضربة الإسرائيلية.
لكن، مع مرور الأيام، بدأ موقف ترامب يأخذ هو الآخر منحى تصاعديًا، فالرجل يقول إنّه لم يعد لديه "مزاج جيد" للخوض في المفاوضات، وبات منفتحًا أكثر فأكثر نحو التعاون المباشر مع إسرائيل، وصولاً إلى حدّ الانخراط في العدوان الإسرائيلي، لتحقيق الضربة "القاضية"، نتيجة ضغوط إسرائيلية، حتى إنّه لم يتوانَ عن دعوة إيران إلى "الاستسلام غير المشروط"، مهدّدًا المرشد الإيراني بشكل غير مباشر، بقوله "نعرف أين يختبئ".
إزاء ما تقدّم، تطرح الكثير من علامات الاستفهام عن سيناريوهات ومآلات المواجهة الإيرانية الإسرائيلية المتصاعدة، فماذا بعد تجاوز كل المحظورات والخطوط الحمراء؟ هل يمكن القول إنّ دخول الولايات المتحدة على الخط أصبح "حتميًا"، وأيّ تبعات لذلك على مستوى الإقليم والعالم؟ وهل تبقى المواجهة "محصورة" في هذه الحالة، بين هذه الأطراف الثلاثة، أم تتوسّع لتشمل الإقليم، خصوصًا إذا ما أصبح مصير النظام الإيراني على المحكّ؟.
حتى الآن، تبقى كلّ الاحتمالات والخيارات واردة وفق ما يقول العارفون، فإذا كان الإسرائيليون يرفعون شعار "إسقاط النظام الإيراني" ككلّ، كنتيجة للقضاء على القدرات النووية والصاروخية الإيرانية، وفق الأهداف المُعلَنة لحرب يقولون إنّهم يريدون أن تغيّر وجه الشرق الأوسط، ثمّة من يعتقد أنّ اللاعب الأميركي لا يتبنّى بالضرورة هذا الهدف، لكنه يريد توظيف الضربات الحالية، من أجل "فرض" الشروط عل الإيرانيين، بعيدًا عن تصلّب الجولات السابقة.
في المقابل، ثمّة قناعة لدى كثيرين بأنّ "رأس النظام" بات فعلاً مطلوبًا بالنسبة للإسرائيليين والأميركيين على حدّ سواء، وهناك من يقول إنّ الرئيس دونالد ترامب الذي وصل إلى البيت الأبيض "رافضًا للحروب العسكرية"، بات اليوم "يحشد" قواته في منطقة الشرق الأوسط، من أجل أن يسجّل لنفسه وعهده "إنجاز" القضاء على البرنامج النووي الإيراني، الذي لطالما اعتُبِر "تهديدًا" في الغرب، وهو يدرك أنّ ذلك لا بدّ أن يمرّ بـ"إسقاط" النظام الإيراني.
لكن هذا السيناريو قد لا يكون بالسهولة التي يوحي بها ترامب وغيره، إذ ثمّة من يعتقد أنّ الدخول الأميركي المباشر على خطّ الحرب، ولو اقتصر على مساعدة عسكرية مباشرة تحتاجها إسرائيل لحسم حربها، يقرع جرس الإنذار بتحوّل المواجهة، إلى حرب إقليمية شاملة، قد يدخل على خطّها الكثير من "أصدقاء إيران" في المنطقة، الذين لن يسمحوا بأيّ تهديد حقيقيّ للنظام، وسط مخاوف من أن تتفاقم الأمور أكثر، في ضوء الموقف الروسي اللافت وغيره.
في النتيجة، إذا كان هناك من يعتقد أنّ "سيناريو" تهديد النظام الإيراني سيؤدّي إلى اتساع نطاق الحرب، ودخول جهات محسوبة على إيران على خطّها، كـ"حزب الله" في لبنان وجماعة الحوثي في إيران، فإنّ هناك من يخشى من سيناريوهات أكثر خطورة، قد يُعرَف كيف تبدأ، لكن لا يُعرف كيف يمكن أن تنتهي، بما يؤدي إلى "تغيير وجه العالم" برمّته، وليس "وجه الشرق الأوسط" فقط، كما يريد نتنياهو ومؤيّدوه!.
0 تعليق