متابعات- تليجراف الخليج

في خطاب تاريخي وجهه إلى الشعب السوداني من بورتسودان اليوم 19 يونيو 2025، وضع رئيس الوزراء الانتقالي الدكتور كامل إدريس يده على أبرز التحديات البنيوية التي يعاني منها الوطن، مستعرضًا سلسلة من المشكلات المتجذرة، ومؤكدًا في ذات الوقت عزم حكومته المدنية القادمة على معالجتها بأسلوب إداري وقيادي حديث يعتمد على الكفاءة والنزاهة والخلق القويم.

مشكلات السودان الجوهرية في مرآة رئيس الوزراء

قال الدكتور كامل إدريس إن الأزمات التي تعاني منها البلاد ليست جديدة، لكنها متجددة باستمرار، ومن أبرزها غياب مبدأ “وضع الشخص المناسب في المكان المناسب”، إضافة إلى الضعف الواضح في الإدارة وغياب القيادة الرشيدة، فضلاً عن إهمال ملف التنمية المتوازنة، وغياب عدالة توزيع الثروة والسلطة.

وأكد إدريس أن الفساد بكافة أنواعه وأشكاله ما زال يمثل عقبة كبرى أمام استقرار السودان، مشيرًا إلى أن من بين الأسباب العميقة لأزمات البلاد استمرار صعوبة قبول الآخر، وذلك لأسباب حزبية وطائفية وعرقية، بل ودينية وجهوية أيضًا، مما يعيق التوافق الوطني الضروري للعبور إلى بر الأمان.

رسالة الأمل: حكومة مدنية بخيار الإصلاح

وأضاف رئيس الوزراء الانتقالي أن الحكومة المدنية القادمة، والتي وصفها بـ”حكومة الأمل”، تهدف إلى معالجة هذه المعضلات المزمنة عبر منهج علمي وأخلاقي ومهني، يعيد ترتيب مؤسسات الدولة ويعزز معايير الحكم الرشيد، من خلال الجمع بين الكفاءة والأخلاق والقيادة المسؤولة.

حكومات الظل.. قائمة طويلة من الكيانات غير الضرورية

وفي سياق حديثه عن الهيكل الوزاري القادم، كشف إدريس عن وجود قائمة طويلة من المجالس والهيئات والمفوضيات والأجهزة، التي وصفها بأنها “غير ضرورية”، مؤكداً أنها تمثل “حكومات موازية” تستنزف المال العام وتثقل كاهل الدولة دون مردود فعلي ملموس.

وأكد أن الحكومة الانتقالية بصدد مراجعة هذه الكيانات، مشيرًا إلى أن القرار سيكون إما بإلغائها نهائيًا أو دمجها داخل الوزارات المعنية، مع الإبقاء على الحد الأدنى منها فقط إذا اقتضت الضرورة، وبعد إعادة تفعيل أدوارها بشكل حقيقي وفعّال، وربما يكون ذلك لفترة محددة.

إعادة هندسة مؤسسات الدولة وفق معايير جديدة

خطاب إدريس حمل إشارات واضحة إلى توجه الحكومة نحو إعادة هيكلة أجهزة الدولة، بما يحقق كفاءة الأداء وترشيد الإنفاق، حيث أكد أن السودان لا يحتمل تعدد الأجهزة والكيانات عديمة الجدوى، وأن المرحلة المقبلة تتطلب إدارة مرنة وفعّالة تستجيب لحاجات المواطن وتعتمد على توظيف الطاقات بصورة علمية وأخلاقية متوازنة.

الإدارة بالكفاءة لا بالمحاصصة

وجه رئيس الوزراء رسالة غير مباشرة إلى القوى السياسية السودانية، بأن المرحلة القادمة ليست لمحاصصات حزبية أو توافقات شكلية، بل لاختيار الكفاءات القادرة على خدمة المواطن السوداني بضمير ومهنية، مشيرًا إلى أن مفتاح الحل يكمن في “الإدارة بالكفاءة لا بالمجاملة”، وأن منطق الدولة يعلو فوق أي انتماء.

وعد بمكافحة الفساد وتقليص الإنفاق العام

شدد إدريس على أن محاربة الفساد ستكون من أولويات الحكومة القادمة، ليس فقط كخطاب سياسي، بل كخطة واضحة المعالم تبدأ من تقليص هياكل الدولة غير الفعّالة، وتحقيق الشفافية الكاملة في صرف المال العام، وإخضاع كل مؤسسات الدولة لمبدأ المساءلة والمحاسبة، مهما كانت الجهة التي تتبع لها.